الصراط المستقيم

السيرة (42)إنتزاع خلافة الأرض من بني إسرائيل .. الإسراء والمعراج

بقلم الدكتور : محمد النجار

لقد افسد بنوإسرائيل وطغو وبغوا، وأن الأوان لانتقال خلافة الارض وقيادتها من بنى اسرائيل الى الامة الراشدة”أمة محمد”- موعد القرب من الحضرة الإلهية فى الملاء الأعلى ورحلة الاسراء والمعراج-السيرة (42)إنتزاع خلافة الأرض من بني إسرائيل .. الإسراء والمعراج 4
الاعجاز العلمي في الاسراء والمعراج – والدروس المستفاد من رحلة الاسراء – عودةبني اسرائيل والعلو والافساد فى الارض – وتفاصيل اخرى مع الحلقة (42) سائلا الله ان يتقبل ما نكتبه عن سيرة خير البشر وشفيع المؤمنين في ميزان حسناتنا وكافة مشاركاتكم لعل الله ينفع بها آخرين ونشارك بها في ايقاظ الامة وشبابها ..

تاريخ الرحلة :
في السابع والعشرين من شهر رجب من السنة العاشرة من البعثة (وهو الارجح في الاقوال الواردة في وقت حدث الاسراء والمعراج حيث توفيت السيدة خديجة في السنة العاشرة من البعثة قبل فرض الصلوات الخمس) ، أسرى الله تعالى بالنبي صلى الله عليه وسلم وأراه ملكوت السماوات والارض
برنامج الرحلة :
١-الاسراء من المسجد الحرام بمكة الى المسجد الاقصى بالقدس
٢-الصلاة بالأنبياء
٣-العروج من المسجد الاقصى الى السماوات العلى
٤-المرور بالأنبياء في السموات السبع
٥-مشاهدات الاقوام
٦-الوصول الى سدرة المنتهى والبيت المعمور
٧-شرف القرب من الحضرة الآلهية واستقبال ما أوحي اليه
٨-النزول الى المسجد الاقصى
٩-العودة الى مكة
متى نزلت سورة الاسراء ؟
نزلت سورة الاسراء التي أجمع المفسرون على انها سورة مكية ، وانها نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة بعد عودته من الطائف.
وأكثر التواريخ اتفاقا ماقاله البيهقي عن ابن شهاب رضى الله عنه قال : أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم الى بيت المقدس قبل خروجه الى المدينة بستة عشر شهرا ، وبعضهم قال قبل الهجرة بسنة ، على أيه حال فالمتفق عليه ان سورة الاسراء مكية .
ضيافة النبي في الملكوت الأعلى ..الاسراء والمعراج :
وذكر الله تعالى قصة الاسراء في كتابه الكريم في سورة الاسراء :
((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ))
وذكر قصة المعراج في الايات التالية :
((وَلَقَدْ رَآهُ-يعني جبريل- نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى. عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى. إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى. مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى. لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى((.
والثابت في البخاري أنه ابتدأ من الحطيم بالمسجد الحرام .
والحطيم : هو الحائط الذي يتخّذ شكل نصف دائرة، ويُطلق عليه أيضاً “حِجْر اسماعيل” ويُسمى بالحطيم لأنّ قريشا عندما قامت بترميم الكعبة لم تستطع استكمال بناء هذا الجزء من الكعبة بسبب نقص المال ، فتركت هذا الجزء “الحطيم” دون إتمام بنائه وبقي هذا الجزء محطّماً لهذا سمّي بالحطيم ، وقامت فقط بإحاطته ليتبيّن للحجاج والمعتمرين بأنّه تابع للكعبة المشرفة. وتم تسمية هذا الجزء “الحطيم” بحجر إسماعيل نظراً لوقوع “الحطيم” في مكان كان يتخذّه سيدنا إسماعيل وأقام عليه عريشاً مصنوعاً من الأراك..
أهمية الحطيم التاريخية إن حجر إسماعيل أو ما يسمى بالحطيم قد حظي باهتمام كبير من قبل الملوك والأمراء في الحجاز ومكة والدول العربية والإسلامية، ويقال بأنّه بينما كان أبو جعفر المنصور يؤدّي مناسك الحج رأى الحطيم فكساها بالرخام ، وقامت مصر لأول مرة بإرسال كسوة الحجر مع كسوة الكعبة عام 852 هـ وكانت المرة الوحيدة التي توضع فيها الكسوة على حجر فتم وضع كسوة الحجر داخل الكعبة وتمّ كساؤه بها في السنة التي تليها.
وقد جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صغير في الحجر على فراش جده عبدالمطلب الذي كان يُمنع أن يجلس عليه أحد غيره، ويشار إلى أنّ الشخص الوحيد الذي جلس عليه سوى عبد المطلب هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صبّي، وحاولوا منعه إلا أنّ جدّه قد طالبهم بالسماح له قائلاً :”دعوا ابني فإنه يحّس بشرف أرجو أن يبلغ من الشرف مالم يبلغ عربي قط”.
وسيلة الطيران في رحلة الاسراء ” البُراق”
كانت وسيلة الانتقال التي انتقل بها النبي صلى الله عليه وسلم هي البراق ، والذي نستشف من اسمه “البرق” أي ان سرعته تعادل سرعة البرق في انطلاقها ، وهي سرعة لم يعرفها البشر في القديم ولم يصل اليها في العصر الحديث ، انها الوسيلة التي حددها الله سبحانه وتعالى لهذه الرحلة الآلهية المعجزة لأهل الارض.
وتشير اشتقاق كلمة البُراق الى البرق ، الذي يوحي الى قوة الكهرباء التي استخدمت في تلك الرحلة وهو سرعة الضوء .
وفي رواية للترمذي عن انس رضي الله عنه ” أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتيَ بالبراق ليلةَ أُسريَ به مُلجَماً مُسرجا ، فاستصعب عليه ، فقال له جبريل : أَبِمُحَمَّدٍ تَفْعَلُ هَذَا؟ فَمَا رَكِبَكَ أَحَدٌ أَكْرَمُ عَلَى اللهِ مِنْهُ. قَالَ: فَارْفَضَّ[3] عَرَقًا”[4] . معنى ارفض عرقا : أي جرى وسال عرقاٌ
صلاة النبي في المسجد الاقصى
وصل النبي صلى الله عليه وسلم الى المسجد الاقصى بصحبة جبريل عليه السلام ، وصلى فيه ركعتين.
أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم الى بيت المقدس راكبا على البراق صحبة جبريل ، فنزل هناك ، وصلى بالأنبياء إماما ، وربط البراق بحلقة باب المسجد.
النبي يختار اللبن
وقدم جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم انا ء من خمر واناء من اللبن ، ورغم ان الخمر لم يكن محرما في ذلك التوقيت ، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اختار اللبن ولم يختر الخمر ، فأخبره جبريل بأنه اختيار الفطرة السليمة . وكان الخير في ذلك الاختيار.
عُرض عليه اللبن والخمر ، فاختار اللبن ، فقيل : هُديت الفطرة أو أصبت الفطرة ، أما إنك لو أخذت الخمر غوت امتك.
قال أبو هريرة رضي الله عنه : “أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بِإِيلِيَاءَ بِقَدَحَيْنِ مِنْ خَمْرٍ وَلَبَنٍ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا فَأَخَذَ اللَّبَنَ، قَالَ جِبْرِيلُ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ، لَوْ أَخَذْتَ الخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ.
وقد ورد في عيون الاثر :
عن انس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أُتيت بالبراق وهو دابة أبيضٌ طويلٌ ، فوق الحمار ودون البغل ، يضع حافره عند منتهى طرفه ، قال : فركبته حتى أُتيتُ بيت المقدس ، فربطته بالحلقة التي تربط بها الانبياء ، قال : ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ، ثم خرجت فجاءني جبريل بإناء من خمر واناء من لبن ، فاخترتُ اللبن، فقال جبريلُ: اخترتَ الفطرة ، ثم عرج بنا الى السماء .
المعراج .. رحلة علوية تخترق السماوات السبع
عُرج برسول صلى الله عليه وسلم الى السماء الدنيا ثم التي تليها حتى وصل سدرة المنتهى ، ثم رُفع الى البيت المعمور ، فرأى هناك جبريل في صورته ، له ستمائة جناح ، وهو قوله تعالى :
( ولقد رآه نزلة اخرى عند سدرة المنتهى ) النجم 13-14
وكلمه ربه وأعطاه ما أعطاه ، وأعطاه الصلاة ، فكانت قرة عين رسول الله صلى الله عليه وسلم.
النبي يتلقى فريضة الصلاة مباشرة من ربه
ويتقدم رسول الله صلى الله عليه الى حضرة الذات الآلهية .. في حضرة رب العالمين ..في مكانة لم يبلغها أحد قبله .
أهو في السماء السابعة ؟أم تجاوز السماء السابعة ؟ الله وحده الذي يعلم..
وعندما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى هذا المكان الأعلى ، رأى نورًا حجب رؤية الله عز وجل.. ولكنه تلقى كلام الله سبحانه وتعالى ..
فماذا تلقى رسول الله في هذا الموقف المهيب؟؟
تلقى اعظم مايعتز به المسلم بعد شهادة التوحيد !!
تلقى الفريضة التي تصل العبد المؤمن الضعيف بالذات الآلهية في السماوات العلى
تلقى فريضة الصلاة ..
وفي زاد المعاد :
” ثم عُرج به الى الجبار جل جلالُه ، فدنا منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى فأوحى الى عبده ما أوحى ، وفرض عليه خمسين صلاة، فرجع حتى مر على موسى ، فقال له :بِمَ أُمرتَ؟ قال : بخمسينَ صلاةً ، قال: إن أمَّتَك لا تُطيقُ ذلك ، ارجع الى ربك ، فاسأله التخفيفَ لأمَّتِك ، فالتفت الى جبريلَ كأنه يستشيرُهُ في ذلك، فأشار أن نعمْ ، فَعَلَا به جبريلُ حتى أتى به الجبارَ تبارك وتعالى ، وهو في مكانه. هذا لفظ البخاري في بعض الطرق، فوضعَ عنه عشرا ، ثم أُنزل حتى مر بموسى ، فأخبره فقال : ارجعْ الى ربك ، فاسأله التخفيف لأمتك ، فلم يزل يترددُ بين موسى وبين الله عز وجل حتى جعلها خمساً ، فأمره موسى بالرجوع وسؤال التخفيف ، فقال :قد استحييتُ من ربي ، ولكن أرضى وأُسَلَّمُ فما بَعُدَ نادى منادٍ : قد أمضيتُ فريضتي ، وخففتُ عن عبادي .
وفي رواية أن الله تعالى قال بعد أن وصل العدد إلى خمس: “هِيَ خَمْسٌ، وَهِيَ خَمْسُونَ، لاَ يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ”. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ. فَقُلْتُ: اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي” وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَبَيْنَ مُوسَى عليه السلام حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ صَلاَةٍ عَشْرٌ؛ فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلاَةً، وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ شَيْئًا، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَةً وَاحِدَةً”. قَالَ: “فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى صلى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ”. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “فَقُلْتُ: قَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ ”
حفظ النبي هذا الموقف لموسى :
لقد حفظ النبي صلى الله عليه وسلم هذا الموقف لموسى عليه السلام ، وأكد على ترسيخ هذا التقدير في قلوب المسلمين بما قاله في حقه من كلام عظيم ، نورد له مثالا في تلك القصة :
١-روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: اسْتَبَّ رجلانِ ، رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ ورَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ ؛ فَقَالَ الْمُسْلِمُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم عَلَى الْعَالَمِينَ(في قسم يقسم به) ،وَقَالَ الْيَهُودِيُّ : وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عليه السلام عَلَى الْعَالَمِينَ. قَالَ: فَرَفَعَ الْمُسْلِمُ يَدَهُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَلَطَمَ وَجْهَ الْيَهُودِيِّ ، (وفي رواية/ بينما يهودي يعرض سلعتَه ، أُعْطيَ بها شيئا كرهه ، فقال : لا والذي واصطفى موسى على البشر، فَسَمِعَهُ رجلٌ من الانصار، فقام، فَلَطَم وجهَه، وقال : تقول : والذي اصطفى موسى على البشر والنبيُ بين أظهرنا؟؟!) فَذَهَبَ الْيَهُودِيُّ إِلَى النبي صلى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِ المُسْلِمِ ، (وفي رواية : فقال : أبا القاسمِ! ان لي ذمةً وعهدا ، فما بالُ فلانٍ لطم وجهي)؟؟! فدعا النبي صلى الله عليه وسلم المسلمَ، فسأله عن ذلك؟ (وفي الرواية الاخرى فقالَ: لمَ لطمتَ وجهَهُ؟؟! فأخبره ، فغضبَ النبي ُصلى الله عليه وسلم حتى رُئُي في وجهه، ثم قال : “لاَ تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى، فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يوم القيامة (وفي رواية : لا تُفَضِّلوا بين انبياء الله، فإنه يُنْفخُ في الصور ، فيَصْعَقُ من في السماوات ومن في الارض إلا ماشاء الله) فَأصْعَقُ معهم، ثم يُنْفخُ فيه أخرى، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ بِجَانِبِ الْعَرْشِ (وفي رواية : آخذ بالعرش) ، فَلاَ أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي، أَمْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللهُ”.
وفي رواية : فلا ادري أحوسبَ بصعقته يوم الطورِ أم بُعث قبلي ؟ ولا أقولُ : إن احداً أفضلُ( وفي طريق اخرى : لا ينبغي لعبدٍ أن يقولَ: أنا خيرٌ)من يونس بن متَّى، من قال أنا خيرٌ يونس بن متى فقد كذب)

معاني كلمات :
بَاطِشٌ بِجَانِبِ الْعَرْشِ : أي آخذ بشيء من العرش بقوة، والبطش الأخذ بقوة .
يَصعقون :أي يغمى عليهم من الفزع
٢-عن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه قال : بينما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ ، جاء يهوديٌ ، فقال : يا أبا القاسم! ضرب وجهي رجل من اصحابك ، فقال : مَنْ؟ قال : رجل من الانصار. قال النبي : ادعوه . فقال : أضَرَبْتَهُ؟ (وفي رواية : لِمَ لطمتَ وجهَه؟ قال الانصاري: سَمعْتَه بالسوق يحلفُ : والذي اصطفى موسى على البشر ، قلت : أي خبيثُ! على محمدٍ صلى الله عليه وسلم ؟! فأخذتني غضبةٌ ، ضربْتُ وجهَه ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
“لا تُخيروني بين الانبياء ، فإن الناس يَصْعَقونَ يوم القيامة ، فأكونُ أولَمن تنشقُ نه الارضُ ، فإذا أنا بموسى آخِذٌ بقائمة من قوائم العرش ، فلا ادري أكان فيمن صَعِقَ أم حًوسبَ بصعقةِ الأولى؟ (وفي رواية : فلا أدري أفاق قبلي أم جزي بصعقة الطور؟) ” .
مشاهدات النبي في السماوات :
أنهار الجنة :
شاهد النبي صلى الله عليه وسلم الانهار التالية :
أربعة أنهار : نهران ظاهران (النيل والفرات) ، ونهران باطنان ، وقد تكون دلالة ذلك أن رسالته ستتوطن الأودية الخصبة في النيل والفرات ، وسيكون أهلها حملة الاسلام جيلا بعد جيل ، وليس معناه أن مياه النهرين تنبع من الجنة .
وقد روى الشيخان عن مالك بن صعصعة – واللفظ لمسلم – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى أربعة أنهار يخرج من أصلها نهران ظاهران، ونهران باطنان، فقلت: يا جبريل ما هذه الأنهار. قال: أما النهران الباطنان فنهران في الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات.
نهر الكوثر : الذي وعده الله بعد ان كان يعايره اهل الخسة من قريش بأنه ابتر ليس له اولاد صبيان ، وهذا كان من الكيد اللئيم ، فأعطاه الله نهرا في أعلى عليين ،يخلده القرأن الكريم ويقرأه المسلمون في اقطار الدنيا الى يوم
وقد روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “بَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ فِي الجَنَّةِ، إِذَا أَنَا بِنَهَرٍ، حَافَتَاهُ قِبَابُ الدُّرِّ المُجَوَّفِ، قُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا الكَوْثَرُ، الَّذِي أَعْطَاكَ رَبُّكَ. فَإِذَا طِينُهُ -أَوْ طِيبُهُ- مِسْكٌ أَذْفَرُ” .
وقد رأى في السماوات السبع عجائب كثيرة منها :
صعد النبي صلى الله عليه وسلم الى السماوات العلى ، ولم يصعد سماء من السماوات إلا قالوا له حين يستأذن في دخولها : من هذا ياجبريل؟ فيقول :محمد ، فيقولون : أو قد بُعث؟ فيقول : نعم ، فيقولون : حيَّاه الله من أخ وصاحب! حتى انتهى به الى السماء السابعة ، ثم انتهى به الى ربه .
زيارة الانبياء في السماوات السبع :
وقد زار النبي صلى الله عليه وسلم الانبياء المذكورين حسب ماورد في المراجع المذكورة في الهامش :
السماء الاولى : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم آدم ، ورأى أرواح السعداء عن يمينه يُسر بها ويقول: روح طيبة خرجت من جسد طيب ، والاشقياء عن شماله يقول : أفٍّ ،ويعبس بوجهه ويقول : روح خبيثة خرجت من جسد خبيث.
السماء الثانية : ابنا الخالة : عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا .
السماء الثالثة : يوسف ابن يعقوب عليهما السلام ، صورته كصورة القمر ليلة البدر .
السماء الرابعة : إدريس عليه السلام، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ورفعناه مكان عليَّا .
السماء الخامسة : هارون ، وهو كهل ابيض الرأس واللحية ، عظيم العُثنون(اللحية)، يقول عنه النبي : لم أر كهلا أجملَ منه. وقال جبريل : هذا المُحبَّب في قومه هارون بن عِمران.
السماء السادسة :موسى بن عمران . فلما جاوزه بكى موسى ، فقيل ما يبكيك ؟ قال : أبكي ان غلاما بُعث بعدى يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من امتي .
السماء السابعة : ابراهيم عليه السلام ، كهل جالس علي كرسي الى باب البيت المعمور .
ثم اكمل الرحلة بعد السماء السابعة الى سدرة المنتهى ثم البيت المعمور ، ثم كلمه ربه واعطاه الصلاة .
مشاهد مرعبة رآها النبي في طريقه الى السماء :
١-رأى مالك خازن النار ، وهو لا يضحك ، وليس على وجهه بشر وبشاشة ، وكذلك رأى الجنة والنار.
٢-رأى أكلة أموال اليتامى ظلما ، لهم مشافر كمشافر الإبل ، يقذفون في أفواههم قطعا من نار كالأفهار ، فتخرج من ادبارهم . معنى الأفهار : جمع فهر ، وهو حجر على مقدار ملئ الكف.
٣-رأى أكلة الربا لهم بطون كبيرة ، لا يقدرون لأجلها أن يتحولوا عن مكانهم ، ويمر بهم آل فرعون حين يٌعرضون على النار فيطأونهم.
٤-رأى الزناة بين ايديهم لحم ثمين طيب الى جنبه لحم غث منتن ، يأكلون من الغث المنتن ،ويتركون السمين الطيب. هؤلاء الذين يتركون ما أحل الله لهم من النساء ، ويذهبون الى ماحرَّم الله عليهم منهن.
٥-رأى النساء اللاتي يُدخلن على الأزواج ماليس من أولادهم , رآهم نساء معلَّقات بثديِّهن. وقال النبي صلى الله عليه وسلم : أشتد غضب الله على امرأة أدخلت على قوم مَنْ ليس منهم ، فأكل حرائبهم واطلع على عوراتهم . الحرائب : جمع حريبة ، وهي المال .
هل رأى النبي ربه ليلة المعراج :
اختلف الصحابةُ : هل رأى ربَه تلك الليلة أم لا ؟
و قد صح عن ابن عباس انه رأى ربه ، وصح عنه أنه قال : رآهُ بفؤاده (رواه مسلم 436-437).
و قد ورد في دلائل النبوة للبيهقي:عن عائشة رضي الله عنها “أنها قالت : من زعم أن محمداً رأى ربه عز وجل فقد أعظم الفِرْيةَ على الله عز وجل ، ولكن رأى جبريل عليه السلام مرتين في صورته وخلقه ، سادَّا ما بين الأفق”.
وصح عن عائشة وابن مسعود إنكارُ ذلك، وقالا إن قولَه (( ولقد رآه نزلة أخرى ، عند سدرة المنتهى))النجم 13، إنما هو جبريلُ(البخاري4855 ، ومسلم439 ، عن عائشة ، والبخاري 4856 ومسلم 432 عن ابن مسعود).
وصح عن أبي ذر أنه سأله : هل رأيتَ ربَّك؟ فقال : “نورٌ أنى أراه “
أي : حال بيني وبين رؤيته النور كما قال في لفظ آخر : رأيتُ نورا ” (مسلم 443-444) .
وعن مسروق قال: كُنْتُ مُتّكِئاً عِنْدَ عَائِشَةَ. فَقَالَتْ: يَا أَبَا عَائِشَةَ! ثَلاَثٌ مَنْ تَكَلّمَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنّ فَقَدْ أَعْظَمَ علَى الله الْفِرْيَةَ. قُلْتُ مَا هُنّ؟ قَالَتْ: مَنْ زَعَمَ أَنّ مُحَمّداً صلى الله عليه وسلم رَأَى رَبّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى الله الْفِرْيَةَ. قَالَ وَكُنْتُ مُتّكِئاً فَجَلَسْتُ. فَقُلْتُ: يَا أُمّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْظِرِينِي وَلاَ تَعْجَلِينِي. أَلَمْ يَقُلِ الله عَزّ وَجَلّ: و(َلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِالْمُبِينِ) التكوير 23) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىَ (النجم 13، فَقَالَتْ: أَنَا أَوّلُ هَذِهِ الأُمّةِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: “إِنّمَا هُوَ جِبْرِيلُ. لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرّتَيْنِ. رَأَيْتُهُ مُنْهَبطاً مِنَ السّماءِ. سَادّاً عِظَمُ خلقه مَا بَيْنَ السّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ” فَقَالَتْ: أَوَ لَمْ تَسْمَع أن الله يَقُولُ : (لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللّطِيفُ الْخَبِيرُ (الأنعام 103، أَوَ لَمْ تَسْمَعْ أَنّ الله يَقُولُ : (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلّمَهُ الله إِلاّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنّهُ عَلِيّ حَكِيمٌ (الشورى 51 ، قَالَتْ: وَمَنْ زَعَمَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَتَمَ شَيْئاً مِنْ كِتَابِ الله فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى الله الْفِرْيَةَ. وَالله يَقُولُ: (يَا أَيّهَا الرّسُولُ بَلّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رِسَالَتَهُ (المائدة 67 ، قَالَتْ: وَمَنْ زَعَمَ أَنّهُ يُخْبِرُ بِمَا يَكُونُ فِي غَدٍ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى الله الْفِرْيَةَ. وَالله يَقُولُ: (قُلْ لاَ يَعْلَمُ مَنْ فِي السّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاّ الله)النمل:65.
وراوي الحديث أعلاه “مسروق” :تم التعريف به في الهامش أدناه ، وكانت تعتبره السيدة عائشة انه ولدها ، ومن فرط حبه لها كَنَّى نفسه ” أبا عائشة” .
وقد حكى عثمانُ بن سعيد الدارمي اتفاق الصحابة على أنه لم يره.
قال شيخ الاسلام ابنُ تيمية قدس الله روحَه :
وليس قول ابن عباس “إنه رآه ” مناقضا لهذا ، ولا قولُه : رآه “بفؤاده ” وقد صح عنه أنه قال “رأيت ربي تبارك وتعالى” (صحيح احمد3484 والترمذي 3231) ولكن لم يكن هذا في الاسراء ، ولكن كان في المدينة لما احتُبِس عنهم في صلاة الصبح ثم أخبرهم عن رؤية ربه تبارك وتعالى تلك الليلة في منامه ، وعلى هذا بنى الامام احمد رحمه الله تعالى ، وقال : نعم رآه حقا ، فإن رؤيا الانبياء حق ، ولا بد ، ولكن لم يقل احمد رحمه الله تعالى : إنه رآه بعيني رأسه يقظةً ، ومن حكى عنه ذلك ، فقد وَهِمَ عليه.
وأما قولُ ابن عباس : أنه رآه بفؤاده مرتين ، فن كان استناده الى قوله تعالى (ماكذب الفؤادُ مارأى( النجم11) ثم قال ولقد رآه نزلة اخرى) النجم 13 ، والظاهر انه مستنده ، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أن هذا المرئي جبريل ، رآه مرتين في صورته التي خُلق عليها ، وقول ابن عباس هذا هو مستند ا لإمام احمد في قوله( رآه بفؤاده) والله اعلم .
هل الاسراء بالروح أم الروح والجسد :
كان اسراء ومعراج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجسد والروح معا وفي يقظة كاملة ، وإلا لو كان الاسراء والمعراج بالروح فقط ماكانت اعترضت قريش وماكان لها أن تُكّذِّبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم
عودة الرسول الى مكة من بيت المقدس :
في الصباح ، عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الى مكة المكرمة قادما من بيت المقدس ، واخبر قومه بخبر تلك الرحلة ، فاشتد تكذيبهم له ، وسألوه أن يصف لهم بيت المقدس ، فجلاه الله له حتى عاينه ، وجعل يخبرهم به ، ولا يستطيعون أن يردوا عليه شيئا ، واخبرهم عن عيرهم التي رآها في مسْراه ومرجعه (قافلتهم)، وعن وقت قدومها ، وعن البعير الذي يقدمها . فكان كما قال . فلم يزدهم ذلك إلا ثبورا ، وأبى الظالمون إلا كفورا.
وفي رواية يونس بن بُكير : عن ابن اسحاق في هذا الخبر أنه عليه السلام وَعَدَ قريشا بقدوم العير الذين أرشدهم الى البعير ، وشرب إناءهم ، أن يقدموا يوم الاربعاء ، فلما كان ذلك اليوم لم يقدموا حتى كَرِبَتْ الشمسُ أن تغرب ، فدعا الله فحبس الشمس حتى قدموا ما وصف . قال: ولم تُحبس الشمسُ إلا له ذلك اليوم وليُوشَعَ بن نون .
قراءة عيون الاثر ص242 حديث ام هانيْ
هل المعراج كان بالبراق ؟
تم الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم رحلة الاسراء من مكة الى بيت المقدس بالبراق ، ثم بدأت رحلة العروج الى السماء بوسيلة اخرى وهي “المعراج “.
والمعراج : مفرد ، جمعه معارج ، ومعراج على وزن مِفْعَال ، والمعراج هو المصعد ، اسم من العروج، ويقال : المعارج جمع معرج بفتحتين كالمصاعد جمع مصعد والعروج الارتقاء ، يقال عرج بفتح الراء يعرج بضمها عروجا ومعرجا والمعرج المصعد.
و بالتالي هو اسمٌ الوسيلة أو آلة العروج التي يُصعدُ (( يُعرجُ))بها رسول الله صلى الله عليه وسلم السماوات العلى ، وهو سُلَّمٍ خاص ، وقد وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن صلى في بيت المقدس أخذه جبريل ، فيقول : فوجدتُ سُلَّمين أحدهما ذهب والآخر فضة، فقال لي جبريل: اصعد. فصعدتُ.
تتضح الصورة أن المعراج سُلَّمٌ له درجات مرقاة للصعود ، والله اعلم بحقيقة المعراج ،وحكمه كحكم غيره من المغيبات، نؤمن به ولا نشتغل بكيفيته.
موقف قريش من الاسراء والمعراج
عن ام هانئ قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلس وانا على فراشي ، فقال : أشعرتِأني نمتُ الليلةَ في المسجد الحرام ، فاتاني جبريلُ عليه السلام فذهب بي الى المسجد .. وقص عليها فقالت : فتعلقت بردائه وقلتُ أنشدُك الله ابنَ عمَّ أن تحدث بهذا قريشا ، فيكذِّبَك من صدَّقك ، فضرب بيده على ردائه فانتزعَه من يدي ، فارتفع عن بطنه فنظرتُ الى عُكَنه فوق ردائه ، فلما رفعتُ رأسي إذا هو قد خرجَ ، فقلت لجاريتي نبع : ويحك! اتبعيه فانظري ماذا يقول ؟ وماذا يُقال له ؟ فما رَجَعتْ نبعةُ اخبرتني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى الى نفر من قريش في الحطيم ،فيهم المطعم بن عدي بن نوفل ، وعمرو بن هشام ، والوليد بن المغيرة…فقص عليهم فقال عمرو بن هشام (ابوجهل) كالمستهزئ : صفهم لي ، فوصفهم ، فضجوا واعظموا ذلك ، فقال المطعم بن عدي بن نوفل: كل امرك قبل اليوم كان أمما (يسيرا)، غير قولك اليوم ، أشهدُ أنك كاذب ، نحن نضرب اكباد الإبل الى بيت المقدس مُصْعِدا شهرا ومنحدرا شهرا ، تزعمُ أنك اتيتُه في ليلة ،واللات والعزى لا أصدقُك. فقال ابو بكر رضي الله عنه : يامطعم ، بئس ماقلت لابن اخيك ، جبَّتْته( استقبلته بالمكروه) وكذبته ، أنا اشهدُ أنه صادق . قالت نبعةُ (خادمة ام هانئ) : فسمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يومئذ : يا أبابكر إن الله عز وجل سمَّاك الصديق .
الاعجاز العلمي في رحلة الاسراء والمعراج :
١-الدقة المطلقة في التسمية: فالإسراء هو السفر بالليل، والمعراج هو الصعود في السماء في خطوط متعرجة ، وذلك لأن جميع صور المادة والطاقة لا يمكنها التحرك في خطوط مستقيمة في السماء لتباين جذب الاجرام السماوية المختلفة لها .
٢-الدقة المطلقة في اختيار الاماكن بين مكة المكرمة وبيت المقدس والربط بين قدسيتها ، وهو ربط يؤكد وحدة رسالة السماء ، والأخوة بين الانبياء ، مما يفرض على المسلمين حماية هذه المقدسات.
٣-ضخامة المسافات التي قطعها النبي صلى الله عليه وسلم- في رحلة الإسراء والمعراج مما يؤكد على طي المكان وإيقاف الزمان له, والله- تعالى- على كل شئ قدير.. ولكي ندرك ضخامة هذه المسافات نذكر:
أن أبعد نجم أدركه الفلكيون في السماء الدنيا يبعد عنا مسافة تقدر بحوالي 36 بليون سنة ضوئية, والسنة الضوئية تقدر بنحو (9,5 مليون مليون كم). بمعنى أنه لو فرضنا جدلا أن الإنسان تمكن من صنع مركبة فضائية تتحرك بسرعة الضوء (وهذا مستحيل) فإنه سوف يحتاج إلى 36 بليون سنة ليصل إلى آخر ما نرى من نجوم السماء الدنيا. فما بالنا بست سموات فوق ذلك إلى سدرة المنتهى,  حيث شرف المصطفى- صلى الله عليه وسلم- بالمثول بين يدي ربه, وتلقى منه الأمر بخمس صلوات في اليوم والليلة.
٤-تعاظم القوة اللازمة للإفلات من جاذبية الارض ، وعدم توافر الوسائل الواقية في ذلك الوقت الذي يتقادم بأكثر من ألف واربعمائة سنة مما يؤكد على ضخامة المعجزة..
٥-حماية النبي في مواجهة المخاطر الرهيبة الناتجة عن الاختلاف الهائل في درجات الحرارة ، وتناقص نسبة الاكسجين وتزايد الغازات الخاملة ، ومخاطر كل من الأشعات الكونية ، والشهب، والنيازك ، وظلمة الكون ، ومالا نعرفه غير ذلك من المخاطر ، ووقوع الاسراء بالجسد والروح ،وفي حالة من اليقظة الكاملة وسط هذه المخاطر، هذا كله يمثل أعظم المعجزات التي مرت في تاريخ البشرية على الاطلاق.
وهذا كله يبين القدرة الآلهية التي لا تحدها حدود ، كما تبين مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه خاتم سلسلة الانبياء وتعهد الله بحفظ رسالته منذ اكثر ألف واربعمائة .
الدروس المستفادة من الاسراء والمعراج :
١-الإعلان عن انتقال خلافة الأرض من بني اسرائيل الى أمة محمد صلى الله عليه وسلم، و انتقال قيادة البشرية إلى الأمة الراشدة ، ولهذا كان الإسراء إلى بيت المقدس (مقر حكم النصارى و اليهود) الذين حادوا عن الصراط ا لمستقيم الى صرط المغضوب وعليهم والضالين وافسدوا الحياة الدينية و الدنيوية ، فكانت اسراء النبي وذهابه إلى بيت المقدس لحضور الحفل الكبير الذي حضره حشد كبير من الأنبياء و المرسلين لتسليم القيادة الروحية من بني إسرائيل إلى أمة الاسلام . فقد مكثت القيادة الروحية مع بني اسرائيل زمنا طويلا، لكنهم طغوا وبغوا وأفسدوا في الارض، فنزع الله منهم القيادة وأعطاها لأمة محمد صلى الله عليه وسلم لتحكم بما شرعه الله لها وتقيم العدل والايمان في الارض.
لقد نَزَع الله الملك من بني إسرائيل على البيت المقدَّس والمدينة المقدسة عندما زاد طغيانُهم وبُعدُهم عن شرْع الله الذي ارتضاه لهمل وأعطاه لأمة العرب المسلمين الذين يقيمون شرع الله ويدعون اليه ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وظل بيت المقدس في ايديهم قرونا طويلة حتى تنكر ابناؤها لدينهم وهجروا شرع ربهم،فانتزعه الله منهم عام 1967. قال الله – تعالى -: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 124].واصبحت امة تائهة خسرت مقدساتها وفقدت كرامتها ، ولن تستطيع استعادة هيبتها واسترداد مقدساتها إلا بالعودة الى المعين الالهي الذي اخرجها من الظلمات الى النور ومن الهوان الى الكرامة والعزة.
٢-كان وصف القرآن الكريم للبيت الحرام بالمسجد بشارة ربانية بالنصر للمسلمين ، وارهاصا بتحرير هذا البيت الحرام من رجس الاوثان وانه سيصبح مسجدا للصلاة والعبادة للموحدين من جديد ، وكانت بشارة لرسول الله واصحابه بتطهير هذا المكان المقدس وتحريره من ايدي المحتلين الرومان ، ليصبح مسجدا للصلاة والعبادة للموحدين ، وقد تحقق ذلك بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بست سنوات بعد تولية الخليفة الثاني عمربن الخطاب بسنتين ، وذلك رغم ان البيت الحرام كان يحتوي داخله على قرابة (360) صنما على عدد قبائل العرب وتعيث فيه قريش فسادا وظلما ، وكان بيت المقدس و فلسطين محتلة خاضعة لحكم الرومان ، وكانت النصرانية هي السائدة آنذاك ، ، وكانت أهم المقدسات في فلسطين هي الكنائس الرئيسية المرتبطة بالنصرانية وهي(كنيسة القيامة وكنيسة المهد والكنائس الاخرى في الناصرة )، فكانت كنيسة القيامة هي المكان المقدس للرومان . وكان اليهود آنذاك يشكلون أقلية لا تُذكر ، ولم يكن لهم آنذاك معبد رئيسي، بل كانت هناك بعض الكُنُس الصغيرة جدا يقيمون فيها طقوسهم . أما المسجد الاقصى فلم يكن قائما كبناء له معالم واركان عمرانية.
٣-رغم ان سورة الاسراء باسمها المعروف بسورة الاسراء لكنها لم تتحدث عن الاسراء إلا في أولها ، ثم تحدثت طويلا عن بني اسرائيل ، ولذلك تسمى السورة “بسورة بني اسرائيل”.
٤-إن حدث الإسراء والمعراج مكرمةً ربانية للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، فقد أطلعه الله على بعضِ آيات الله العظمى، وحقائق عن أحوال أهل النار وأهل الجنة، وعروج من الأرض إلى السماء لمشاهدة بعض أمور الغيب، بما يؤكد انه أعظمُ تكريمٍ للنبي المبعوث رحمةً للعالَمين.
قال تعالى: ﴿ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ الإسراء: 1.
٥-وراء كل محنة.. منحة:
تلك سنة الله الماضية ، فما من محنة إلا وتعقبها مِنَحٌ وعطاءات ربانية، فرغم مالاقاه المسلمون بما فيهم النبي صلى الله عليه وسلم من ويلاتِ التعذيب والتنكيل والحصار ، فكافأه الله عز وجل بهذا الحدَثَ العظيم (الإسراء والمعراج)فكان تسليةً لفؤاده، وتأييدًا لدعوته ورسالته، قال تعالى عنه : ﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ النجم: 2 – 4.

٦-يبالغ بعض الباحثين والدعاة في تصوير حياة النبي صلى الله وسلم على أنها حياة بشرية عادية خالية من المعجزات ، حتى يتخيل القارئ أو السامع أن سيرته صلى الله عليه وسلم كانت خالية من المعجزات التي يؤيد اللهُ بها الانبياء والمرسلين .
وكان أساس هذه الفكرة قد جاءت من المستشرقين من أمثال ((غوستاف لوبون)) و ((أوجست كونت))و((جولد زيهر)) وغيرهم . وللأسف تلقف هذه النظرية بعض الدعاة والباحثين المسلمين واصبحوا أداة لنشر افكار هؤلاء المستشرقين واعداء الامة مبهورين بما عند الغرب من المظاهر المادية للحضارة الغربية .
ونذكر منهم : الشيخ محمد عبده ، ومحمد فريد وجدي ، ومحمد حسين هيكل.
وتلقف المستشرقون وأعداء الامة ما يروجه أمثال ابناء هؤلاء المسلمين انفسهم للتشكيك في نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وأنه غير مؤيد بمعجزات حسية تؤكد نبوته ،ومن هذا المدخل يتم التشكيك في نبوته ورسالته . ونرى ذلك في وصفهم للنبي بالعبقرية والبطولة والقيادة وغيرها من الصفات الاسطورية “الميثيلوجيا ” ، وينزعون عنه صفة الوحي و النبوة.
٧-معجزة الاسراء والمعراج من أعظم المعجزات الحسية التي كانت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وهي ومعجزة انشقاق القمر ، ومع ذلك لم يُتحدى بهما ،بينما التحدي يكون بالقرآن الكريم ، لأن التحدي بالقرآن العظيم يتناسب مع خلود شريعته و واستمرار رسالته التي يخاطب به كافة الاجيال الى يوم الدين، وهذه طبيعة الرسالة الخالدة التي لا تعتمد على معجزات حسية يشاهدها من رآها في وقتها فقط، أما معجزة القرآن الكريم فهي معجزة خالدة تراها الاجيال تلو بعضها ، وتؤيدها الكشوف العلمية التي وردت في القرآن الكريم منذ اكثر من الف واربعمائة سنة مثل معجزة انشقاق القمر التي أكدتها وكالة ناسا الامريكية حديثا.
وللنبي صلى الله عليه وسلم معجزات حسية كثيرة نذكرها في بحث آخر بإذن الله .
٨-قدسية القدس بالنسبة للمسلمين، وأنها وديعة النبي محمد للمسلمين ، حيث أنها :
(١)القدس: قبلة المسلمين الاولى حيث كان يصلي اليها النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة ثم تحولت القبلة الى المسجد الحرام ، وقد أعلن القرآن عن أهمية المسجد الأقصى وبركته، قبل بناء المسجد النبوي، وقبل الهجرة بسنوات.
(٢)القدس ثالث المدن المعظمة: بعد مكة المكرمة التي شرفها الله ببيت الله الحرام ، والمدينة المنورة التي شرفها الله بالمسجد النبوي،وأن الاسلام جاء ليتم حلقات النبوة فأضاف المسجد الاقصى الى المسجدين المقدسين لدى المسلمين ليعلن ان الاسلام جاء ليبني ، لا ليهدم أو يدمر أو يحطم… وأن رسالته تؤمن بكل الانبياء السابقين ولذلك قال لليهود في المدينة : “نحن أولى بموسى منكم”
(٣)القدس أرض النبوات والبركات: ولقد وصفها الله بالبركة في خمس مواضع بالقران الكريم :
(لَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) الإسراء: 1 ، (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ)الأنبياء: 71 ، (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ)الأعراف:137 (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ) الأنبياء: 81 ، (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ)سبأ:18 في قصة سبأ وكيف من الله عليهم بالأمن، فهذه القرى التي بارك الله فيها هي قرى الشام وفلسطين.
٩-وحدة الاديان السماوية : كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء في بيت المقدس تدل على وحدة الاديان السماوية وأنها منذ بدء الخليقة تصدر كلها من مشكاة واحدة .
١٠-اختيار النبي صلى الله عليه وسلم اللبن دليل على أن الاسلام دين الفطرة الذي لايتعارض في عقيدته واحكامه مع نوازع الفطرة الانسانية السليمة ، فمهما ارتقى الانسان في سلم الحضارة المادية فإنه لا يستغني عن النزوع لفطرته الانسانية التي تود الانعتاق من تكاليف الحضارة المادية.
١١-دور الاعلام المضلل في تشويه الحقائق : عندما اعلن النبي صلى الله عليه وسلم عن عن الاسراء والمعراج ، فمر عليه ابو جهل كالمستهزئ، وسأل النبي : هل كان من شئ ؟ فأجابه النبي: نعم واخبره أنه اُسري به الليلة، فقال ابوجهل : إلى اين؟ قال النبي: الى بيت المقدس؟فقال ابو جهل:ثم اصبحت بين ظهرانينا ؟قال النبي :نعم .فأظهر ابو جهل انه لايُكذبه،ثم قال له:أرأيت إن دعوت قومك تحدثهم ماحدثتني؟فقال النبي : نعم. فنهض ابو جهل ونادى على قريش وحضروا ، فأخبرهم النبي بذلك، فقالوا: صف لنا المسجد. فجيئ له بالمسجد ،ووصفه لهم ،فقالوا : أما النعت فوالله لقد أصاب. ولكن زعماء قريش قالوا : انه سحر من محمد ولم يؤمنوا .
١٢-ابداء النصيحة حتى ولو لم تُطلب ، وقد رأينا نصيحة موسى عليه السلام للنبي في موضوع استثقال خمسين صلاة ، وكانت النتيجة التخفيف على المسلمين .
١٣-مكانة الصلاة في الدين الاسلامي ، فهي معراج المسلم الى الله ، حيث فُرضت مباشرة من الله تعالى الى النبي صلى الله عليه وسلم، ويستشعر بها المسلم لذة مناجاة الله في الصلاة، وأن السعي إليها في صلاة العشاء والفجر يمثل مسرى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، ومن هنا كانت آخر ما أوصى به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبل وفاته.
١٤-بيان مدى حاجة المسلمين اليوم لهذا الدعاء النبوي ((اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا رب المستضعفين))، فإن مسلمي اليوم رغم تعدادهم مليار وخمسمائة مليون مسلم بما لديهم من ثروات بشرية وطبيعة وجغرافية ومقدسا ، قد ضاعت هيبتهم بين الأمم ، وأصبحوا تابعين بعد أن كانوا متبوعين ، وأذيالا لأخس الأمم بعد ان كانوا اساتذة للبشرية كلها. فما أحوجهم للعودة الى ربهم و الدعاء وطلب النصرة من ربهم .
فكافأ الله النبي صلى الله عليه بعد هذا الدعاء بالفرج العظيم حيث :
(١)استجابة الغلام النصراني عداس إلى الإسلام ، وهداية واحد خير من الدنيا وما عليها.
(٢)ساق الله إليه نفرًا من الجن يستمعون القرآن وأسلموا، ورجعوا لدعوة قومهم.
(٣)الإسراء إلى بيت المقدس والمعراج إلى الملأ الأعلى فدنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى.
(٤) استجابة نفر من يثرب وبداية الهجرة والفتح الاكبر لمكة والدنيا كلها
تحذير :
نحذر من كتاب اسمه (معراج بن عباس)فإنه كتاب ملفق ومكذوب على رسول الله ، ويستحيل نسبته الى بن عباس حيث ان حركة التأليف لم تظهر إلا في أواخر عهد الأمويين. وقد تلقفته ايادي اعداء الأمة وعملوا على مدحه وترويجه لما فيه من دس وكذب وتشويه للنبي صلى الله عليه، ومنهم الدكتور لويس عوض،رغم علمهم انه مكذوب .

بهذا أختم الحلقة (42) ونلتقي معكم الاسبوع القادم بإذن الله في الحلقة (43) مع فقه السيرة وظلال النبوة مع ملاحظة احتفاظي بالمراجع لعدم امكانية نشرها في الجريدة في الوقت الحاضر..
اسأل الله ان يكتب لنا ولكم الاجر ” صدقة جارية” عن نشر سيرة وفقه أعظم نبي ورسول صلى الله عليه وسلم وان يجمعنا به صحبة في الفردوس الاعلى من الجنة .
اخوكم د. محمد النجار (07/09/2018) الجمعة 27ذوالحجة1439ه 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.