استعرضنا في الحلقة السابقة (11) القصة المؤثرة (قصة حِبِ )النبي صلى الله عليه وسلم لغلامه زيد الذي لم يذكر القرأن الكريم اسما لصحابي سواه ، وهو ثالث الثلاثة الذين أول من أسلموا وصدقوا برسالة النبي (خديجة -على بن ابي طالب- زيد بن حارثة) ونستعرض في هذه الحلقة اسلام بنات النبي صلى الله عليه وسلم، واسلام ابي بكر الصديق وكيف انطلق فورا بدعوة الاخرين واسلم على يديه خيار الصحابة الاولين ونبدأ الآن في الحلقة (12) بإذن الله عنوان الحلقة (إسلام ابو بكر ورجال المال والاعمال ) نستكمل فيها أوائل من اسلموا اسلام بنات النبي : بنات النبي صلى الله عليه وسلم هن : زينب ، ام كلثوم ، فاطمة – رقية وقد تأثر بنات النبي بأبيهن صلى الله عليه وسلم قبل البعثة بحسن سيرته وصدقه وعدم عبادة الاصنام والتنزه عما كان يفعله اهل الجاهلية . وقد تأثرن بوالدتهن فأسرعن الى الايمان.
وأصبح بيت النبي صلى الله عليه وسلم هو أول أسرة مسلمة في تاريخ الدعوة الاسلامية حيث شرفه الله بالأسبقية في الايمان بالله وتلاوة القرآن وإقام الصلاة ، فهو : • أول مكان تُلى فيه وحي السماء بعد غار حراء . • أول بيت ضم المؤمنة الاولى سابقة السبق الى الاسلام • أول بيت اقيمت فيه الصلاة • أول بيت اجتمع فيه المؤمنون الثلاثة السابقون إلى الاسلام (خديجة ،وعلي ،وزيد بن حارثة). • أول بيت تعهد بالنصرة ، ولم يتقاعس فيه فرد من افراده كبارا وصغارا عن مساندة الدعوة. حق لهذا البيت ان يكون قدوة، ويحق لربته ان تكون مثالا ونموذجا حيا لبيوت المسلمين ،ولنسائهم ، ورجال المؤمنين كافة ، فالزوجة فيه طاهرةٌ ، مؤمنة ، مخلصة ، وزيرة الصدق ، والامان ، وابن العم المحضون ، والمكفول مستجيبٌ ، ومعضد ،ورفيق ، والمُتَبَنَى مؤمنٌ ، صادق ، مساعد ، ومعين ، والبنات مصدِقاتٌ ، مستجيبات ، مؤمنات ، ممتثلاتٌ.
وقد تجلى في هذا البيت التفاهم والحب والتكافل وتحققت فيه الآية الكريمة : “هو الذي خلقكم من نفس واحدة ،وجعل منها زوجها ، ليسكن اليها ، فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به ، فلما أثقلت دعوا الله ربَهما لئن آتيتنا صالحا لنصدقن ولنكونن من الشاكرين) سورة الاعراف189 .
كما تجلت فيه التربية الايمانية كما رواها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجال التربية : (( ما من مولودِ إلا يولد على الفطرة ، فأبواه يُهودانه ، أو يُنصرانه ، أو يمجسانه)). وكان من نتائج تلك التربية الايمانية أن يكن بنات النبي صلى الله عليه وسلم من السابقات الى الايمان برسالته والتصديق بنبوته. وإن المتأمل في نقطة البدء بهذه الدعوة التي توجهت الى امرأة ٍ كخديجة رضي الله عنها ، ومولىً كزيد بن حارثة ، وصبي كعليٍ بن ابي طالب ، وبقية أسرة النبي صلى الله عليه وسلم، ليدل ُ دلالةً واضحةً على ان الدعوة الاسلامية موجهةً لكل الناس – صغيرهم ، وكبيرهم ، ذكرهم ، وانثاهم ، وسيدهم ، ومولاهم – فلكل هذه الشرائح الاجتماعية من الرجال والنساء ، والاطفال ، والموالي دوره المنتظر في البناء الاجتماعي، وإقامة الدولة ، وانتشار الحضارة والواجب على كل مسلم ومسلمة يحب الله ورسوله حبا حقيقيا ان يكون بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوته المتمثلة في كل افكار واقوال وافعال صادرة من ذلك النموذج الايماني للبيت المسلم حتى تستقيم حياة المسلم والمسلمة على الطريقة الإيمانية التي يسعد في حياته ويلقى بها ربه راضيا مطمئنا .. ولا يقتدي بأعداء الامة في لباسهم وافكارهم وإعلامهم فمن تشبه بقوم فهو منهم. وبهذا نبني الفرد المسلم المستقيم الايجابي في كل افكاره وافعاله ، فتتكون تلقائيا الاسرة المسلمة الصالحة المستقيمة من أزواج صالحين مصلحين يؤدي فيها كل عضو واجبه بمقتضى معتقده الاسلامي ، فيسود الحب والوئام فتنتج شبابا صالحين وفتيات صالحات يلتزمون بالصلاح والشفافية والاصلاح بما يرفع من شأن المجتمع والنهوض بالأمة بموجب المنهج الالهي الذي يضمن حقوق كل افراد المجتمع وحرياتهم الشخصية والدينية والاجتماعية الاقليات دون عنصرية أو طائفية .
إسلام أبي بكر الصديق : كان أبو بكر يسمى عتيقا لحسن وجهه وكان يُسمى عبد الكعبة فأسماه رسول الله صلى الله عليه سلم ((عبدالله))، كان ابو بكر رضي الله عاقلا ورعا ، فقد حرم على نفسه الخمر ولم يشربها قط ،لا في الجاهلية ولا في الاسلام، وقد ترك هو وعثمان شرب بن عفان الخمر ، تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : والله ما قال ابو بكر شعرا قط في الجاهلية ولا في الاسلام، ولقد ترك هو وعثمان شرب الخمر في الجاهلية)، كما أنه لم يسجد لصنم قط . وكانت صفاته تقترب من صفات حبيبه محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم ، والفرق بينهما كالفرق بين من يصنعه الله على عينه ليكون رسولا نبيا وبين من خلقه الله تعالى صاحبا برا تقيا.
وما كاد محمدٌ يعرض عليه الاسلام حتى أسلم باطمئنان وثقة،وهذا ما جعله ينزل من نفس الرسول منزلةَ الحبيب الصديق ..والحبيب الصاحب. وكان إيمان أبي بكر يعادل ايمان أمة بأكملها . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما دعوتُ أحدا الى الاسلام إلا كانت فيه عنده كبوة،ونظر وتردد ،إلا ماكان من أبي بكر بن ابي قُحافة ، ما عَكَم عنه حين ذكرتُه له ، وما تردد فيه . قال ابن هشام : قوله : عَكم : تلبث وانصاع الكبوة : التأخير وقلة الاجابة جاء في الروض الآنف : ”
من أسباب توفيق الله له (أي لأبي بكر) أنه رأى القمر نزل مكة المكرمة ، ثم تفرق على جميع منازلها وبيوتها ، فدخل في كل بيت منه شعبة ، ثم كان جمعه في حجره ، فقصها على بعض الكتابيين(أهل الكتاب) فعبرها له بأن النبي المنتظر الذي قد أظل زمانه يتبعه ، فيكون أسعد الناس به ، فلما دعاه صلى الله عليه وسلم أجاب ” والعرب يهتمون بعلم الانساب وعلم التاريخ ،وكان لأبي بكر نصيب وافر منهما، حيث كان عالما بالأنساب وبأخبار الأولين وحوادث الدهر ، فكان نسابة العرب، وكان يعلم احوال قريش وما بها من خير وشر، فكان بمثابة رائد الطبقة المثقفة في قريش ،كما كان تاجرا مشهورا زادته السياحة والتجارة خبرة وعلما، مع تمتعه بأحًسنَ الاخلاق والصدق والامانة والقرب من قلوب معظم رجالات قريش وتجارها واصحاب الرأي فيها ،فأصبح عنده ملتقى رجال الاعمال ورجال المال في مكة بما له من رصيد ادبي وعلمي واجتماعي فيألفهم ويألفونه ويجالسهم ويجالسونه .. وهذا الصفات والخصاص التي امتاز بها ابو بكر رضي الله عنهم ساعدته في دعوته للإسلام لصفوة رجال مكة . فقد سارع بتصديق النبي صلى الله عليه وسلم دون تردد او إمهال . قال ابن اسحاق : فلما أسلم ابو بكر رضي الله عنه : أظهر اسلامه ، ودعا الى الله والى رسوله . بل كان أكثر ايجابية تعبر عن ايمانه العميق بالله سبحانه وتعالى وحبه الكبير لرسول الله صلى الله عليه وسلم.. فبمجرد ايمانه واسلامه خرج يدعو اصحابه فورا ..حيث كان لسان حال حرارة ايمانه يقول : كيف يستقيم دين أبي بكر وهو لا يدعو اليه ؟؟
فدعا أصحابه واحبابه الذين استجابوا لدعوة الحق .. فأسلم على يديه صفوة من خيرة الخلق : 1.عثمـان بن عفــــــــــان عمره (34) سنة 2. الزبير بن العـــــــوام عمره (12) سنة 3.عبدالرحمن بن عوف عمره (30)سنة 4.سعد بن ابي وقــاص عمره (17)سنة 5.طلحة بن عبيد الله عمره(13)سنة إن كل واحد منهم يعدل ألفا بإيمانهم، دعاهم ابو بكر فاستجابوا له، واحضرهم فرادى الى النبي صلى الله عليه وسلم ، فاسلموا بين يديه . ولقد احبهم الرسول وأحبوه وصاحبهم وصاحبوه ، فيهم الصغير والكبير ، والغني والفقير ، والعاقل والحكيم، وعلى رأسهم الرسول صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الوحي فلا ينطق عن الهوى. فيصلهم بالله في سماءه وعلياءه ، فأحياهم مطمئنين في ثقة ويقين. ولقد ظل نشاط أبي بكر ، وحماسه الى ان توفاه الله ، لم يفتر نشاطه ، ولم يمل دعوته ، بل ظل يحمل دين الله حتى لفظ انفاسه الاخيرة راضيا مرضيا . وكانت الاخبار تتناقل : أيهما كان أسبق الدخول في الاسلام : هل أبو بكر الصديق هو الاسبق في الدخول في الاسلام وهو رجل مكتمل يقترب عمره من الاربعين ، أم أن ألاسبق في الدخول في الاسلام كان على بن ابي طالب الذي كان في العاشرة من عمره ، ولم يبلغ سن المراهقة ،ولكنه كان مميزا فاهما ، أسلم متفكرا متدبرا مدركا ، و فقهاء المسلمين يعتبرون إسلام الصبي المميز صحيحا وإن اختلفوا في اعتبار ردته مستحقة للعقاب. ثم تتابع السابقون الاولون للدخول في الاسلام ، فاسلم ابو عبيدة عامر بن عبدالله بن الجراح ، وابو سلمة عبدالله بن عبد الاسد بعد تسعة أنفس. والارقم بن أبي الارقم المخزومي ، وعثمان بن مظعون الجمحي ،وأخواه : قدامة وعبدالله ،وعيدة بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف ، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، وامرأته فاطمة بنت الخطاب. ونلاحظ : أن أصحاب الجاه لهم أثرٌ كبيرٌ في كسب أنصار للدعوة ،ولهذا كان أثر أبي بكر رضي الله عنه في الاسلام أكثر من غيره . انتهت الحلقة الثانية عشر، ونلتقي معكم بإذن الله في الحلقة الثالثة عشر (13) يوم الجمعة القادم مع فقه السيرة وظلال النبوة. اخوكم د. محمد النجار (13-10-2017) الموافق 23 محرم 1439هـ.