الطائرات المسيرة .. السلاح الأبرز في ترسانة الدعم السريع
تصعيد جديد بطائرات مسيّرة في السودان والحكومة ترفض "استبعادها" من عملية الانتقال السياسى فى البلاد

كتبت : د.هيام الإبس
شنّت قوات الدعم السريع هجمات بطائرات مسيّرة على مواقع عسكرية وبنى تحتية مدنية في جنوب السودان، بحسب ما أفاد مصدر عسكري الأحد لوكالة الأنباء الفرنسية، بعد أقل من أسبوع على هجمات مماثلة في العاصمة.
وأصبح استخدام الطائرات المسيرة السلاح الأبرز في ترسانة الدعم السريع خلال الأشهر الأخيرة، ويشكل تطوراً لافتاً في مسار الحرب. فبينما اعتمدت القوات سابقاً على تكتيكات الأرض، فإن تحوّلها إلى استخدام “الدرونز” يضع الجيش أمام معادلة جديدة يصعب احتواؤها بسهولة، خصوصاً مع محدودية أنظمة الدفاع الجوي لدى القوات المسلحة في بعض المناطق.
وشهدت منصات التواصل الاجتماعي تداول مقاطع مصورة، تُظهر الطائرات المسيّرة وهي تحلّق على ارتفاعات منخفضة فوق مدينة كوستي، متجنبة الرادارات، في هجمات اعتُبرت الأكثر جرأة منذ بدء النزاع. وبحسب شهود عيان، فإن الانفجارات الناتجة عن القصف هزت أرجاء المدينة فجر الأحد، وأحدثت أضرارًا واسعة في البنية التحتية.
كما تم استهداف مطار كنانة – المستخدم عسكرياً من قبل الجيش – ما يُعدّ ضربة استراتيجية لقواته في وسط البلاد. ويأتي ذلك بعد يوم واحد فقط من محاولة استهداف منشآت مماثلة في مدينة الأبيض بإقليم كردفان، تمكّنت خلالها الدفاعات الجوية من إسقاط عدد من الطائرات.
في سياق متصل، تتواصل الاشتباكات الميدانية في مناطق مختلفة من البلاد، فقد أفادت مصادر محلية بأن قوات الدعم السريع أحرزت تقدماً غرب مدينة الأبيض، بعد سيطرتها على قرية العيارة، كما أعلنت في بيان نشرته على حسابها في “تلجرام”، استعادة السيطرة على منطقة كازقيل الاستراتيجية، الواقعة جنوب المدينة.
وبحسب البيان، تم نشر تعزيزات عسكرية على مداخل كازقيل لتأمينها من أي هجمات مضادة.
و تزايدت التحذيرات من تفاقم الوضع الإنساني نتيجة المعارك المتواصلة.
السودان يرفض هدنة قدمتها أربع دول
من جانبها، رفضت الحكومة السودانية، مقترح هدنة قدمته يوم الجمعة الولايات المتحدة ومصر والسعودية والإمارات، مؤكدة أنها لن تقبل “استبعادها” من عملية الانتقال السياسي المستقبلية في السودان.
ودعت الدول الأربع في بيان مشترك، الجمعة، إلى هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر في السودان، يليها وقف دائم لإطلاق النار وفترة انتقالية تمتد تسعة أشهر تفضي إلى تشكيل حكومة مدنية.
وأكّدت الدول أن هذه العملية الانتقالية يجب أن تكون “شاملة وشفافة”، وأن تنتهي
ضمن الإطار الزمني المحدد بهدف “تلبية تطلعات الشعب السوداني نحو إقامة حكومة مستقلة بقيادة مدنية تتمتع بقدر كبير من المشروعية والقدرة على المساءلة”.
وجاء في إعلان الدول الأربع أن “مستقبل الحكم في السودان يقرره الشعب السوداني، ويجب ألا يسيطر عليه أي من الأطراف المتحاربة” وهو ما رفضته الحكومة السودانية.
وفي بيان صادر عن وزارة الخارجية السودانية، رحبت الحكومة “بأي جهد إقليمي أو دولي يساعدها في إنهاء الحرب”، لكنها أضافت أن أي عملية سياسية يجب أن “تحترم سيادة الدولة السودانية ومؤسساتها الشرعية” الخاضعة حالياً لسيطرة الجيش.
وأضافت أن “شعب السودان هو الوحيد الذي يحدد كيف يُحكم من خلال التوافق الوطني” تحت قيادة الحكومة الانتقالية.
وكان الجيش السوداني قد أسس في مايو حكومة مدنية جديدة.
واندلعت الحرب بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتى)، في 15 أبريل 2023، على خلفية الصراع على السلطة، وتحوّلت البلاد إلى مناطق نفوذ متقاسمة بين الطرفين.
ومع استمرار الحرب في عامها الثالث، يسيطر الجيش على شرق وشمال ووسط السودان، بينما تسيطر قوات الدعم السريع على جزء من الجنوب وعلى معظم مناطق دارفور غرباً.
وأعلنت قوات الدعم السريع مؤخراً عن تشكيل حكومة موازية، ما أثار مخاوف من تفتيت البلاد.
وأكد الجانبان مراراً استعدادهما لمواصلة القتال حتى تحقيق “النصر العسكري الشامل”.
وفي خطوة اعتُبرت تحذيرية، فرضت الولايات المتحدة، يوم الجمعة، عقوبات على وزير المالية السوداني، جبريل إبراهيم، ورئيس حركة العدل والمساواة السودانية، وكذلك على كتيبة البراء بن مالك، وهي جماعة مسلحة تحارب إلى جانب الجيش.
وجاء في بيان لوزارة الخزانة الأمريكية بأن هذه العقوبات تهدف للحد من “النفوذ الإسلامي في السودان وتقييد الأنشطة الإقليمية لإيران التي ساهمت في زعزعة استقرار المنطقة، وفي النزاعات وفي معاناة المدنيين”.
واعتبرت حركة العدل والمساواة في بيان أن “العقوبات الأحادية ليست ذات قيمة، وتمثل إجراءً جائراً يفتقر إلى الأساس القانوني والمبررات الموضوعية”.
وعلى صعيد متصل، مدّد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الجمعة، لعام إضافي، الحظر المفروض على إدخال الأسلحة إلى إقليم دارفور السوداني، وهو حظر غالباً ما يتم التنديد بانتهاكه.
وفي قرار تم تبنيه بالإجماع، مدّد المجلس حتى 12 سبتمبر 2026 العقوبات المفروضة منذ عام 2005، التي تستهدف حصراً إقليم دارفور، وهي عقوبات فردية تطال خمسة أشخاص، إضافة إلى حظر الأسلحة.
وقال ممثل الولايات المتحدة، جون كيلي، إن “الوضع في دارفور ما زال خطيراً، مع تفشي العنف على نطاق واسع، ووجود تحديات إنسانية كبرى، ونزوح جماعي”.
وأشار إلى أن قرار التمديد “يبعث برسالة واضحة مفادها أن المجتمع الدولي مصمّم على الحد من تدفّق الأسلحة وحريص على محاسبة مرتكبي أعمال العنف، والأعمال التي تؤدي إلى انعدام الاستقرار في دارفور”.
ووفقاً لمحللين عسكريين، فإن قوات الدعم السريع تعتمد على حرب العصابات والتكتيكات المرنة في مواجهتها مع الجيش، مع الاستفادة من ضعف منظومات الدفاع الجوي في عدد من المواقع. واستخدام الطائرات المسيّرة بات يُمكّنها من توجيه ضربات دقيقة دون خسائر بشرية مباشرة، مما يزيد من فاعلية عملياتها، ويؤثر معنوياً على الطرف الآخر.
ويرى خبراء أن استمرار هذا النوع من الهجمات قد يُعيد رسم خارطة السيطرة، خاصة إذا استهدفت مواقع استراتيجية مثل المطارات، محطات الكهرباء، والمخازن العسكرية، كما أن الهجمات على البنية التحتية – رغم أنها تُدين دولياً – تشكل ضغطًا مزدوجًا على الحكومة السودانية، داخليًا وخارجيًا.
الهجوم على كوستي وما تلاه من عمليات في الأبيض، يؤكد أن الدعم السريع بات يمتلك قدرة عملياتية متقدمة تمكنه من شن هجمات متزامنة في أكثر من محور.
وفي ظل غياب تسوية سياسية، وعدم التزام الأطراف بوقف القتال، يبدو أن البلاد مقبلة على مرحلة أكثر عنفاً، حيث تتقاطع فيها حسابات الداخل مع صراعات النفوذ الإقليمي والدولي.
وعلى الصعيد الإنساني، أسفرت الحرب عن مقتل عشرات الآلاف ونزوح الملايين، كما تواجه البلاد أزمة انسانية وغذائية حادة، وأسوأ تفش للكوليرا منذ سنوات.
وكانت منظمة «أطباء بلا حدود» أعلنت تسجيل أكثر من 2200 حالة يشتبه بإصابتها بالكوليرا و39 وفاة في مرافقها بوسط دارفور منذ منتصف يوليو 2025.
ووفقاً لتقرير المنسقية العامة لمعسكرات النازحين واللاجئين بالسودان، تم رصد 416 إصابة جديدة و12 وفاة إضافية، ما يرفع إجمالي الحالات في الإقليم إلى أكثر من 11 ألف إصابة و441 وفاة.