الصراط المستقيم

السيرة النبوية (30) اللهم سلط عليه كلبا من كلابك

بقلم : الدكتور محمد النجار

 

ذكرنا في الحلقتين الاخيرتين نجاة النجاشي من الانقلاب العسكري الذي حدث ضده، ثم محاولات بطارقة الحبشة تنصير الصحابة والضغط عليهم في الحبشة ،وارتداد عبيد الله بن جحش ووفاته على النصرانية ،ووفاة النجاشي على الاسلام وصلاة النبي عليه صلاة الجنازة بالمدينة – صلاة الغائب- ونعود الى مكة ونبدأ   مرحلة جديدة من مراحل السيرة والاذى الذي زاد على النبي واصحابه بعد فشل جبابرة وطغاة مكة في محاولاتهم إعادة المهاجرين من الحبشة .. وما تلا ذلك من احداث بإذن الله

هل هاجر ابو بكر الصديق الى الحبشة :

ضاقت الارض على أبي بكر  في مكة مما أصابه فيها من الأذى، وما رآه من اذى قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأستأذن رسول الله في الهجرة الى الحبشة ليلحق بإخوانه المهاجرين الذين سبقوه هناك ، فإذن له النبي صلى الله عليه وسلم . خرج أبوبكر وحيدا لمدة يومين مهاجرا الى الحبشة ، فقابله ابن الدغنة وأرجعه الى مكة في حمايته ، رافضا ان يُخرج أبو بكر من مكة وهو صاحب الصفات العظيمة التي  تعرفها عنه قبائل العرب ،ويمنحه الحماية لحرية العبادة داخل مكة.

ففي الصحيح عن عائشة قالت:

لم أعقل أبوايَّإ إلا وهما يدينان الدين ، ولم يمر يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية. فلما اُبتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا الى ارض الحبشة حتى اذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة ، فقال : أين تريد يا أبا بكر؟

فقال أبو بكر : اخرجني قومي ، فأريد أن اسيح في الأرض وأعبد ربي .

فقال ابن الدغنة : إن مثلك يا أبا بكر  لا يخرج ولا يُخرج(وفي رواية: فوالله إنك لتزين العشيرة) ، إنك تكسب المعدوم ، وتحمل الكل ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق، فأنا لك جار. ارجع واعبد ربك ببلدك.

فرجع ابوبكر ، وارتحل معه ابن الدغنة.

فطاف ابن الدغنة عشية في أشراف قريش ، فقال لهم : إن أبا بكر  لا يَخرج مثله ولا يُخرج ، أتُخرجون رجلا يكسب المعدوم ،ويصل الرحم , ويحمل الكل، ويقري الضيف ،ويعين على نوائب الحق؟ فلم تكذب قريش بجوار ابن الدغنة،وقالوا لابن الدغنة :فأمُرْ أبا بكر ، فليعبد ربه في داره ،فَلْيُصَلِّ فيها ، وليقرأ ماشاء ، ولا يُؤذينا  بذلك ولا يَسْتَعْلِنْ، فإنا نخشى أن يُفتن نساؤنا وابناؤنا . فقال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر .

فلبث ابو بكر بذلك يعبد ربه في  داره ، ثم بدا لابي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره ، فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن ، فتتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون اليه ، وكان أبو بكر رجلا بكَّاء لايملك عينيه إذا قرأ  القرآ،، فأفزع ذلك اشراف قريش من المشركين ،فأرسلوا الى ابن الدغنة فقدم عليهم ، فقالوا : إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره ،وقد جاوز ذلك ، وابتنى مسجدا بفناء داره ، فأعلن بالصلاة والقرآن فيه ، وإنا قد خشينا أن يفتن أبناؤنا  ونساؤنا ، فانهه، فإن أحب على ان يقتصر على أن يعبد  ربه في داره  فعل  وإن أبى إلا أن يعلن ذلك فسله أن يرد اليك ذمته، فإنا قد كرهنا أن نخفر ذمتك ،ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان.

قالت عائشة : فأتى ابن الدغنة الى ابي بكر ، فقال : قد علمت الذي عاقدت لك عليه ، فإما أن تقتصر على ذلك ، وإما أن ترجع اليَّ ذمتى ، فإني لا أحب ان تسمع العرب أني خفرت في رجل عقدت له، فقال ابو بكر: فإني أرد اليك جوارك , وأرضى بجوار الله .  ((((المنهج الحركي للسيرة ص72 نقلا عن مختصر السيرة لعبدالله بن محمد بن عبدالوهاب ص87-88))))

دروس محاولة هجرة ابي بكر الى الحبشة :

  1. لم يكن ابو بكر مُحبا لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم ،بل كان يزور أبا بكر مرتين كل يوم- مرة في الصباح ومرة في المساء – حسب قول السيدة عائشة رضي الله عنها ، مما يدل على قوة العلاقة بينهما، لذا لم يفكر ابو بكر في الهجرة ومفارقة النبي إلا لظروف حقيقية لتعرضه لخطر القتل ، لسببين :

ا)     ان أبا بكر  كان الداعم الأول لرسول الله صلى الله عليه وسلم،وانه سيكون في المواجهة المباشرة مع كفار قريش وسيحاولون التخلص منه .

ب )     ضعف حماية قبيلته له لأنه من قبيلة – بني تيم – وهي قبيلة ضعيفة نسبيا ، ولن تقوى على مواجهة مكة وكفار قريش ، ويؤكد ذلك ماأشارت إليه السيدة عائشة رضي الله عنها أن ابن الدغنة طاف على كفار قريش واخبرهم بجواره وحمايته لأبي بكر ، وهذا معناه أن أبا بكر كان معرضا للخطر لولا حماية ابن الدغنة له.

  1. شعور ابي بكر بالخطر جعلته مضطرا للهجرة ليلحق بإخوانه الذين هاجروا واصبحوا تحت حماية النجاشي مباشرة وشعورهم بالامن والامان في الحبشة .
  2. صفات ابي بكر التي وصفه بها ابن الدغنة كانت مطابقة للصفات التي وصفت بها خديجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن ذلك على اتفاق بين السيدة خديجة في وصفها لرسول الله وبين ابن الدغنة في وصفه لأبي بكر الصديق، ولم يوصف احد بهذه الصفات مجتمعة غير رسول الله وصاحبه ابي بكر ، وهذا يفسر الدرجة العالية والمكانة العظيمة التي وصل اليها أبو بكر الصديق رضي الله عنه في ميزان الاسلام،ومعلوم ان أبا بكر لم يستطع منافسته احد فيما قدمه للاسلام .
  3. الحرب الاعلامية ضد الدعوة للاسلام وعدم السماح بانتشاره،ويظهر هذا جليا عندما اشترطت قريش على ابي بكر بالصلاة وقراءته للقران في بيته دون ان يستعلن ذلك، خشية ان يراه ويسمعه النساء والرجال فيؤمنوا به ، وهم يعلمون ان الاسلام هو دين الفطرة وبمجرد السماح بالدعوة اليه سوف ينتشر تلقائيا . وقد افزع قريشا مجرد معرفتهم ان ابا بكر قرأ القرآن في فناء بيته .

تحولت حرية العبادة عند ابي بكر  التي اعطاها له ابن الدغنة الى حرية الدعوة ، وهذه ما افزعت قريش وهاجت ومنعت ابو بكر مزاولتها .

  1. اطمئنان قلوب المؤمنين واصحاب الدعوة للاسلام حيث ان الطريق السلمي للدعوة يسمح لدعوتهم بالوصول الى قلوب البشر ومخالطة افئدتهم والدخول في دينهم ، عكس اعداء الامة الذين يصيبهم الرعب لمجرد السماح لعرض الاسلام  وكلماته على شعوبهم ، ان كلمات الله تثبت المؤمنين ..و تخيف الظالمين ، لذلك يتم شن الحروب على المسلمين بحجج واهية لكن حقيقة الامر هو محاولة محاصرة الاسلام ودعوته وعدم السماح بالدعوة اليه وانتشاره.
  2. لم يكتف أبو بكر بالصلاة داخل جدران منزله ويستفيد بمفرده من الصلاة وقراءة القرأن والعبادة ، بل قام بمحاولة جديدة لبث دعوة الاسلام الى الآخرين عن طريق الصلاة في فناء بيته،وكان رجل بكاء لايملك عينيه اذا قرأ القرأن فيشاهده و يسمعه نساء وشباب مكة ، وهذا ماتحقق فعليا ، حيث تقول الرواية “فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون وينظرون اليه” فأفزع ذلك اشراف قريش من المشركين..
  3. الاسلام دين الفطرة السليمة التي تتميز بالجمال والرقة والادب والاخلاق الحميدة وهذه غالبا ماتكون في الشباب والنساء الذين لم تزل فطرتهم سليمة ولم تتلوث بمصالح الدنيا ، ولذا يجب على الدعاة توجيه غالب دعوتهم لهذه الفئات لاكتساب قلوبهم وزيادة ايمانهم دون اهمال للشيوخ وكبار السن.
  4. لقد علم الله مدى حب ابي بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرد أن يبعده عنه أو يحرمه منه حتى لو كانت فترة قصيرة او طويلة .
  5. يجوز الاستفادة من الانظمة غير المسلمة لمصلحة الدعوة وهذا امر مشروع وقد رأينا النبي صلى الله عليه وسلم في حماية عمه ابي طالب الغير مسلم والذي اعطاه حماية حرية الدعوة .
  6. نية ابي بكر وخروجه في الهجرة  الى الحبشة اكسبته اجر الهجرتين : اجر الهجرة الى الحبشة رغم ان هجرته لم تكتمل ، واجر الهجرة الكبرى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى يثرب .
  7. التسليم بأن اختيار الله فيه الخير وإن لم نكن ندركه ، فبينما يخطط ابو بكر الصديق للهجرة الى الحبشة فيقابله ابن الدغنة ويرجعه الى مكة ، ولو كانت هجرته الى الحبشة تمت فإنه كان سيُحرم شرف هجرته ومرافقته  ومصاحبته للنبي صلى الله عليه في هجرته التاريخية الى يثرب.

فآثر ابو بكر حرية الدعوة مع ما يجده من بلاء قريش على أن يظل في حماية ابن الدغنة مع تقييد حريته في الدعوة.

 الفارق في الحماية لحرية العبادة وبين حرية الدعوة :

حرية الدعوة : كانت من أبي طالب للنبي صلى الله عليه وسلم الذي اعطاه الحماية مع حرية العبادة والدعوة  رغم كل مايجده من عناء قريش .

حرية العبادة  :داخل البيت وكانت من  ابن الدغنة لأبي بكر رضي الله عنه،وكانت  تحميه داخل بيته فقط ،مع تقييد حريته في الدعوة.

حنين أبي طالب لابنه جعفر  وشعره في النجاشي

اثارت حملة قريش ضد اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ابو طالب خاصة بعد فراق ابنه جعفر وهجرته بعائلته الى الحبشة ، ثم ارسال قريش طلب المهاجرين من النجاشي بإعادة هؤلاء المهاجرين لتعذيبهم والتنكيل بهم ،فهاجت مشاعر الأبوة الفطرية نحو ابنه واحفاده ، فأنشد أبو طالب أبياتا للنجاشي  يُثني عليه بجميل خصاله ويحضه على حسن جواره ابنه جعفر ومن معه من ا لمهاجرين  والدفع عنهم ‏‏:‏‏

ألا ليتَ شِعري كيفَ في النَّأْيِ جَعفرٌ..

وعَمروٌ وأعــــــــداءُ النبيِّ الأقــــــــــــــــــــاربُ؟

فهــل نــالَ أفعالَ النَّجــاشــــــيِّ جعفــــــــــــــرا……. وأصحابَهُ أو عاقَ ذلك شــــــــــاعِبُ؟

تَعلَّـــــــــمْ أبيتَ اللَّعْنَ أنّـــــَكَ مـــاجِـــــــــــــــــــــــــــــــــدٌ …….كريمٌ، فلا يَشقى لديكَ المُجانبُ

تَعلَّــــــــــمْ بـــــــــــــــــــــــــــــــــــأنَّ اللهَ زادَك بَسْـــــــــــطَة ً …….وأفعـــــــــــــالَ خــــــــــــــــيرٍ كلُّهــــــا بـــــكَ لازِبُ

وأنَّــكَ فَيـــــــــضٌ ذو سِـــــــــــــــــــــــــجالٍ غَزيرة ٍ …….ينــــــــــالُ الأَعــــــــادي نفعَها والأقـــــــارِبُ

معنى :أبيت اللعن :

دعاء و حثّ المخاطب بها على تجنب ما يستحق اللعن عليه والحث على فعل ما يحمد و يمدح صاحبه .

ثم إنها خاصة بالملوك قال الطاهر بن عاشور في شرح ديوان النابغة : أبيت اللعنَ : كلمة تقولها العرب لملوكهم عند التحية

قال النابغة ::

أتاني أبيت اللعن أنك لمتني   و تلك التي أهتم منها و أنصب

اذى قريش  للنبي بعد هجرة اصحابه للحبشة :

استقر الامر للمهاجرين في الحبشة تحت رعاية النجاشي الذي أولاهم عنايته وشملهم حبه  وذلك في السنة الخامسة للبعثة المحمدية(بعثة الرسول صلى عليه وسلم) وفشل قريش في محاولتها المستميتة لاسترجاع المهاجرين من الحبشة للتنكيل بهم ، مما  افقد  كبار زعماء قريش  صوابهم وزاد حنقهم  خاصة وقد أفلت عدد  كبير  من المسلمين من ايدي بطش هؤلاء الجبابرة .. فازداد اذى كفار قريش ضد المسلمين  الموجودين في مكة وفي مقدمتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

احتار مشركو  قريش في كيفية مواجهة محمد – صلى الله عليه وسلم – وإلحاق الأذى به وهو في حماية عمه أبي طالب الذي يقف حجر عثرة ضد أي محاولة أذى ضد ابن اخيه محمد ؟

فلم يَسْلم النبي صلى الله عليه وسلم من الضغوط والحرب النفسية التي مارستها قريش معه صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام رضي الله عنهم،

أذى ابو لهب :

وأول ما أتى الشُّرُّ ، أتاه من أقاربه  وأول ما أتى من عمِّه أبي لهب!

  • لماذا سُمي أبو لهب :

هو  عم رسول الله صلى الله عليه وسلم- شقيق ابيه-، وكان  جميل الوجه ، شديد الجمال ، ووجهه كان شديد  الحمرة و البريق والوسامة ،وإذا غضب صار وجهه من شدة احمراره مثل اللهب حتى أطلقوا عليه في الجاهلية هذا الاسم ، اسمه  الحقيقي  عبد العزى بن عبد المطلب ، وكانت كنيته أبو لهب مع إن أسمه كان عبد العزى..

-امرأته ” أم جميل  “: كانت من أشد الناس حقدا وعداوة وايذاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولدين الله الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم .

كان ابو لهب  قد عقد لولديه عتبة وعتيبة على ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم رقية وام كلثوم وذلك قبل أن يبادئهم بالدعوة الى الله..فأراد أبو لهب أن يكيد للنبي صلى الله عليه وسلم .

فأمر ولديه أن يطلقاهما قبل أن يدخلا بهما  ..

وفي رواية البلاذري في انساب الاشراف 1/401 :

( أن رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوَّجها عتبة بن أبي لهب بن عبد المطلب. فلما نزلت: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1]، قالت أُمُّه – (أُمُّ جميل بنت حرب بن أمية)- حمالة الحطب: قد هجانا مُحَمَّد. وعزمت عَلَى ابنها عتبة أن يطلق رقية رضي الله عنها، وقال له أبوه : رأسي من رأسك حرام إن لم تُطلق ابنة محمد ، ففارقها ولم يكن دخل بها  وعزم ، ففعل  ”

أما زوجته فهى( أم جميل ) وهى عوراء والأولى أن تسمى ( أم قبيح ) فهى ذكرت فى سورة المسد بـ ( حمالة الحطب ) فقد كانت تحمل حزمة من الشوك والحسك فتنثرها بالليل فى طريق النبى صلى الله عليه وسلم لإيذائه فقد كانت خبيثة مثل زوجها

وكانت تمشى بالنميمة بين الناس وتوقد نار البغضاء بينهم والعداوه ويحكى أن كان لها قلادة فاخرة من جوهر ،، فقالت : واللات والعزى لأنفقها فى عداوة محمد ،، فأعقبها الله حبلاً فى عنقها من مسد جهنم

– إعلام أبي لهب في جهنم :

قال الامام احمد :

أن ربيعة  – وكان جاهليا فأسلم – قال : رأيت  رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية في سوق ذي المجاز وهو يقول : (( يا أيها الناس قولوا لا إله الله تفلحوا )) والناس مجتمعون عليه ، وورااءه رجل وضئ الوجه أحول ذو غديرتين  يقول  (أي يسب النبي ويقول عنه) : إنه صابئ  كاذب  حيث ذهب ، فسألت عنه فقالوا  هذا عمه أبو لهب . ثم رواه هو والبيهقي   .

– الحرب الاعلامية الالهية :

مضى أبو لهب هو وزوجته أم جميل يثيرانها حربا شعواء على النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته ، لا هوادة فيها ولا هدنة . وكان بيت ابي لهب  قريبا من بيت النبي  فكان الاذى أشد . وقد رُوىَ ان ام جميل كانت تحمل الشوك فتضعه في طريق النبي ، وقيل : إن حمل الحطب كناية عن سعيها  بالاذى والفتنة والوقيعة .

وبينما النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند الكعبة  ، ومعه ابو  الصديق  ، جاءت ام جميل (حمالة الحطب) وفي يدها  فهر ( أي مقدار ملء الكف ) من حجارة . فلما وقفت عليهما  أخذ الله  ببصرها عن رسول الله  فلا ترى إلا أبا بكر . فقالت : با أبابكر  ، أين صاحبك ؟ قد بلغني أنه يهجوني . والله لو وجدته  لضربت بهذا الفهر فاه . أما والله  وإني لشاعرة! ثم  قالت :  ((مذمما عصينا    ….. وأمره أبينا ))

ثم . انصرفت ، فقال ابوبكر : يارسول لله ، أما تراها رأتك ؟ فقال : ما رأتني ، لقد أخذ الله ببصرها عني  .

ووصف ابو بكر امرأة أبي لهب بأنها امرأة بذيئة.

وروى الحافظ ابو بكر البزار – باسناده – عن ابن عباس قال :

لما نزلت (( تبت يدا أبي لهب )) جاءت امرأة ابي لهب ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم  جالس ومعه أبوبكر ،فقال له ابو بكر : لو تنحيت لا تؤذيك بشئ ؟؟ فقال رسول الله  (( أنه سَيُحال  بيني وبينها )) .. فأقبلت  حتى وقفت على ابي بكر ، فقالت : با أبابكر ، هاجانا صاحبك ، فقال ابوبكر : لا ورب  هذه البنية ما ينطق بالشعر  ولا يتفوه به ، فقالت : إنك لَمُصَدقٌ .  فلما ولت ، قال ابوبكر :  ما رأتك ؟ قال : (( لا .. مازال ملكٌ يسترني حتى ولت )).

فهكذا بلغ منها الغيظ والحنق ، من سيرورة هذا القول الذي حسبته شعرا ( وكان الهجاء لا يكون إلا شعرا ) مما نفاه لها أبو بكر وهو صادق !

ولكن الصور الزرية المثيرة للسخرية التي شاعت في آياتها ، قد سُجلت في الكتاب الخالد ، وسجلتها  صفحات الوجود ايضا تنطق بغضب الله وحربه لأبي لهب وامرأته جزاء الكيد لدعوة الله ورسوله ، والتباب والهلاك والسخرية  والزرية جزاء الكائدين لدعوة الله في الدنيا ، والنار في الاخرة جزاءا وفاقا ، والذل الذي يشير اليه الحبل في الدنيا والاخرة جميعا ..

-اللهم سلط عليه كلبا من كلابك :

عتيبة بن أبي لهب :

من تلك الضراوة التي اتصف بها جبابرة قريش ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن عتيبة بن أبي لهب طلق ابنة النبي ، ثم أتي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أنا أكفر ب ((والنجم إذا هوى )) وبالذي ((دنا فتدلى))، ثم تسلط عليه بالأذى ، وشق قميصه ، وتفل في وجهه ، إلا أن البزاق لم يقع عليه ، وحينئذ دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال :

(( اللهم سلط عليه كلبا من كلابك )).

إنه الفجور الذي ورثه عن أبيه وأمه واستحق ان يرميه الرسول صلى الله عليه وسلم بسهم دعاءه

(( الله سلط عليه كلبا من كلابك))

وقد استجيب دعاؤه  صلى الله عليه وسلم ، فقد خرج عتيبة مرة في نفر من قريش ، حتى نزلوا في مكان بالشام يقال له الزرقاء ، فطاف بهم الأسد تلك الليلة ، فجعل عتيبة يقول : ياويل أمي ، هو والله آكلي كما  دعا محمد عليَّ ،قتلني وهو بمكة وأنا بالشام ، فغدا عليه الاسد من بين القوم وأخذ برأسه فذبحه  .

ورد في دلائل النبوة لأبي نعيم :

أن أبا طالب كان حاضرا ذلك المشهد وتلك الدعوة على عتيبة، فقال للنبي: ما أغناك عن دعوة ابن أخي، وخرجو الى الشام ، فنزلوا منزلا ، فأشرف عليهم الراهبُ من الدير ، فقال لهم : هذه أرض مُسبعةٍ(أي يكثر فيها السباع).

فقال ابو لهب : يامعشر قريش أعينونا هذه الليلة  فإني اخاف عليه دعوة محمد ؟؟؟

فجمعوا أحمالهم ، ففرشوا لعتيبة عليها ، وناموا حوله ، فجاء الاسد فجل يتشمم وجوههم ، ثم ثني ذنبه فوثب، فضربه بيده ضربة فأخذه فخدشه ،فقال: قتلني ، ومات مكانه  .

وفي رواية :

خرج عتيبة مع اصحابه في عير الى الشام حتى اذا كانوا بالشام زأر الأسد ، فجعلت فرائصُه(عتيبة) ترعد ، فقيل له من أي شئ ترعد ؟ فوالله ما نحن وانت إلا سواء ، فقال عتيبة: إن محمدا دعا عليّ ، لا والله  ما أظلت السماءُ على  ذي لهجة أصدق من محمد، ثم وضعوا العشاء فلم يُدخل يده فيه ، ثم جاء النومُ فحاطوه بمتاعهم ووسطوه بينهم وناموا ، فجاءهم الأسد يهمس يستنشق رؤوسهم رجلا رجلا ، حتى انتهى إليه فضمغه ضغمةً كانت اياها ، ففزع وهو بآخر رمق وهو يقول : ألم أقل لكم إن محمدا أصدق الناس ؟؟؟!!! ومات  .

وقال  شاعر يهجو به ظالما مستشهدا بقصة عتيبة  :

فاســــــتوجب الدعوةَ منه بما ….بيـــــــــــَّن للناظــــــــــــــــــــــر والســــــــــــامع

أن ســـــــــــــــلط اللهُ  به كلبَــــــــــــــــه…..يمشي الهوينَا  مشيةَ الخادع

حتى أتــــــــــــاهُ وســــــطَ أصحابِه ….وقد علَتْــــــهم سنَةُ الهاجـــــــــــــعِ

فالتقـــــــمَ الرأسَ بيــــافوخِـــــــــــــــه .. والنحـــــــــرَ منه فغــــــــرة الجـــــــائع

بهذا أختم  الحلقة (30) ونلتقي معكم الاسبوع القادم بإذن الله في الحلقة  (31) مع فقه السيرة وظلال النبوة مع ملاحظة  احتفاظي بالمراجع لعدم امكانية نشرها في الجريدة في الوقت الحاضر..

اسأل الله ان يكتب لنا ولكم الاجر ” صدقة جارية” عن نشر سيرة وفقه أعظم نبي ورسول صلى الله عليه وسلم وان يجمعنا به صحبة في الفردوس الاعلى من الجنة .

 

د. محمد النجار
الجمعة 21 جمادى الثانية 1439هـ
الموافق 9 مارس 2018

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. جزاك الله خيرا لسرد الحلقة وتبسيط المعنى
    وما رائيت ما تم فعله من ضغوط نفسيا ملحقة واذى للسلف الصالح من اصحاب رسول الله لا يختلف عن ما نحن فيه تقيد الحريات مذهب لانظم من قديم الازال ..تحياتى لشخصك الكريم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.