الصراط المستقيم

السيرة (43) البحث عن وطن .. في الهجرة الى المدينة (1)

بقلم: الدكتورمحمد النجار

البحث عن وطن
النبي يعرض نفسه على القبائلالسيرة (43) البحث عن وطن .. في الهجرة الى المدينة (1) 4

رغم ماكان يلحق النبي صلى الله عليه وسلم من الاذى في مكة خاصة بعد أن فقد عمه أبا طالب وزوجته خديجة ، وبحثه عن مكان لدعوته في الطائف التي عاد منها مكروبا حزينا بعد مواجهته أشد يوم في حياته حسب وصفه للسيدة عائشة إلا أنه لم ييأس ، فكان يعرض نفسه على القبائل ، وقد روى احمد واصحاب السنن وصححه الحاكم من حديث جابر ((كان رسول الله يعرض نفسه على الناس بالموسم فيقول : هل من رجل يحملني إلى قومه ؟ فإن قريشا منعوني أن أبلغ كلام ربي، فأتاه رجل من همدان فأجابه ، ثم خشي أن لا يتبعه قومه فجاء إليه فقال : آتي قومي فأخبرهم ثم آتيك من العام المقبل. قال: نعم ، فانطلق الرجل وجاء وفد الأنصار في رجب ))
وبدأ يدعو الناس في موسم الحج ، ويقدم نفسه لهم بالدعوة الى الله ويقول لهم ((ياأيها الناس : قولوا لا إله إلا الله تفلحوا )) وكان يتبعه عمه أبو لهب وأبو جهل ويقولون للناس : يا بَني فلان : إن هذا يدعوكم الى ان تسلخوا اللات والعزى من أعناقكم الى ما جاء من البدعة والضلالة ، فلا تطيعوه ولا تسمعوا منه . وقد اخذت الدعوة طريقها الى الناس ، فمنهم من كان يقبل ، ومنهم من يتردد ، ومنهم من يرفض ، وكان في دعوته لا يجبر احدا ، ويقول : ((لا أكره أحدا على شئ ، من رضي مني بالذي أدعو اليه ، فذلك ، ومن كره لم أكرهه، انما اريد ان تحرزوني-أي تمنعوني- فيما يُراد لي من القتل ، حتى أبلغ رسالة ربي، وحتي يقضي الله تعالى لي ، ولمن صحبني بما شاء )).
ومن هنا نرى ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة ، ويدعوهم بما اشتهر عند العرب بالنجدة.

لقاء النبي صلى الله عليه وسلم بالأوس والخزرج

كان أهل يثرب ينتمون الى قبيلتي الاوس والخزرج ، وكانت قبائل وثنية ، وكان اليهود أهل كتاب يعيشون في المدينة ولديهم علم بأنهم على وشك ظهور نبي ، وانهم سيتبعوه ويقاتلون معه ضد الاوس والخزج وسيقتلونهم به ، وكان القتال ينشب بين الحين والاخر بين قبيلتي الأوس والخزرج ، وربما كان ذلك بسبب وجود اليهود في يثرب ، وما يعرف عن اليهود بالفتن في كل المجتمعات التي يعيشون فيها .

سويد ابن الصامت ومعه حكمة “لقمان” :

أمه ليلى بنت عمرو النجارية ، اخت سلمى بنت عمرو ، ام عبدالمطلب بن هاشم، فهو على هذا ابن خالة عبدالمطلب،وبنت سويد هي أم عاتكة أخت سعيد بن زيد امرأة عمر بن الخطاب .
وقدم الى مكة “سويد ابن الصامت” وهو من بني عوف ، وكان رجلا شريفا وشاعر ومسموع في قومه، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال سويد : فلعل الذي معك مثل الذي معي. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما الذي معك؟ قال : مجلة لقمان- حكمة لقمان – فقال له النبي : اعرضها علي، فعرضها عليه .
فقال النبي: إن هذا الكلام حسن : والذي معي افضل منه ، هذا قرآن أنزله الله تعالى عليَّ هدى ونور. ثم تلا صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم، ودعاه الى الاسلام . فلم يبعد منه ، وقال : إن هذا القول حسن . ثم انصرف الى المدينة ، وقدم على قومه ، فلم يلبث أن قتله الخزرج ، وكان قتله قبل واقعة بعاث التي كانت بين الاوس والخزرج .
ولقد كان رجال من قومه يقولون إنا لنراه قتل مسلما .

إياس بن معاذ :

فجاءت جماعة من الأوس الى مكة المكرمة لعقد حلف مع قريش في حربهم ضد الخزرج ، فقابلهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال لهم : هل لكم في خير مما جئتم له ؟ فقالوا : وما ذاك؟
فقال : ((أنا رسول الله تعالى الى العباد ، ادعوهم الى أن يعبدوا الله ، ولا يشركوا به شيئا ، وأنزل علي الكتاب)) وقرأ عليهم القرآن ، وكان فيهم شاب مدرك “إياس بن معاذ” فقال لهم : يا قوم هذا والله خير مما جئتم له ، فنهره رئيس الجماعة وقال له : دعنا عنك ، فلعمري لقد جئنا لغير هذا فصمت إياس بن معاذ ، وعادوا الى يثرب ، ثم مات “إياس” .
فقال من حضر موته من قومه لم يزالوا يسمعونه يهلل الله ويكبره ويسبحه ويحمده ، فما كانوا يشكون في انه مات مسلما .

يوم بعاث :

عقب عودة الأوس من مكة المكرمة بعد أن عرض النبي نفسه عليهم ، فاستجاب له الشاب المدرك “إياس بن معاذ” ثم مات ، قامت مقتلة كبيرة بين الاوس والخزرج في منطقة “بعاث “بيثرب وقتل فيها خلق كثير من اشراف الاوس والخزرج وكبرائهم، وانتصرت قبيلة الاوس .
وقد أنارت حرب “بعاث” عيون عقلاء الأوس والخزرج الى الاسلام ، فبدأ دخول اهل يثرب الاسلام جماعات بعد ان كانوا آحادا.
وقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ((كان يوم بعاث يوم قدمه الله تعالى لرسوله))

اللقاء الأول للأنصار مع النبي- العام الحادي عشر للبعثة

اثناء عرض النبي نفسه على القبائل ، كان و فد من يثرب قد وصل الى مكة (شهر رجب في السنة الحادية عشرة من البعثة ) عقب حرب بُعاث فالتقى النبي برهط منهم من الخزرج عند العقبة (مكان بين مكة ومنى ، والتى ترمى فيها جمرة العقبة) فقال لهم : من أنتم ؟ قالوا : نفر من الخزرج .
قال النبي : أمِنْ موالي يهود؟ قالوا : نعم.
قال: أفلا تجلسون أكلمكم؟ قالوا : بلى.
فجلسوا معه ، فدعاهم الى الله عز وجل ، وعرض عليهم الاسلام ، وتلا عليهم القرآن . وأراد الله بهم خيرا ، فتذكروا أن اليهود معهم في بلادهم(يثرب) ، وكانوا أهل كتاب وعلم ، وكانوا هم (اهل الخزرج) أهلَ شرك وأصحاب أوثان، فكان اليهود يهددونهم يقولون لهم: أن نبيا مبعوث الآن قد أظل زمانه ، نتَّبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرَم. فلما تكلَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أولئك النفر ، ودعاهم الى الله ، قال بعضُهم لبعض : يا قوم ، تعلموا والله إنه لَلْنبي الذي توعدكم به يهود، فلا تسبقنَّكم إليه.
فأسلموا جميعا ، وقالوا للنبي : إن بين قومنا من العداوة والشر ما بينهم ، وسندعوهم الى أمرك ،فإنْ يجمعهم الله عليك فلا رجل أعزَّ منك.
ثم انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعين الى بلادهم، وعلى موعد في الموسم القادم .

أسماء الرهط الذي تقابل معهم النبي :

كان عددهم ستة نفر – كلهم من الخزرج – هم :
١-أسعدُ بنُ زُرارةَ (أَبُوأُمَامَة) – بني النجار 2– عوفُ بن الحارثِ – بني النجار 3- عامر بن الأزرق
4– عمرو بن سواد 5– عقبة بن عامر 6– جابر بن عبدالله
فلما رجع هؤلاء الستة الى قومهم ، تحدثوا معهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوهم الى الاسلام ولم يبق بيت من بيوت الانصار إلا وذكر فيه اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم . لقد تهيأوا لاستقبال دعوة الاسلام ، فهي الدعوة الى الوحدة ، وهي الدعوة الى التوحيد ، فما بقي بيتا من بيوت الانصار إلا ويعلمون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

من هم الأوس والخزرج؟

كان الأوس والخزرج أخوان لأم وأب ، أصلهم من اليمن من سبأ ، وأمهم قَيْلَة بن كاهل – امرأة من قضاعة – ويقال لهم لذلك : أبناء قيله . فوقعت بينهم العداوة بسبب قتيل ، فلبثت الحرب بينهم مائة وعشرين عاما الى أن أطفأها الله بالإسلام . وألف بينهم برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر قوله (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا)103ال عمران.

بيعة العقبة الاولى..(بيعة النساء) في السنة الثانية عشر للبعثة

بعد عام من لقاء النبي صلى الله عليه وسلم مع الستة نفر عند العقبة ( اللقاء الاول كانوا ستة كلهم من الخزرج) ، (وفي السنة الثانية عشر للهجرة وفي موسم الحج من العام الثاني عشر للبعثة ) حضر من الانصار اثنا عشر رجلا عند العقبة ، (منهم اثنان من الأوس) ، مما يشير الى نتائج النشاط الدعوي للستة أفراد الذين اسلموا في العام الماضي و بداية ائتلاف الأوس والخزرج تحت راية الاسلام بعد أن كانتا متحاربتين لسنوات طويلة.
وسٌميت بالعقبة الأولى ، وبايعوا رسول الله صىلى الله عليه وسلم ((بيعة النساء )) أي على نمط بيعة النساء ، ويقصد أنه لم يبايعهم فيها على الحرب ولا الجهاد.
(وكان من بين الاثني عشر من بني النجار : أسعد بن زرارة “ابو أمامة” ، وعوف ومعاذ ابنا الحارث النجار ، وهما ابنا عفراء)

وقد سمى كثيرون من كُتَّاب السيرة هذه البيعة بيعة النساء ، وماكنت هذه التسمية فيما نحسب في وقت البيعة ، وانما كانت بعد ذلك لمشابهتها لما ذكره القرآن الكريم من مبايعة النبي صلى الله عليه وسلم للنساء في أحكامها ، وإن اختلف وقتها ، واختلف موضوعها ، فتلك كانت مع النساء ، أما هذه فكانت مع الرجال ، وهي للرجال وللنساء على سواء .

نص بيعة العقبة الأولى:

أما نص بيعة العقبة الاولى “التي اطلق عليها بيعة النساء” ينقلها لنا شاهد العيان الذي حضر هذه البيعة وهو “عبادة بن الصامت” وقد جاءت روايته في الصحيحين وسيرة ابن اسحاق ، يقول عبادة بن الصامت :
عن عبادة بن الصامت قال : كنت فيمن حضر العقبةَ الأولى ، وكنا اثني عشر رجلا ، فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ((بيعة النساء)) ،وذلك قبل ان تُفترض الحر ، على أن لا نشرك بالله شيئا ، ولا نسرق ، ولا نزني ، ولا نقتل اولادنا ،ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا ، ولا نعصيه في معروف ، فإن وفييتم فلكم الجنة ، وإن غشيتم من ذلك شيئا فأمرُكم الى الله عز وجل ، إن شاء عذَّب وإن شاء غفر . (أخرجه البخاري (3892) واللفظ له ، ومسلم (179/41)

وهذا البيعة تعني :

توحيد الله – تحريم السرقة – تحريم الزنا – تحريم قتل الاولاد – تحريم الكذب والبهتان – الطاعة في غير معصية – البيعة ..
وقد اهتم النبي صلى الله عليه وسلم في هذه البيعة على ترسيخ العقيدة الاسلامية في نفوس المبايعين ، فالعقيدة الصحيحة هي اساس الرسالة التي جاء بها الى البشرية كم اهتم بمكارم الاخلاق والسلوك المستقيم حيث لا تقوم أمة بدون مكارم الاخلاق ، ولا تستقيم أمة لا تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.

لماذا سُميت بيعة العقبة:

سُمّيت البيعة بيعة العقبة لأنّ مُبايعة الوفد القادم من يثرب ( المدينة المنوّرة )للنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- كانت في منطقة تسمّى العقبة، فأخذت البيعة اسم ذلك المكان، و قد وقعت بيعة العقبة مرّتين في ذات الموضع؛ ولذلك أُطلق على البيعتين اسما: بيعة العقبة الأولى ، وشارك فيها أثنا عشر رجلا من الأوس والخزرج ، وبيعة العقبة الثّانية، وقد شارك فيها ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان . في بيعة العقبة الأولى اثنا عشر رجلاً من الأوّس والخزرج، وكان من أبرزهم الصحابيّ الجليل عبادة بن الصّامت.

 

الدروس المستفادة من بيعة العقبة الأولى 

١-عاقبة صبر النبي صلى الله عليه وسلم احدى عشرة سنة دون ملل ولا كلل، وهو واثق أن الفرج سيأتي من الله ، وقد تحقق له الفرج .
٢-ينبغي التأمل في كيفية بدء الاسلام في المدينة ، وكيف هيأ الله أجواءها وبيئتها لاستقبال أهلها للإسلام ، حيث كانت اليهود تؤجج الصراع بين قبيلتي الاوس والخزرج، واذا حدث نزاع بين اليهود والعرب كانت تهددهم بظهور نبي سيؤمنون به ويقتلونهم معه، فكانت تلك التهديدات ضمن العوامل والاجواء التي هيأت أهل المدينة لاستقبال النبي ودعوته بالقبول لمواجهة هؤلاء اليهود.
٣-شاءت إرادة الله أن تأتي نصرة الله للإسلام من خارج مكة ، وجاءت من يثرب البعيدة ، مما يدل على أن الاسلام ليس دين خاص بقوم أو قبيلة معينة ، وإنما هو دين الله للعالم اجمع ولكل الناس اينما كانوا.
٤-اقتضت حكمة الله ان يكون أنصار النبي صلى الله عليه وسلم الأوَّل من خارج قومه ، حتى لا يُقال ان دعوة الرسول كانت دعوة قومية ناتجة عن ظروف بيئته وقومه ..
٥-لعل التمزق والعداوة التي خلفتها وقعة بعاث قبل سنتين فقط من لقاء وفد يثرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كان سببا هيأه الله تعالى لإسلامهم.
٦-كان مقتل زعماء يثرب من الأوس والخزرج سببا من اسباب تسهيل قبولهم للإسلام، حيث خفف مقتل هؤلاء الزعماء من التزاحم على الزعامة والخوف على فقدان السلطة والتي تجعل الزعماء والرؤساء في عداء مع أي دعوة أو ثورة خوفا على زعماتهم ومصالحهم.
٧-بالنظر الى عدد الوفد البالغ اثنا عشر الذي حضر بيعة العقبة الاولى ، نرى ان اثنين فقط كانوا من الأوس والعشرة الاخرين كانوا من الخزرج ، ما يوضح تركز النشاط الدعوي الْقَبَلِي للمجموعة الاولى التي أسلمت وعددها ستة كانوا كلهم من الخزرج ، بمعنى انهم أعطوا الدعوة اهتماما اكبر في قبيلتهم الخزرج فكانت النتيجة ان اثنين فقط من القبيلة الاخرى(الأوس)هما اللذان حضرا البيعة الثانية ، وليس هذا هو المطلوب ، بل يجب اعطاء الجهود الدعوية لكافة الناس حتى تتاح الفرصة للجميع دون عنصرية او قبلية او قوميه او عرقية .
٨-يلاحظ أن معاقبة الجرائم في تلك البيعة كانت موكولة الى الله في الآخرة ، وذلك لعدم وجود تشريع للحدود كان في تلك الفترة.
٩-مراعاة جانب الحذر لتجنب عيون الاعداء التي تتسلل لمعرفة أسرار الأمة ومخططاتها

عودة أنصار البيعة الأولى إلى يثرب

ما إن تم انجاز بيعة العقبة الاولى ، حتى عاد الانصار الى المدينة ، وأرسل النبي معهم مصعب بن عمير ، ليقرأهم القرآن ويعلمهم الاسلام ويفقههم في الدين.
ورد عن ابن اسحاق :
فلما أرادوا الانصراف ارسل معهم مصعب بن عمير، يُقرئهم القرآن ، ويدعوهم الى الاسلام، ويفقههم في الدين ، وكان يُسمى في المدينة “المُقرئ” ، وكان منزله على أسعد بن زرارة ابن عدس، أبي أمامة.
قال ابن اسحاق : ان مصعب بن عمير كان يصلي بهم في المدينة ، وذلك أن الأوس والخزرج كره بعضهم أن يؤمه بعض .

أسعد بن زرارة من بني النجار أول من بايع

كان سعد بن زرارة بن عدس بن مالك بن النجار الانصاري الخزرجي النجاري “أبو أمامة” من بني النجار أول من بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، غلبت عليه كنيته “أبو أمامة” شهد العقبة الأولى والثانية ، وبايع فيهما ، وكانت البيعة الاولى في ستة نفر ، والثانية في اثنى عشر رجلا ، والثالثة في سبعين رجلا وامرأتين ، وكان “أبو أمامة ” أصغرهم فيما ذكروا ، حاشا جابر بن عبدالله، وكان أسعد بن زرارة “أبو أمامة” من النقباء الاثنى عشر.

مات “أبو أمامة” أسعد بن زرارة قبل بدر ، أخذته الذُّبحةُ ، والمسجد يبنى ، فكواه النبي صلى الله عليه وسلم ومات في تلك الايام ، ودُفن بالبقيع ، وهو أول مدفون به ، كذلك كانت الانصارُ تقول . وأما المهاجرون فقالوا : أول من دفن بالبقيع عثمان بن مظعون.
وقال ابنُ اسحاق : إن أسعد بن زرارة إنه اسلم مع النفر الستة الذين سبقوا قومهم الى الاسلام بالعقبة الاولى.

أول جمعة أقيمت في المدينة المنورة

عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك وكان قائد أبيه بعد ما ذهب بصره عن أبيه كعب بن مالك يقول :كنت إذا خرجت به الى الجمعة ، فسمع الأذان بها صلى على أبي أمامة “أسعد بن زرارة” قال : فمكث حينا على ذلك ، لا يسمع الاذان للجمعة إلا صلى عليه واستغفر له ن قال : فقلت في نفسي: والله إن هذا بي لعجز، ألا أسأله ماله إذا سمع الأذان للجمعة صلى على أبي أمامة أسعد بن زرارة؟قال : فخرجت به في جمع كما كنت أخرج، فلما سمع الأذان للجمعة صلى عليه واستغفر له. فقلت له : يا أبت مالك إذا سمعت الأذان للجمعة صليت على أبي أمامة ؟ فقال : أي بني ، كان أول من جمع بنا بالمدينة في هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع يقال له نقيع الخضمات. قلت: وكم أنتم يومئذ؟ قال: أربعون رجلا . رواه أبو داود وابن ماجه، وحسنه الألباني. وكان ذلك قبل الهجرة.

إسلام زعماء يثرب
(سعد بن معاذ وأسيد بن حضير)

خرج سعد بن معاذ بمصعب بن عمير قاصدا دار بني عبدالأشهل – وهي دار قبيلة سعد بن معاذ) فرآه سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وهما سيدا قومهما ، فقال سعد بن معاذ لأسيد بن حضير : انطلق الى هذين الرجلين فازجرهما وانههما عن أن يأتيا دارينا ، فإنه لولا أن سعد بن زرارة ابن خالتي، لكفيتك إياه. فأخذ أسيد بن حضير حربته ثم أقبل إليهما . فلما رآه اسعد بن زرارة قال لمصعب بن عمير : هذا سيد قومه قد جاءك، فاصدق الله فيه . قال مصعب : إن يجلس أكلمه. فوقف عليهما متشتما، فقال : ماجاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا؟ اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة ، فقال له مصعب: أو تجلس فتسمع،فن رضيت أما قبلته ، وإن كرهته كُفْ عنك ماتكره،قال أسيد: أنصفت . وجلس إليهما ن فكلمه مصعب بالاسلام وقرأ عليه القرآن ، فقالا: والله لعرفنا في وجهه الاسلام قبل ان يتكلم في إشراقه وتسهله،ثم قال: ماأحسن هذا الكلام وأجمله ! كيف تصنعون إذا اردتم ان تدخلوا هذا الدين؟ قالا له : تغتسل فتطهر وتُطهر ثوبيك ، ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصلى ، فقام فاغتسل وطهر ثوبيه ، وتشهد شهادة الحق ، ثم قام فركع ركعتين ، ثم قال لهما : إن ورائي رجلا إن اتَّبَعَكُما لم يتخلف عنه احد من قومه ، وسأرسله إليكما الآن، سعد بن معاذ، ثم أخذ حربته وانصرف الى سعد وقومه وهم جلوس في ناديهم .
فلما نظر سعد بن معاذ الى أسيد بن حضير مقبلا ، قال : أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم ، فلما وقف على النادي قال له سعد :مافعلت ؟ قال: كلمت الرجلين ، فو الله مارأيت بهما بأسا ، وقد نهيتهما فقالا : نفعل ما أحببت، وقد حدثت بني حارثة قد خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه،وذلك أنهم قد عرفوا أنه ابن خالتك ، ليخفروك. فقام سعد مغضبا مبادرا تخوفا للذي ذكر له من بني حارثة ، فأخذ الحربة من يده ، ثم قال : والله ما أراك أغنيت شيئا ، ثم خرج إليهما ، فلما رآهما سد مطمئنين، عرف سعد أن أسيدا إنما أراد منه أن يسمع منهما ، فوقف عليهما متشتما ، ثم قال لأسعد ابن زرارة : ياأبا أمامة ، لولا مابيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني، أتغشانا في دارينا بما نكره- وقد قال أسعد بن زرارة لمصعب بن عمير: أي مصعب ، جاءك والله سيد من وراره قومه ، أن يتبعك لايتخلس عنك منهم اثنان، فقال له مصعب : أو تقعد فتسمع ، فإن رضيت أمرا ورغبت فيه قبلته ، وإن كرهته عزلنا عنك ماتكره . قال : سعد : أنصفت ثم ركز الحربة وجلس ، فعرض عليه الاسلام وقرأ عليه القرأن، قالا : والله لعرفنا في وجهه الاسلام قبل ان يتكلم في إشراقه وتسهله،ثم قال: كيف تصنعون إذا اردتم ان تدخلوا هذا الدين؟ قالا له : تغتسل فتطهر وتُطهر ثوبيك ، ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصلى ، فقام فاغتسل وطهر ثوبيه ، وتشهد شهادة الحق ، ثم ركع ركعتين ، ثم أخذ حربته ، فأقبل عامدا الى نادي قومه ومعه أسيد بن حضير . فلما رآه قومه مقبلا ،قالوا: نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم . فلما وقف عليهم قال : كيف تعلمون أمري فيكم ؟ قالوا : سيدنا وأفضلنا رأيا ، وأيمننا نقيبة، قال : فإن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله وبرسوله.
قالا (اسعد ابن زرارة ومصعب ابن عمير): فوالله ما أمسى في دار بني عبدالاشهل رجل ولا امرأة إلا مسلما ومسلمة.
وبعد أن اسلم سعد بن معاذ ، اجتمع مصعب بن عمير وأسعد بن زرارة وسعد بن معاذ في منزل أسعد ، وأخذوا يدعون الى الاسلام حتى فشا في يثرب ، فأسلم بنو عبدالأشهل رجالا ونساء .

بيعة العقبة الثانية.. (بيعة الحرب)السنة الثالثة عشر للبعثة

في العام التالي أي بعد عام من بيعة العقبة الاولى ، وبعد أن انتشر الاسلام في المدينة نتيجة الجهود المباركة من أسعد بن زرارة ومصعب ابن عمير ، وهجرة نفر من أهل مكة الى المدينة ، وعاشوا في طمأنينة وسلام مع إخوانهم الجدد، فقال الانصار : إلى متى نترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من إخواننا يكابدون المشقة والأذى . فأرسلوا وفدا في موسم الحج (ثلاثة وسبعين رجلا وامرأتان) لمبايعة النبي صلى الله عليه وسلم على حمايته والدفاع عنه وعلى السمع والطاعة وأن يمنعوه مما يمنعون أنفسهم وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولهم الجنة .
وكان حشد كبير من الانصار مع مصعب ابن عمير في عودته من يثرب التي تركها وليس فيها بيت إلا وقد دخله الاسلام، وقد خرجوا مستخفين مع حجاج قومهم من المشركين.
قال ابن اسحاق:
قال كعب بن مالك : ثم خرجنا الى الحج ، وواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة أيام التشريق . فلما فرغنا من الحج ، وكان معنا عبدالله بن حرام (أبو جابر )سيد من ساداتنا، كنا نكتم من معنا من المشركين، فقلنا له: ياأبا جابر ، إنك سيد من ساداتنا ،وشريف من اشرافنا ، وإنا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطبا للنار غدا ، فدعوناه للإسلام، فأسلم وشهد منا العقبة ..

إمرأتان في بيعة العقبة الثانية

ويستكمل كعب بن مالك : نمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا ، حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لمعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، نتسلل تسلل القطا مستخفين، حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة ونحن ثلاثة وسبعون رجلا ، ومعنا امرأتان من نسائنا “نسيبة بنت كعب”أم عمارة” احدى نساء بني مازن بن النجار ،” وأسماء بنت عمرو بن عدي بن نابي” احدى نساء بني سلمة ، وهي أم منيع .
فاجتمعنا في الشعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى جاءنا ومعه العباس بن المطلب وهو يومئذ على دين قومه إلا أنه احب ان يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له . فلما جلس كان أول متكلم العباس بن عبدالمطلب فقال :
يا معشر الخزرج – وكانت العرب تسمي الجميع الخزرج – إن محمدا منا حيث قد علمتم وقد منعناه من قومنا وهو في منعة في بلده لكنه أبى إلا الإنحياز لكم، واللحوق بكم ، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه اليه ،ومانعوه ممن خالفه ، فأنتم وما تحملتم ، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه – بعد خروجه إليكم ، فمن الآن فدعوه ، فإنه في عز ومنعة .
قالوا : قد سمعنا ما قلت . فتكلم يا رسول الله ، فخذ لنفسك ولربك ما أحببت.
فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم و قال : أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم ، ولكم الجنة .
فكان أول من بايعه : البراء بن معرور فقال : والذي بعثك بالحق ، لنمنعك مما نمنع منه أُزُرنا ، فبايعنا يا رسول الله . فنحن أهل الحرب و الحلقة(أي السلاح كله) ، ورثناها صاغر عن كابر .
فاعترضه أبو الهيثم بن التيهان فقال : يارسول الله ، إن بيننا وبين الناس حبالا ، وإنا قاطعوها –يعني اليهود-فهل ، ثم أظهرك الله أن ترجع الى قومك وتدعنا ؟
فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال :
(( لا والله ، بل الدم الدم ، والهدم الهدم ، أنتم مني وأنا منكم ، احارب من حاربتم وأسالم من سالمتم)).
فلما قاموا يبايعونه ، أخذ بيده أصغرهم – أسعد بن زرارة – فقال :
رويدا يا أهل يثرب ، إنا لم نضرب أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله ، وإن إخراجه اليوم مفارقة للعرب كافة، وقتل خياركم، وأن تَعَضَّكم السيوف. فإن كنتم تصبرون على ذلك ، فخذوه وأجركم على الله ، وإن كنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه، فهو أعذر لكم عند الله.
فقالوا : أَمِطْ عنا يدك ، فو الله مَا نَذَرُ هذه البيعةَ ولا نستقيلها .
فقاموا إليه رجلا رجلا ، يأخذ منهم ، ويعطيهم بذلك الجنة
ثم كثر اللغط، فقال العباس : على رِسْلْكم ، فإن علينا عيونا .
وطلب منهم النبي صلى الله عليه وسلم ان يخرجوا منهم إثنا عشر نقيبا ليكونوا كفلاء على قومهم ، فأخرجوا تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس ، فقال لهم النبي :
(( أنتم كفلاء على قومكم ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم، وأنا كفيل على قومي))
وفي رواية : (( أن موسى اتخذ من قومه اثني عشر نقيبا ))
فكان نقيب بني النجار : أسعد بن زرارة ، ونقيب الأوس : أسيد بن حضير (جده امرؤ القيس بن عبدالأشهل)..

الشيطان يصرخ بعد بيعة العقبة

ما إن تمت المبايعة حتى سمعوا صرخة مدوية بأنفذ صوت للشيطان ينادي :
“يا أهل الأخاشب ، هل لكم في محمد والصَّباة معه؟؟ قد اجتمعوا على حربكم”.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( هذا أِزب العقبة، أما والله ياعدو الله لأفرغن لك))
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “ارفضوا إلى رحالكم”
فقال العباس بن عبادة بن نضلة : “والذي بعثك بالحق إن شئت لنميلن على أهل مكة غدا بأسيافنا
فقال النبي : (( لم نُؤمر بذلك ، ولكن ارجعوا الى رحالكم ))
فرجعوا …

قريش تفزع لصيحة الشيطان.

في صبيحة تلك المبايعة ، علمت قريش بها من صيحة الشيطان ومن عيونها التي كانت تبثها وراء النبي صلى الله عليه وسلم خوفا من تحالفه مع القبائل خارج مكة ، فذهبت الى منازل الانصار في منى، تسألهم و تستقصي الاخبار عنهم ، فقالت قريش : يامعشر الخزرج ، انه قد بلغنا انكم جئتم إلى صاحبنا تستخرجونه من بين أظهرنا ، وتبايعونه على حربنا ، وإنا والله ما من حي من العرب أبغض الينا من أن تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم.
فانبعث رجال – من الذين لم يكونوا معهم في المبايعة – يحلفون لهم بالله : ماكان هذا شئ ، والذين يشهدون ينظر بعضهم الى بعض . وجعل عبدالله بن أبي ابن سلول يقول : هذا باطل ، ما كان هذا ، وما كان قومي لفتأتوا عليَّ بمثل هذا ، لو كنت بيثرب ما صنع قومي هذا ، حتى يؤامروني 

وفدالأنصار تستعجل الإذن بالحرب

بعد سماع صيحة الشيطان ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ ارفضُّوا إلى رحالكم ‏‏.‏‏ فقال له العباس بن عبادة بن نضلة ‏‏:‏‏ والله الذي بعثك بالحق ‏‏:‏‏ إن شئت لنميلن على أهل منى غدا بأسيافنا ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ لم نؤمر بذلك ، ولكن ارجعوا إلى رحالكم ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فرجعنا إلى مضاجعنا ، فنمنا عليها حتى أصبحنا ‏‏.‏‏

قريش تطارد وفد أنصار البيعة الثانية وتأسر سعد بن عبادة

وقد روى ابن اسحاق : أن القرشيين أتوا عبدالله بن أبي بن سلول الذي صار من بعد رأس المنافقين، وكان من المشركين، فسألوه عن أمر البيعة، فقال لهم : إن هذا الأمر الجسيم ، ماكان من قومي ليتفرقوا على مثل هذا ، وما علمته.
لكن قريش لم تطمأن حيث تحروا صدق الخبر ، فوجدوه صحيحا وأن البيعة قد تمت فعلا ، فخرجوا يلاحقون الوفد المُبايع ، ولم يلحقوه ، لكنهم أدركوا سعد بن عبادة ، والمنذر بن عمرو الذي استطاع ان يفلت منهم ويهرب ، وأمسكوا بسعد بن عبادة .
فسألوه فقالوا له : أنت على دين محمد ؟ قال: نعم . فربطوا يديه الى عنقه ، وجعلوا يسحبونه بشعره ، ويضربونه – وكان ذا جمة – حتى أدخلوه مكة المكرمة يضربونه ويجذبونه بجمته ، إذ قال لي رجل منهم : ويحك أما بينك وبين أحد من قريش جوار ولا عهد . قلت : بلى والله ، لقد كنت أجير لجبير ابن مطعم تجارة ، وأمنعهم ممن أراد ظلمهم ببلادي ، وللحارث بن حرب بن أمية .. قال : ويحك وخرج ذلك الرجل اليهما فوجدهما في المسجد عند الكعبة الشريفة ، فقال لهما : إن رجلا من الخزرج يضرب بالأبطح ، ويذكر أن بينكما وبينه جوارا ، قالا : ومن هو ؟ قال : سعد بن عبادة ، قالا: صدق والله ، إنه كان ليجير تجارنا ويمنعهم من أن يُظلموا ببلده ، فجاءا فخلصاه .
وهذه القصة تدل على مدى خوف قريش وغضبها وحماقتها من أن يجد النبي صلى الله عليه وسلم مأوى له ولدعوته ، وربما لو كانوا أدركوا الركب كله لكانت أول موقعة بين كفار قريش بعددهم الضخم والقلة المؤمنة من الانصار .

الدروس المستفادة من بيعة العقبة الثانية :

١-تتفق البيعة الثانية مع البيعة الاولى في ان كل منهما اعلان عن الدخول في الاسلام ، والانصياع لأوامر الله
٢-بينما كانت البيعة الاولى على التوحيد والالتزام بالأخلاق، فكانت البيعة الثانية بيعة الحرب وحماية النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته.
٣-كان عدد المبايعين في العقبة الاولى اثني عشر رجلا ، بينما كانت البيعة الثانية ثلاثة وسبعين رجلا وامرأتان وذلك نتيجة الجهود الدعوية الكبيرة التي بذلها مصعب بن عمير وأسعد بن زرارة وسعد بن معاذ ، وهذه وظيفة كل مسلم يؤمن بالله ورسوله في كل زمان ومكان .
٤-السمع والطاعة، في السلم والحرب، في الحضر والسفر، في العسر واليسر:( تبايعوني على السمع والطاعة في المنشط والمكرهِ ) ..وهذا أصل في نجاح أي عمل، وبغير السمع والطاعة لله ورسوله، تذهب الريح، وتفتر القوة، ويضيع العمل، ويأتي الشقاء والفشل، قال تعالى:{ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }(الأنفال46).
٥-فتحت البيعة الثانية باب مشروعية القتال والدفاع عن النفس
٦-التدرج الذي اتبعه النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل المدينة في احكام الشريعة، حيث بدأ معهم بالبيعة الأولى على الاخلاق في بيعة العقبة الاولى حيث انهم كانوا حديثي عهد بالإسلام ولا يريد ان يشق عليهم ، ثم كانت البيعة الثانية على الحرب.
٧-إبعاد العنصرية والقبلية منذ بدء دخولهم الاسلام حيث حضر من يثرب رجال من قبيلتي الاوس والخزرج،بينما كان اللقاء الأول يتكون من ستة من الخزرج فقط.
٨-أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ذلك الأصل بفقهه وآدابه ـ هو علامةٌ على خيرية هذه الأمة، وفضلها وريادتها، كما قال تعالى: ((كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم، مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ )) آل عمران:110
٩-( ولكم الجنة )، لم يعدهم النبي بأي من متاع الدنيا أو زعامة أوقيادة، وهم الذين أفنوا عشرات السنين من أعمارهم، يتصارعون على الزعامة والقيادة ، وانما هذا هو الجزاء والأجر الذي يحمل النفوس على احتمال المخاطر وبذل الروح والمال في سبيل الله وإعلاء كلمته وما أعظم ذلك الجزاء وما أربح تلك الصفقة والتجارة مع الله، وهذه هي طبيعة العلاقة بين الداعي ودعوته، لا ينتظر من ورائها عَرضاً من أعراض الدنيا، فضلا عن كون هذه البيعة لا تصلح إلا للذين تجردوا لله، وأخلصوا أنفسهم لنيل رضوانه .

فكانت العقبة الاولى انتقال بالدعوة الى الاسلام الى يثرب التي أعدها الله لتكون المدينة التي تحتضن رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوته.
وكان بيعة العقبة الاولى هي الميثاق الذي اخذه النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانت البيعة الثانية في العقبة تمهيدا للهجرة والانتقال الى المدينة المنورة

وهكذا عبرت البيعة بسلام وعاد الانصار الى المدينة ينتظرون هجرة النبي صلى الله عليه وسلم اليهم بتلهف كبير

بهذا أختم الحلقة (43) ونلتقي معكم الاسبوع القادم بإذن الله في الحلقة (44) مع فقه السيرة وظلال النبوة مع ملاحظة احتفاظي بالمراجع لعدم امكانية نشرها في الجريدة في الوقت الحاضر..
اسأل الله ان يكتب لنا ولكم الاجر ” صدقة جارية” عن نشر سيرة وفقه أعظم نبي ورسول صلى الله عليه وسلم وان يجمعنا به صحبة في الفردوس الاعلى من الجنة .
اخوكم د. محمد النجار (10/09/2018) الإثنين 30 ذوالحجة1439ه

السيرة (43) البحث عن وطن .. في الهجرة الى المدينة (1) 5
الدكتور محمد أحمد النجار

 

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.