السيرة (٣٩)..النبي بجوار عمه في لحظاته الاخيرة..عام الأحزان
10 أغسطس، 2018
0
بقلم .د / محمد النجار
ما إن تم نقض الصحيفة وفك الحصار وخرج المسلمون من الشِعب،إلا وحاصرت النبي صلى الله عليه وسلم احزانه على وفاة عمه أبي طالب الذي كان يحميه من طغاة مكة ثم حزنه بوفاة زوجته خديجة التي كانت تواسيه وتخفف الامه ، ثم ازداد أذى المشركين للنبي صلىى الله عليه وسلم دون مراعاة لأحزانه .. إنه عام الحزن لرسول الله صلى الله عليه وسلم.. اترككم مع تفاصيل الحلقة (39)..
دعاء النبي على قريش : لم يكن منهج النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء على المشركين ، بل كان منهجه الدعاء لهم بالهداية ، وعندما زاد آذاهم له و ألقوا فوق ظهره سلا الجزور، فقد حدد رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة أسماء دعا عليهم، وربما كان هذا الدعاء عليهم بوحي من الله ، فقد مات هؤلاء السبعة جميعا على الكفر ، أما في السنة التي حاصرت قريش النبي واصحابه وعشيرته التي شعر أن قريشًا قد طغت وتجبَّرت وحاصرت النبي وعمه أبي طالب وعشيرته واصحابه في العام العاشر للبعثة ومحاولتها في القضاء على الدعوة الى الله وإنهاء وجود النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد وضعوا ضمن شروط فك الحصار أن يتم تسليم النبي لقتله ، وكما حاصرت النبي في الشعب ، فقد وضعت طوقا لا يسمحون من خلاله لأحد من خارجها أن يسمع عنها شيئًا، مثلما حدث مع الطفيل الدوسي رضي الله عنه؛ حيث أمروه ألَّا يسمع محمدًا صلى الله عليه وسلم، وموقفهم مع أبي ذرٍّ رضي الله عنه حيث ضربوه ضربًا كاد يُفضي إلى موته لولا أن العباس منعهم من ذلك خوفًا على تجارتهم إلى الشام. فاضطر النبي صلى الله عليه وسلم أن يُغير استراتيجيته في الدعاء عليهم بدلا من الدعاء لهم , ورفع يده إلى السماء يدعو رب العباد ويستعين به على قريش وطغاتها الظالمين، “دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنين كَسِنِي يُوسُفَ ” ، فأصابهم قحط شديد ومجاعة شديدة حتى أكلوا الميتةَ والعظام والجلود ، فقالوا إن هذا دعاء محمد ، فلنذهب له ليدعو لنا لفك ذلك الكرب .فذهب اليه ابو سفيان يرجوه ان يدعو الله لهم ويناشد الرحم ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه لهم ، فكشف عنهم ذلك البلاء ، لكنهم لم يؤمنوا به كرسول و عادوا الكفر . قريش تفاوض أبا طالب في مرض وفاته : المشركون يطلبون عهدا من ابي طالب بينهم وبين ابن اخيه ما إن تم فك الحصار عن النبي صلى الله عليه وصحبه وعشيرته إلا وهاجم المرض أبا طالب الذي كان تجاوز الثمانين من عمره ، وبعد ان اشتد عليه المرض وشعرت قريش بقرب أجله ، وتشاوروا فيما بينهم عما اذا كان يتم التحاور معه قبل موته بشأن ابن اخيه (فليأخذ على ابن اخيه وليعطه منا ) حتى لا تُعَيُّرْهم العرب ويقولون عنهم : تركوه حتى إذا مات عمه تناولوه . فانطلقوا اليه وطلبوا منه أن يُسكت ابن اخيه ويدع الهتهم ، وهم ايضا يدعونه والهه. فاستدعى أبوطالب النبي صلى الله عليه وسلم وعرض عليه ما تعرضه قريش في أن يدع الهتهم وهم يَدَعُوهُ والهه.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا عم إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها تدين لهم بها العرب ، وتؤدي إليهم العجم الجزية.
فقالوا : كلمة واحدة؟؟ نعم وابيك عشرا ، فما هي ؟؟ قال : لا إله إلا الله. فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم ، يقولون : ( أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب) وفي رواية ( قال لهم النبي : إن أعطيْتكم ما سألتم ، أمُعْطيَّ أنتم كلمة واحدة لكم فيها خير ، تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم ، فقال أبو جهل وهو مستهزئ: نعم لله أبوك كلمة نعطيكها وعشرة أمثالها ، فقال: قولوا : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، فنفروا من كلامه وخرجوا مفارقينه وقالوا (( أمشوا واصبروا على آلهتكم إنَّ هذا لشئٌ يراد ، ماسمعنا بهذا في الملة الآخرة إنْ هذا إلا اختلاق ، أءُنزل عليه الذكرُ من بيننا ، بل هم في شكٍ من ذكري بل لمَّا يذوقوا عذابِ)سورة –ص6-8 ، وكا ممشاهم الى ابي طالب لما لقوا من عمر ، وسمعوا منه خوف قريش من حمزة وعمر عند وفاة ابي طالب : قال ابن اسحاق : لما اشتكى أبو طالب ، وبلغ قريشا ثِقَلُه ، قالت قريش بعضُها لبعض : إن حمزة وعمر قد أسلما ، وقد فشا أمرُ محمد في قبائل قريش ، فانْطَلِقوا بنا الى أبي طالب ، فليأخذ لنا على ابن اخيه ، وليعطه منا ، والله ما نأمن أن يبتزونا أمرنا. فمشوا إليه – عتبة بن ربيعة وأخوه شيبة بن ربيعة ، وأبو جهل بن هشام ، وأمية بن خلف وابو سفيان بن حرب في رجالهم من اشراف ، فقالوا : يا أبا طالب إنك منا حيث قد علمتَ ، وقد حضرك ما ترى ، وتخوفنا عليك ، وقد علمتَ الذي بيننا وبين اخيك ، فَادْعُه ، فخذ لنا منا ، وخذ لنا منه ، فاستدعاه وعرض عليه ما طلبه هذا الوفد ، فقال النبي : نعم كلمة واحدة تعطونيها تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم، فقال ابو جهل : نعم وأبيك وعشر كلمات ، قال : تقولون : لا اله الا الله ، وتخلعون ما تعبدون من دونه. قال : فصفقوا بأيديهم. وقالوا : أتريد يا محمد ان تجعل الالهة ألها واحدا ، إن امرك لعجب!!! ثم قال بعضهم لبعض : إن والله ما هذا الرجل بمعطيكم شيئا مما تريدون، فانطلقوا وامضوا عل دين ابائكم ، حتى يحكم الله بينكم وبينه ، ثم تفرقوا . وفي رواية لابن اسحاق : وبعد ان اشتد المرض على أبي طالب وشعرت قريش بقرب أجله ، وتشاوروا فيما بينهم (أبو جهل وعتبة و شيبة ابنا ربيعة / والعاصي بن سعيد ، وأمية بن خلف ) عما اذا كان يتم التحاور معه قبل موته بشأن ابن اخيه فقالوا : يامعشر قريش إن هذا الامر يزداد ، وإن أبا طالب ذو رأي وشرف وسن ، وهو على دينكم ، وهو اليوم مدنف(مريض) فامشوا إليه فأعطوه السواء يأخذ لكم وعليكم في ابن اخيه ،فإن خلوتم بعمر بن الخطاب وبحمزة بن عبدالمطلب وقد خالفا دينكم تكون الحرب بينكم وبين قومكم . فأقبلوا يمشون الى أبي طالب حتى جاءوه فقالوا : انت سيدنا وأنصفنا في انفسنا وقد رأيت الذي فعل هؤلاء السفهاء مع ابن اخيك من تركهم الهتنا وطعنهم في ديننا ، وقد فرق بيننا محمد وأكفر آلهتنا ، فأرسل الى ابن اخيك ، فأنت بيننا عدل . فأرسل ابو طالب واستدعى النبي وعرض عليه ما جاءوا به ، فقال ابو جهل : ترفضنا من ذكرك ، ولا تلزمنا ولا آلهتنا في شئ ، فندعك وربك . فرد عليهم النبي : ((إن اعطيتكم ما سألتم ، أمُعطي أنتم كلمة واحدة لكم فيها خير ، تملكون بها العرب ،وتدين لكم بها العجم))؟؟ فقال أبو جهل وهو مستهزئ نعم لله أبوك كلمة نعطيكها وعشرة أمثالها ، فقال : قولوا لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، فنفروا من كلامه وخرجوا مفارقينه . اللحظات الاخيرة لأبي طالب ينصح عشيرته باتباع محمد : عندما أدرك أبو طالب قرب أجله ، استدعى بني هشام ونصحهم قبيل موته باتباع محمدٍ و أن يؤازروه وينصروه تكون لهم الغلبة على العرب ، فقال لهم : يا معشر بني هاشم أطيعوا محمداً وصدقوه تفلحوا وترشدوا . وفي رواية :فقال لهم : إنكم لن تزالوا بخير ما سمعتم قول محمد واتبعتم أمره ، فاتبعوه وصدقوه ترشدوا . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : تأمرهم بالنصيحة وتدعها لنفسك؟؟؟ فقال له عمه : أجل … لو سألتني هذه الكلمة وأنا صحيح لها لاتبعتك على الذي تقول ، ولكني أكره الجزع عند الموت وترى قريش أني اخذتها عند الموت ، وتركتها وأنا صحيح ، فأنزل الله تعالى : ((إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين)) القصص 56. وفي رواية : قال النبي لعمه أبي طالب : ياعم تأمرهم بالنصيحة لأنفسهم وتدعها لنفسك ، قال: فما تريد ياابن أخي ، قال النبي: أريد منك كلمة واحدة ، فإنك في آخر يوم من الدنيا أن تقول لا إله الله ، أشهد لك بها عند الله . قال : ياابن أخي قد علمت أنك لصادق ولكني أكره أن يقال جزع عند الموت ولولا أن تكون عليك وعلى بني أبيك غضاضة ومسبة بعدي لقلتها ، ولأقررت بها عينك عند الفراق لما أرى من شدة وجدك ونصيحتك ، ولكني سوف أموت على ملة الأشياخ عبدالمطلب وهاشم وعبد مناف . و قد فارق أبو طالب الحياة في (شهر رجب في السنة العاشرة من النبوة بعد الخروج من الشِعب بستة أشهر ، وقيل توفى في رمضان قبل وفاة خديجة رضي الله عنها بثلاثة أيام ) ، تاركا الحزن يخيم على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم . هل نطق ابو طالب الشهادتين : (طمع النبي في نطق أبي طالب الشهادتين) قال ابن اسحاق : لما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا طالب في مرضه فقال له : ” يا عم قل لا اله الا الله أستحل بها لك الشفاعة يوم القيامة . قال (أبوطالب): والله يا ابن أخي لولا أن تكون سُبة عليك وعلى أهل بيتك من بعدي ، يرون أن قلتها جزعا حين نزل بي الموت لقلتها ، لا أقولها إلا لأسرك بها ، فلما ثقل أبو طالب رؤيَ يحرك شفتيه ، فأصغى إليه العباس ليسمع قوله ، فرفع العباس عنه فقال : يا رسول الله قد والله قال الكلمة التي سألته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لم أسمع . تعليق على شهادة العباس لأبي طالب بالنطق بالشهادة: كانت شهادة العباس قبل أن يُسلم العباس نفسه وقبل ان يدخل الاسلام، لأن شهادة العباس ستكون مقبولة لو انه كان حينها مسلما ، لأن شهادة العدل إذا قال : سمعت ، وقال من هو أعدل منه : لم اسمع ، لأُخذت شهادة من أثبت السماع ، لأن عدم السماع ربما يرجع لأسباب منع الشاهد بعدم السماع انه لم يسمع الشهادة ، لكن العبرة هنا أن شهادة العباس كانت قبل أن يُسلم . ومع ان الصحيح أن الآية نزلت في أبي طالب : “ما كان النبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين” ، كما سبق بيان قول العباس للنبي صلى لله عليه وسلم : إن أبا طالب كان يحوطك وينصرك ويغضب لك ، فهل ينفعه ذلك؟ فأجابه النبي : نعم ، وجدته في غمرات من النار ، فأخرجته الى ضحضاح. كما أن أبا طالب قال للنبي عند طلبه قول لا اله الا الله امام ابي جهل وأبن أبي أمية ، فقال : انا على ملة عبدالمطلب . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((لأستغفر لك ما لم أنهَ عنك)). فنزلت الآية ((ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قُربى من بعدِ ما تبين لهم أنهم اصحاب الجحيم )) التوبة 113. ونزلت الآية ((إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين)) القصص 56. وظاهر الاقوال ان أبا طالب مات على الشرك . مَن يواري أبا طالب الثرىبعد وفاته؟؟ ورد عن ابن إسحاق : عن علي بن أبي طالب قال : لما مات أبوطالب ، أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : إن أبا طالب ، عمك الكافر ، قد مات . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اذهب فوارهِ . فقال علي : والله لا أواريه ! فقال النبي : فمن يواريه إن لم تواره؟ فانْطَلِقْ فوارِهِ ثم لا تُحدثْ شيئا حتى تأتيني . قال علي : فانطلقت فواريته ثم رجعت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال النبي : انطلق واغتسل ثم ائتني ، ففعلت ثم أتيته ، فلما أتيته دعا لي بدعوات ما أحب أن لي بهن ما على الارض من شئ . وفي رواية قال النبي لعلي بن ابي طالب : «اذهب فوار أباك ولا تحدثن شيئا حتى تأتيني». فأتيته فأمرني فاغتسلت ثم دعا لي بدعوات ما يسرني أن لي بهن ما على الأرض من شيء. اعتراف النبي بفضل عمه أبي طالب : يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((ما نالت مني قريشٌ شيئا أكرهُهُ حتى مات أبو طالبٍ )) وقال صلى الله عليه وسلم : ((مازالت قريش كاعين عني حتى مات أبو طالب )) . ومعنى كاعين : أي جبناء منهزمين ولما نثر ذلك السفيه على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك التراب ، دخل بيته والتراب على رأسه ، فقامت أحدى بناته فجعلت تغسل عنه الترابَ وهي تبكي ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لها : لا تبكي يا بُنية ، فإن الله مانعٌ أباك . ويقول صلى الله عليه وسلم “ما نالت مني قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب “
.وفاة خديجة : زادت مصيبة وفاة زوجة النبي أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد أحزان رسول صلى الله عليه وسلم ، فقد كانت خديجة وزيرة صدق على الإسلام ، كان يسكن إليها ، فتواسيه وتخفف عنه آلامه النفسية وترفع عنه همومه التي يتأثر بها من أذى المشركين وجحودهم . فقد توفيت في العام العشر للبعثة بعد اسابيع قليلة من وفاة عمه أبي طالب. وكانت وفاتها في شهر رمضان في السنة العاشرة من النبوة ، ولها خمس وستون سنة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذاك في الخمسين من عمره . وكانت القيم الانسانية لدى العرب هي مواساة بعضهم البعض خاصة في حالات الوفاة حتى لو كانوا اعداء ، إلا ان وفاة أبي طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم ووفاة زوجته كانت على النقيض ، فإنها لم تهز مشاعر قريش تجاه احزان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل اظهروا الشماتة فيه وزادوا من إيذائهم له في تلك المرحلة عما كان ايذاؤهم له عندما كان عمه أبو طالب حيا يؤازره ويدفع عنه الأذى ، فقد رأي من الأذى والاستهزاء بعد وفاة عمه مالم يره !!!. فقد توفت في العام العاشر للبعثة (قبل الهجرة بثلاث سنوات) وقال ابن إسحاق : ثم إن خديجة رضي الله عنها وأبا طالب ماتا في عام واحد ، وذلك قبل الهجرة الى المدينة بثلاث سنين فتتابعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المصائب بهلاكهما، وذلك أن قريشا وصلوا من أذاه بعد موت أبي طالب إلى مالم يكونوا يصلون إليه في حياته منه ، حتى نثر بعضهم على رأسه التراب . وروى عروةُ عن عائشة ، قالت : تُوفيت خديجةُ قبل أن تُفرض الصلاة . وقال الواقدي : تُوفيت في رمضان ، ودُفنت بالحُجون . وقال قتادة : ماتت قبل الهجرة بثلاث سنين . وقيل : إنها عاشت خمسا وستين سنة .
ما حكمة الله بوفاة أبي طالب وخديجة قبل أن تتحقق دولة وقوة للمسلمين ؟؟ رغم الحماية التي كان يوفرها أبو طالب للنبي صلى الله عليه وسلم من كثير من المصائب والشدائد ، ورغم أن خديجة رضي الله عنها كانت الصدر الحنون الذي يحتوي كل همومه وآلامه وشدائده ، فإن الله قضى بحكمته وفاة عمه الداعم له في مواجهة الكفار سنوات طويلة، ووفاة زوجته التي كان يجد عندها السلوى والراحة النفسية من همومه التي كانت تقع عليه من خارج بيته . فإننا نرى حكمة الله في فقدانه لعمه وزوجته فيما يلي : ١_إن دعم النبي صلى الله عليه وسلم من عمه أبي طالب قد حقق له حماية شخصية له ولدعوته ، واستمرار هذا الدعم قد يراه بعض أتباعه على أنه السبب المباشر الذي هيئ للنبي فرصة الدعوة الى الله بسهولة ، دون تحمل أي مشاق أو اذى في سبيل دعوته ، ويُشعرهم بأنهم غير مكلفين بالدعوة إلا إذا توفرت لهم نفس الحماية التي توفرت للنبي صلى الله عليه وسلم ، وأنهم غير مكلفين بالصبر والتحمل للأذى النفسي والجسدي . فأراد الله سبحانه وتعالى أن يبين لأمة محمد جميعا بأنهم مكلفون بالدعوة رغم ما يلاقونه من اذى وتضحيات في سبيلها مثلما تعرض له نبيهم ورسولهم صلى الله عليه وسلم. ٢_التحقق اليقيني للمسلمين بأن النصر من الله مهما كانت الاسباب ، وصحيح قد تتوفر اسباب القوة للمسلمين لكن النصر من عند الله الذي يجب الاعتماد عليه وحده وتنفيذ أوامره. ٣_ثبات المؤمنين على دينهم ودعوتهم عندما يتعرضون للأذى ومهما تطلبت الظروف منهم التضحيات ، فتطمأن قلوبهم الى أن ما يتعرضون له من أذى هو طريق نبيهم وكافة الانبياء والرسل ٤_ليس معنى العصمة من الناس أن لا يرى منهم ايذاء أو عذابا أو اضطهادا ، وانما معنى العصمة التي تعهد بها الله عز وجل بقوله : ((واللهُ يَعْصِمُك من الناس)) المائدة 67 أي العصمة من القتل ومن أي صد أو عدوان من شأنه إيقاف الدعوة الاسلامية ، فقد قضت حكمة الله تعالى أن يذوق الانبياء قدرا غير يسير من الأذى ، وذلك لا ينافي العصمة التي وعد الله بها أنبياءه ورسله ، ولذلك يقول الله عز وجل لنبيه بعد قوله ((فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين، إنا كفيناك المستهزئين)) ، يقول له : (( ولقد نعلمُ انك يضيقُ صدرُك بما يقولون ، فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين ، واعبد ربك حتى يأتيَك اليقينُ)) الحجر 97-98. لماذا سمى النبي عام الحزن ؟ هل كان سبب تسمية النبي لهذا العام بعام الحزن هو وفاة عمه أبي طالب وزوجته خديجة ؟؟؟ وهل استبد الحزن بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى توقفت حياته حزنا على أبي طالب وخديجة ؟ صحيح أن قلب النبي صلى الله عليه وسلم قد اهتز حزنا على فراق عمه ابي طالب وزوجته خديجة وتحركت مشاعر الحزن والألم على قلبه لفقدانه لهما في هذه الفترة العصيبة ، ورغم ذلك لم يطلق مسمى عام الحزن لمجرد وفاتهما. بل كان عام الحزن شمل فقدان عمه وزوجته وانغلاق الابواب التي كانت مفتوحة أمامه للدعوة بعد وفاة عمه ابي طالب الذي كان يحميه ويترك له مجالا للدعوة ، فأصبح حزينا لعدم تحقيق نتائج في الدعوة الى الله ، وحاول ان يفتح أبوابا جديدة للدعوة الى الله فكانت رحلته الى الطائف يلتمس النصرة من ثقيف ، وما وجد فيها من عنت وألم ولذلك سمى هذا العام بعام الحزن. بهذا أختم الحلقة (39) ونلتقي معكم الاسبوع القادم بإذن الله في الحلقة (40) مع فقه السيرة وظلال النبوة مع ملاحظة احتفاظي بالمراجع لعدم امكانية نشرها في الجريدة في الوقت الحاضر.. اسأل الله ان يكتب لنا ولكم الاجر ” صدقة جارية” عن نشر سيرة وفقه أعظم نبي ورسول صلى الله عليه وسلم وان يجمعنا به صحبة في الفردوس الاعلى من الجنة . اخوكم د. محمد النجار (08/08/2018) الاربعاء 26ذوالقعدة1439