الشعب يريد إستمرار الموجات العالية.. بقلم : رئيس التحرير
“المرة دي غير كل مرة .. الموجة المرة دي عالية أوووي .. لأنها جاية من فوق أووووي “.نطق بهذه العبارة مسئول كبير بإحدى المحافظات في مكتبه الوثير أمام “قط سمين” أو بالأصح “عجل سمين ” إمتلأ كرشه وكروش أبنائه وأقاربه وحاشيته بالمال الحرام بعد استيلائه على مئات الأفدنة من أراضي الدولة التي هي ملك للشعب ، والمتاجرة بها ” جهارا نهارا ” بمعاونة المفسدين من أصحاب الذمم الخربة التي تمتلئ بهم مكاتب المحافظات ومجالس المدن والقرى في كل أنحاء البر المصري . هاج وماج “العجل السمين” وخرج مغاضبا قائلا : ” أنا مش حشيل الليلة لوحدي على وعلى أعدائي”.
جاء هذا الحوار ، الذي نقله لي أحد الموظفين الشرفاء، بعد أيام من قرار الرئيس السيسي إزالة التعديات الواقعة على أراضي أملاك الدولة واستردادها بجميع المحافظات في موعد أقصاه ٣٠مايو الجاري وإنهاء ظاهرة التعدى على أملاك الدولة تماما ،وبعد ازالة حالة واحدة من حالات تعدي “العجل السمين” على أملاك الدولة.
استشعر المسئولين كل في موقعه بجدية الرئيس وإصراره على إزالة التعديات وإسترداد أملاك الدولة خاصة وأنه حدد مهلة زمنية، فانتفضوا وأزالوا الغبار المتراكم على عقولهم وآلياتهم ، وتمكنوا خلال يومين فقط من إسترداد ملايين الأمتار من أراضي البناء ومئات الالاف من الأفدنة المنهوبة. فمحافظة البحر الأحمر، تعلن يوم 18 مايو أن حصيلة أراضى الدولة التى تم استردادها ، عن طريق عدة حملات بجميع مدن المحافظة،بلغت 8 ملايين و300 ألف متر، والإعلان عن إسترداد مساحة مليون و203 الف متر في القاهرة، والدكتور محمد سلطان محافظ الإسكندرية يعلن إسترداد ما يقرب من مليون متر مربع من مساحات أراضي أملاك الدولة خلال أولى أيام تنفيذ حملات إزالة التعديات. وزارة الداخلية تعلن أنه تم إزالة تعديات على أملاك الدولة والأراضى الزراعية ونهر النيل ومنافع الرى والصرف، بلغت خلال أسبوع واحد أكثر من 250 ألف فدان في جميع أنحاء الجمهورية.
انتفاضة المسئولين لتنفيذ القرار الرئاسي بإسترداد أملاك الدولة تفضح عجزهم عن تحمل مسئولياتهم والتفريط في أداء واجبهم طوال السنوات الطويلة السابقة رغم صدور ألاف القرارات الإدارية وألاف الاحكام القضائية. والأمر برمته يستوجب محاكمتهم عن شبهة التواطؤ في حيث الجريمة . ويكشف عن ذلك صراحة الدكتور سعيد خليل، خبير الأمانة الفنية للجنة استرداد أراضي الدولة، بقولة في لقاء باحدى الفضائيات :” “طريقة الاستيلاء على هذه الأراضي مذهلة، حيث أن بعض جهات الولاية سهلت حصول بعض رجال الأعمال على الأراضي، ثم خرجوا من مناصبهم ليعملوا في هذه الشركات”.
اتفق مع البعض في وصف عملية إسترداد أملاك الدولة بأنها “معركة ” تستلزم النفس الطويل فالمهلة التي حددها الرئيس تبلغ حوالى 17 يوما حتى نهاية الشهر الحالي غير كافية مما يستلزم استمرار المعركة وبنفس الموجة العالية والجدية في الأداء والمتابعة حتى نهاية عام 2017 . فالاحصائيات تشير الى أن حجم الاراضي المنهوبة كبيرة جدا ، وفقا لبعض التقارير تبلغ حوالى 16 مليون فدان (حوالي 67 ألف كيلو متر مربع) . ويؤكد صحة هذا الرقم المفزع أحصائية أعلنها الدكتور سعيد خليل في اكثر من تصريح ولأكثر من قناة فضائية أنه في محافظة الجيزة وحدها تم الاستيلاء على 469 مليون و780 ألف متر أرض مباني و9 ملايين و868 ألف فدان أراضي زراعية تم الاستيلاء عليها، وهذه وفقًا لإحصائيات عام 2014.
كشف تقرير للجهاز المركزي للمحاسبات عام 2010 عن استيلاء رجال الاعمال على 3,5 مليون فدان كأرض زراعية بسعر 200 جنيه للفدان ، ولكن تم تسقسعها وتحويلها إلى منتجعات سياحية فاخرة وقصور وتجمعات سكنية فاخرة بلغ سعر الفدان 8 ملايين جنيه.
وهي أيضا معركة من حيث قيمة الأراضي المنهوبة ، والتي لا تقل عن تريليون جنيه ( 1000 مليار جنيه) وفقا لتقديرات الخبير الإقتصادي الدكتور عبد الرحمن طه تكفي لسداد العجز في الميزانية المقدر بــ 250 مليار جنيه وسداد الديون الداخلية التي تقترب من تريليون جنيه . بينما يرى خبراء اخرون أن الاراضي المنهوبة قد تقترب من 3 تريليون في ضوء التقارير الرسمية وكشف تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات عام 2014 أن قيمة الاهدار في أملاك الدولة التي تشرف عليها هيئة المجتمعات العمرانية بلغ 894 مليار جنيه. ولنا أن نتصور الاف المليارات المهدرة في مئات الهيئات والمؤسسات بالدولة المصرية بسبب الفساد وبصفة خاصة هيئة الاصلاح الزراعي وهيئة الاوقاف وغيرها.
وهي أيضا معركة لإسترداد هيبة الدولة المفقودة خاصة وأنها تواجه أبرز رموز النظام السابق والذي حصل 5 منهم بالأمر المباشر 100 كيلو متر مربع (100 مليون متر مربع) شمال غرب خليج السويس لخمس جهات، ورغم أن الحكومة حددت سعر المتر بخمسة جنيهات فقط، إلا أن هذه الجهات لم تدفع سوى جنيهًا واحدا عن كل متر. ولا يزال هؤلاء يتصدرون المشهد الاقتصادي ويمتلكون ظهير إعلامي من صحف وقنوات فضائية.
وأرى أن معركة إسترداد أراضي الدولة لن تستكمل إلا بمحاسبة كل من استولى على تلك الاراضي واستغلها لمدة طويل واستراد حصيلة ما جمعوا من أموال الشعب ومحاكمتهم قضائيا هم وكل مسئول تورط في تسهيل جريمة النهب .