السَّلْعَوَّة
بقلم/ محمد الخمَّارى
شواهدُ التاريخِ تؤكدُ على أنَّ لكلِّ عصرٍ من العُصورِ زبانيةً يمصُّونَ دماءَ المحتاجين ، بل يرقصون على جثثِهم. يتناجشون فى أقواتِهم وأرزاقِهم، يستكثرون على الفقراءِ كِسرةَ الخُبْزِ التي تسُدُّ كلبَ الجُوع. ثم إنهم لا يتركون المقهورين بقهرهم ولا المغلوبين بغلبهم بل يطاردونهم ويرسمون حاضرَهم ومستقبلَهم طبقاً لما تراه غطرسةُ عقولِهم.
يحاصرون البؤساءَ حتى في أمنياتِهم وخيالِهم من خلال تربُّعِ هؤلاء الرأسماليين على موائد التشريعات والدساتير في المجالس النيابية. يلعبون دورَ القاضى والجلَّادِ في آنٍ واحدٍ فهم وجهان لعملةٍ واحدةٍ ( الخِسَّة ) لا يعرفون سواها. أفسدوا الحياةَ السياسيةَ ومِن قبلها أفسدوا لذةَ الحياةِ الدنيا.
ما دخلوا على مُلكٍ إلَّا مُزِّقَ ولا جَمْعٍ غفيرٍ إلَّا فُرِّقَ .بهم ضاقتْ الدنيا بما رَحُبَتْ لو أخبروهم أنَّ القيامةَ غداً لاستثمروا الأكفان . فضحتْ الأزماتُ الاقتصاديةُ سترَ حجابِهم ،يرفعون راياتِ الاحتكارِ حتى تجاوزَ احتكارُهم للغِذاءِ إلى احتكارِهم للدواء. وما مِن نفسٍ بشريةٍ ولا روحٍ فاضتْ إلى السماءِ أقبلتْ على الانتحارِ من ضيقِ العيش إلَّا كان لهولاء الرأسماليين كِفْلٌ ( نصيب ) مِنْ دمِها.
أحدثوا خللاً داخلَ المجتمعاتِ فتحولَ المجتمعُ إلى سوقٍ لتجارة العبيد ولكن فى ثوبِهِ الجديدِ، فإذا كان سوقُ عُكاظَ قديماً ملاذاً للنِّخاسة وللتجارة في الأبدانِ البشريةِ فاليوم أصبحتْ النِّخاسةُ المعاصرةُ ملاذاً للتجارة فى أرواحِ الإنسانية.
محمد الخمَّارى
كاتب صحفي وخبير استراتيجي