السيرة النبوية (15) مَزْقُوا موضع عفتها.. فكانت أول شهيدة
بقلم : الدكتور محمد النجار
صعدت روحها الطاهرة تشتكي الى الله أبا جهل الذي ضربها بحربته في موضع عفتها ولم يرحم كِبَر سنها ولا ضعف جسدها ، وتقبلتها ملائكة السماء وشيعتها كأول شهيد في الاسلام ،وهذه حكمة الله في أن يكون أول شهيد في الاسلام من النساء اعترافا بمكانة المرأة في ديننا الاسلامي .. اترككم مع (سُمية ..أم عمار).. تشكو الى الله ظلم الطغاة الجبابرة الذين قتلوها طعنا بالحربة في موضع عفتها كما يفعل الطغاة في كل عصر ظنا منهم قهر المؤمنين لكن الله من ورائهم محيط..
ونبدأ الآن في الحلقة (15) بإذن الله عنوان الحلقة ((مَزْقُوا موضع عفتها.. فصعدت روحها الى السماء شهيدة ))…
8- سمية أم عمار :
سُمية بنت خياط وقيل بنت خُباطِ. أم عمار بن ياسر بن عامر العنسي . كانت سُمية أمَةٌ لأبي حذيفة المخزومي، وكان ياسر والد عمار حليفا لأبي حذيفة ، فزوجه سمية ،،، فولدت له عمارا، فأعتقه أبو حذيفة، وظل ياسر وابنه عمار مع أبي حذيفة إلى أن مات ابو حذيفة، فلما جاء الاسلام، أسلمت سُمية.. وعمار ..وياسر .
فكانت أول اسرة كاملة تدخل الاسلام بعد بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
فكانت من السابقين الى الاسلام ، و قيل : أنها كانت سابع سبعة في الاسلام، وكانت ممن يعذب في الله عز وجل أشد العذاب.
أول من أظهروا الاسلام بمكة سبعة :
أخفى كثيرون اسلامهم خشية من ردات فعل المشركين ضدهم ،وهؤلاء لا حرج عليهم خاصة وأن معظم من الضعفاء الذين لا يستطيعون الدفاع عن انفسهم وليس لهم من يدافع عنهم ، لكن أعلن البعض عن اسلامهم واظهروا دينهم رغم علمهم بما سيلاقوه من اعتراض المشركين وامكانية التنكيل بهم لكنهم آثروا اظهار دينهم ابتغاء مرضاة الله مستعدين لتحمل الاذى في سبيل دينهم.
وأول من أظهر اسلامة بمكة سبعة هم : رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر ، وبلال ، وخباب ، وصهيب ، وعمار ، وسُمية.
فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر فمنعهما قومهما ، وأما الآخرون فاُلبسوا أدراع من الحديد ، ثم صُهروا في الشمس ، وجاء أبو جهل الى سُمية فطعنها بحربة فقتلها . ( اسد الغابة في معرفة الصحابة – سمية7024 ص 1535)
تعذيب اسرة بالكامل :
لما أسلم ياسر (والد عمار ) أخذته بنو مخزوم فجعلوا يعذبونه ليرجع عن دينه ..
يقول عثمان بن عفان : أقبلتُ أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم ، آخذٌ بيدي نتماشى في البطحاء حتى أتينا على أبي عمّار وأمه وهم يُعذبون .
فقال ياسر : الدهر هكذا ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : اصبرْ ، اللهم اغفر لآل ياسر وقد فعلتَ .
لم يرحمها ابو جهل رغم كبر سنها وضعف جسدها:
ذاق آل ياسر أشد أنواع العذاب لاعتناقهم الإسلام ديناً ، إلا انهم صبروا على كل ما ذاقوه من الأذى والحرمان من قومهم، فقد ملأ الله قلوبهم نوراً . قال عمار بن ياسر أن المشركين قاموا بتعذيبه لدرجة اضطر معها لإخفاء إيمانه وإظهار الكفر والقول على الرسول بما لايليق به ، وقد أنزلت آية في شأن عمار في قوله عز وجل : (( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان)).
قال ابن اسحاق: حدثني رجال من آل عمار بن ياسر أن سمية أم عمار عذبها هذا الحي من بني المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم على الاسلام حتى قتلوها ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مَرَّ بعمار وأمه وابيه وهم يُعذبون بالأبطح في رمضاء مكة ، فقال مبشرا لهم جميعا : (( صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة ))
أول شهيدة في الاسلام امرأة :
وعندما عَلِم أبو جهل بإظهار ” سمية ” دينها واسلامها ، جاء يشتم سمية ويلومها ويوبخها ويضربها رغم كِبَرِ سِنِها وضعف جسدها ، ثم أخذ يطعن بحربته في قبلها حتى قتلها ، فكانت اول شهيدة في الاسلام .
فإن كان هذا الطاغية قد قتل جسدها لكنه لم يستطع السيطرة على قلبها الذي أضاءه الله بنور الايمان ، وإن كانوا مزق موضع عفتها ، فإن شرفها صعد الى السماء شاهدا لها بصدق إيمانها وشرف شهادتها في سبيل ربها.
والتاريخ يحفل بما يفعله المجرمون الطغاة مثلما فعل الطاغية المجرم أبو جهل عندما قذف سمية بحربته في موضع عفتها ، قاصدا قتلها بأبشع الطرق مع اهانتها في شرفها..
هكذا يفكر الطغاة المجرمون في كيفية كسر أنف ضحاياهم واجبارهم عل الاستسلام لهم و سحب اعترافهم بجرائم لم يرتكبوها ظانين بأن استسلام الضحايا لهم اعطاهم حقا في ممارسة الجريمة والرذيلة والاعتداء على الجسد والعرض والحياة .
وويل لهؤلا ء الطغاة والجبارين من مصير أسود ينتظرهم مثل مصير أبي جهل عندما قُتل في غزوة بدر شر قتلة..
وهذا صراع الايمان والكفر ، والحق والباطل منذ ان خلق الله الارض ومن عليها ، فيتصارع أصحاب القوة والمال والسلطان مع شعوبهم ،ينهبون ثرواتهم ويصادرون حريتهم ويحاكمونهم بقوانينهم الجائرة حتى تكون الشعوب عبيدا لهؤلاء اللصوص الطغاة .. وسيستمر الصراع الى ان يرث الله الارض ومن عليها ، وسيظهر أبو جهل جديد من جيل الى جيل .. لكن الله سيقهره كما قهر أبا جهل الأول الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم (( أنه عدو الله )).
أبو جهل ..قاتل سمية تحت قدم عبدالله بن مسعود :
خرج المشركون من قريش تجاه بدر لحماية قافلتهم التجارية العائدة من الشام التي كانت مهددة من المسلمين، لكن أبا سفيان سلك طريقا مختلفا ونجا بالقافلة من المسلمين وارسل الى قريش بخبر نجاته .
حاول عتبة بن ربيعة اقناع قريش بالرجوع الى مكة دون محاربة محمد صلى الله عليه وسلم واصحابه لتقادي القتال .. لكن أبا جهل رفض الرجوع الى مكة ، بل حرض المشركين على البقاء لمقاتلة المسلمين قائلا :
واللات والعزى لا نرجع حتى نقرن محمدا واصحابه بالحبال .
فقال عتبة غاضبا : سيكون ذلك شؤما وبلاء على قومه.
غلامان صغيران يتنافسان على قتل ابي جهل:
في غزوة بدر كان الموعد مع أبي جهل وجبابرة قريش ، وقبل بدء المعركة كان فتيان صغيران شقيقان يبحثان عن أبي جهل هما (معاذ – ومعوذ بن عفراء) ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد حدد الاماكن التي سَيُقتل فيها أعداء اللهِ وأئمة الكفر ..
يقول عبدالرحمن بن عوف :
ببينما أنا واقف في الصف يوم بدر ،نظرت عن يميني وشمالي فإذا أنا بين غلامين من الانصار حديثة اسنانهما (كناية عن صغر سنهما )، تمنيت لو كنت بين أضلع منهما ، فغمزني احدهما فقال : يا عم هل تعرف أبا جهل ؟
قلت ( أي رد عبدالرحمن بن عوف ) : نعم وما حاجتك إليه يا ابن أخي ؟؟
قال : سمعت امي تقول أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا . (المعنى انه لا يفارق ظلي ظله ولا جسدي جسده حتى يقتلني أو اقتله).
قال عبدالرحمن بن عوف : فتعجبت لذلك .
فغمزني الآخر.. فقال مثلها !!!!
قال (عبدالرحمن بن عوف) : فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يزول (يتجول) في الناس، فقلت للغلامين : ألا تريان .. هذا صاحبكما الذي تسألان عنه. فتعجب عبد الرحمن بن عوف من همة هذين الشقيقين.
قال : فابتدراه (حتى سقط من فرسه فضرباه بسيفهما حتى قتلاه . ثم انصرفا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه !
فقال لهما (النبي) : أيكما قتله ؟؟
فقال : كل واحد منهما أنا قتلت .
فقال لهما (النبي) : هل مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُما ؟؟
قالا : لا ..
فنظر (النبي) في السَيْفِيْنِ فقال : كلاكما قتله .
رواه مسلم والبخاري واللفظ لمسلم. (فتح الباري 7/295 – 296)
وفي اضافة للبخاري بعد خبر قتل الغلامين لأبي جهل ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من ينظر ما صنع أبو جهل ” ؟؟
فانطلق عبدالله ابن مسعود فوجده قد ضرباه – الشبلان الصغيران الشقيقان أبناء عفراء (معاذ ومعوذ) حتى برد ويصارع الموت في لحظاته الاخيرة ، فوضع قدمه على صدر ه وسأله فقال له :
أأنت أبا جهل ؟؟
أي عدو الله قد أخزاك الله ؟
قال: وبما أخزاني: من رجل قتلتموه ، : ” لقد ارتقيت يا رويع الغنم مرتقى صعبا ” ،ويستكمل عبدالله بن مسعود : معي سيف لي فجعلت أضربه ولا يحتك فيه شئ ( أي لا يؤثر فيه)، ومعه(أي مع أبي جهل)سيف له جيد فضربت يده فوقع السيف من يده، فأخذته من يده ثم كشفت المغفر عن رأسه فضربت عنقه، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال : آلله الذي لا إله إلا هو .؟؟؟؟؟ وهنا استفهام تأكيدي ..
قلت : . آلله الذي لا له إلا هو .
قال النبي : فانطلق فاستثبت!
فانطلقت وأنا اسعى مثل الطائر ثم جئت وأنا أسعى مثل الطائر أضحك فأخبرته.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق، فانطلقت معه فأريته، فلما وقف عليه صلى الله عليه وسلم قال :
هذا فرعون هذه الأمة .
وقال ابن ماجه:
أن رسول الله صلى يوم بُشِّر برأس أبي جهل ركعتين.
ونال ابو جهل جزاءه الأوفى ، ودفع ثمن تعذيبه لسميه غاليا حيث داسته الاقدام وأُذهقت روحه المجرمة بعيدا عن وطنه ،ملفوفة في غضب الله ،و محرومة من رحمة الله ، وأُلقيَ في القليب كما تدفن الجيَفُ العفنة لأي حيوان نتن في جوف الارض.
وانتهت اسطورة ابي جهل الاكبر .. وستنتهي اساطير أبي جهل في كل وقت وحين مهما كانت قوتهم .. فإن قوة الله اكبر.
تهنئة النبي لابن سمية (عمار ) بقتل قاتِلها :
اخرج ابن سعد بسند صحيح عن مجاهد قال :
لما قُتل ابو جهل يوم بدر قال الرسول عليه أفضل الصلوات و التسليم لعمّار بن ياسر مهنئا :
قَتَلَ اللهُ قاتِلَ أمِكَ ”
دروس هامة مُستفادة :
1- رأينا في الحلقة 14 كيف تحمل عمار بن ياسر اذى قريش الشنيع الذي تزول منه الجبال ،ورأينا ثباته على دين الله .. ويرجع ذلك الى التربية الراسخة له من امه البطلة الشهيدة (سمية ) التي وقفت في وجه الطاغية ابي جهل ورفضت الاستسلام للكفر حتى لو كان الثمن حياتها وإذهاق روحها رغم أنها كانت كبيرة في السن وضعيفة الجسد ، مما جعل ابنها صحابيا جليلا وسيدا وقورا ومؤذنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلامة مضيئة للفئة المؤمنة عندما قامت الفتنة الكبرى .
2- اقتضت حكمة الله ألا يقتصر الجهاد في سبيل الله على الرجال وحدهم وتفردهم بهذا الشرف العظيم بل جعله الله مكفولا للمرأة في كافة ميادين الجهاد ، وهذه قمة المساواة وايضا الثقة في امكانيات المرأة . ويختلف جهاد المرأة المسلمة باشتراكها في الجهاد فعليا عكس مانراه من استخدام المرأة الغربية في الجيوش بهدف الترويح والترفيه عن الجنود بمنأى عن الحياء والشرف.
3- لم تقتصر مبشرات الجنة على الصحابة فقط من الرجال بل شملت النساء بالبشريات بالجنة ، فقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم (( سمية )) بالجنة ، بل شملت البشرى زوجها ياسر وابنها عمار ، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم (( صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة )) ،و ربما كانت تلك المبشرات بسبب ( تلك الأم والزوجة سمية) التي منحها الله شرف أول شهيد وشهيدة على الاطلاق في الاسلام .. و يرجح ذلك الرأي تلك الوصية التي أوصى بها الصحابي الجليل حذيفة ابن اليمان- خازن سر رسول الله صلى الله عليه وسلم – قبيل وفاته وهو على فراش الموت حينما سأله الصحابة الحافين حوله قائلين له:
يا حذيفة .. ” بمن تأمرنا إذا اختلف الناس ” ؟؟
فأجابهم حذيفة ، وهو يلفظ اخر كلماته :
” عليكم بابْنِ سًمية .. فإنه لنْ يُفارق الحق حتى يموت ”
4- خروج صغار الشباب برغبتهم في المعركة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتراكهم في مصارعة الباطل ودحر الظلم والدفاع عن دين الله ومقدسات الامة، وهو امر طبيعي فلن تنجب الامة رجالا يحملون راياتها وهمومها دون ان يشتركوا في الدفاع عن دينهم ومقدساتهم.
5- تنشئة الابناء عمليا منذ ولادتهم على حب الله وقرآنه ورسوله وسنته والدفاع عنهم بكل غال ورخيص والزود عنهم في سبيل الله .
6- رغبة الأم (من الانصار بالمدينة ) ان يكون ابنها قاتلا لرأس الكفر الذي سب رسول الله صلى الله عليه وسلم وشارك وحرض وعذب المؤمنين والمؤمنات، وقتل سمية في عفتها في مكة ، وان يثأر لعرض رسول الله واصحابه حتى لو أدى ذلك الى شهادته في سبيل الله ، وتعليمه ان عرض المرأة المسلمة في أي مكان من أرض الله هو عرضه وشرفه وان الدفاع عن شرف الامة في كل مكان هو جهاد في سبيل الله وعزتها وكرامتها ، وان التقاعس عن الدفاع عن شرف أي امرأة مسلمة مهما بَعُدَ مكانها انما هو تقاعس عن دين الله ونصرة اخوانه المسلمين.
7- اذا كان هناك اختيار للأم المثالية في المجتمع المسلم الحقيقي، فيكون اختيارها للأم التي على شاكلة سمية أم عمار شهيدة الاسلام الاولى ، وشاكلة العفراء ام معوذ ومعاذ اللذين قَتَلا أبا جهل عدو الله وفرعون هذه الامة كما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولا تكون الأم المثالية من الراقصات والممثلات الذين أفسدوا ما أصلح الله ورسوله والمؤمنون.
8- وجوب تدريس هذا القصص الواقعية الهادفة لأبناء الامة في البيوت والمدارس والجامعات حتى تكون هذه النماذج الايمانية اسوة حسنة ترتقي بأفكار واقوال وافعال ابناء الامة من الرجال والنساء والكبار والصغار ،و ليس التأسي بما يروجه الاعلام من مروجي العري والرزيلة .
9- اقتضت حكمة الله أن يكون مصير أبي جهل الطاغية الغليظ القلب ، الذي أخاف الرجال ، فأخفوا إسلامهم ولم يجهروا بصلاتهم من شدة الخوف منه ، أن يُسَخِرُ الله له طفلان لم يتجاوز عمرهما (14) سنة، يُنْزلُونَه من على فرسه ويقتلونه مهللين بصيحات الله اكبر ثم يصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بفرعون هذه الامة .
10- اقتضت حكمة الله عدم التعجيل بالموت لهذا الخبيث أبي جهل بضربات الأبطال من أشبال الأنصار ، وأبقاه مصروعًا لكنه في حالة وعي وادارك يوشك على الموت ليريه بعين بصره في الدنيا ما بلغه من الخذلان والذل والمهانة على يد من كان يستضعفه ويؤذيه، ويضطهده في مكة ، فلا يقتله صناديد المسلمين مثل البطل الشجاع حمزة بن عبدالمطلب أو الفارس المُهاب علي بن ابي طالب ، لكن الله سخر له عبد الله بن مسعود الذي كان قصير القامة و نحيل البدن ووصفه أبو جهل نفسه بأنه (رويعي الغنم- تصغيرا وتحقيرا له) يعتلي صدره، ويدوسه بقدميه، ويقبض على لحيته تحقيرًا له، وتفزيعا له وقهرا لغروره واستكباره في الدنيا قبل رحيله الى الاخرة فينال ما يستحقه من عذاب الله.
11- لم يكن أبو جهل هو الطاغية الأول في تاريخ الطغاة والجبابرة الذين حادوا عن الحق وقهروا المؤمنين وساموهم سوء العذاب، فقد سبقه فرعون الذي طغى وبغى وحاصر موسى وقومه حتى كان البحر امامهم وهو من وراءهم، وظن انه سيقضي عليهم وانه مصيرهم ااصبح حتميا الاستسلام أو الهلاك ، لكن الله فتح لموسى الطريق وشق له البحر جسرا يعبر عليه هو ومن معه من المؤمنين ، فعبروا البحر بقدرة الله ولكن غباء فرعون وقوته أغراه بأن يعبر البحر وراءهم ، فاقتحم الجسر بجنوده الأشد غباء منه ، وتخلى الله عنه فغاص الجسر بفرعون وجيشه وأتباعه من الجنود والحاشية والمنافقين والجلادين الذين كانوا يعذبون المؤمنين، فأدرك فرعون وكل من معه انهم من المغرقين في البحر ، فأغرقهم الله جميعا بقوته وقدرته واصبح الجسر الذي كان طوقا للنجاة لموسى وقومه ، اصبح وسيلة الهلاك لفرعون وجيشه وبطانته، وجاءت لحظة الحقيقة لفرعون التي لايستطيع ان يخدع نفسه فيها فقال :
(( آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ )) سورة يونس90
الآن .. يا فرعون ..!!
ويرد الله عليه ((آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)سورة يونس .
وهذا مصير كل طاغية مهما تجبر وتكبر وظن انه يملك كل عناصر القوة والبطش .. فإن الله له بالمرصاد.
فهل من معتبر ؟؟؟
12- لن يتخلى الله عن المؤمنين مهما بلغت بهم الشدة والضعف ، واحاطت بهم قوة وبأس اعدائهم ، فإن الله ناصرهم بقوته وجنوده ﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾ [القصص: 5-6].
اخواني واخواتي .. أرجو ان يكون وفقني الله في عرض قصة سمية وما تعرضت له من تعذيب وقتل بحربة الطاغية ابي جهل في موضع عفتها ، ولكن الله انتقم لها من ذلك الطاغية الجبار ،والبشرى لكل المؤمنين بأن الله من وراء كل الجبابرة وان الله ناصر دينه واولياءه .. المهم الثبات على دين الله.
انتهت الحلقة الخامسة عشر (15) ، ونلتقي معكم بإذن الله في الحلقة السادسة عشر(16) يوم الجمعة القادم مع فقه السيرة وظلال النبوة.