الطفل بطيء التعلم .. الأنواع والمحددات
بقلم : الدكتور أيمن فرج البرديني
إن اصطلاح بطيء التعلم يطلق على كل طفل يجد صعوبة في مواءمة نفسه مع المناهج المدرسية بحيث يظهر ضعفاً في تحصيله الدراسي بالنسبة للمستوى المنتظر من التلاميذ العاديين في مثل عمره الزمني ، وذلك بسبب قصور بسيط في ذكائه أو في قدرته على التعلم ، وأنه لا يوجد مستوى محدد لهذا القصور العقلي ولكننا من الناحية العملية نستطيع القول أن الأطفال الذين تبلع نسبة ذكائهم أقل من ٨٤ وأكثر من ٦٨ درجة يكونون ضمن هذه المجموعة .
ويعتبر التأخر الدراسي مشكلة متعددة الأبعاد فهو مشكلة نفسية تربوية اجتماعية واقتصادية ويعاني منها كل من التلميذ والآباء والمدرسين ، كما أنها تعوق نمو التلميذ العملي والنفسي ، كما تحول بين المدرسة وبين أداء رسالتها على الوجه الأكمل .
فهو حالة تأخر أو تخلف أو نقص أو عدم اكتمال النمو التحصيلي نتيجة لعوامل عقلية أو جسمية أو اجتماعية أو انفعالية بحيث تنخفض نسبة التحصيل دون المستوى العادي المتوسط في حدود انحرافين معياريين سالبين.
والواقع أننا يجب أن نكون على حذر شديد قبل أن نضفي على الطفل المتأخر دراسياً صفة أو أخرى ليست فيه ، كالتخلف العقلي مثلاً ، فقد يكون السبب في تأخر الطفل دراسياً هو شيء آخر مثل ضعف حواسه كالبصر أو السمع أو عدم توافقه الشخصي والنفسي والاجتماعي في الأسرة أو المدرسة أو عدم تقبله للمادة العلمية التي لا تشكل أهمية له أو لا تشبع رغباته وحاجاته الخاصة وميوله ولا تستثير اهتماماته .
والمحزن أن المدرس يحكم على الطفل بالغباء والتخلف العقلي بمجرد عدم فهمه للدرس أو قلة تحصيله للمادة العلمية وينتج عن ذلك بطبيعة الحال ردود فعل من الطفل وهي اتجاهه للعناد والجنوح والعدوانية والكراهية للمدرس والمدرسة والتعلم بصفة عامة وإما أن يميل الطفل إلى الخنوع والسلبية والانسحاب من المجتمع والعزلة بسبب الاحباطات التي يعيشها نتيجة فشله في الدراسة وعدم قدرته على اثبات ذاته وتقصيرها ومن ثم تقل قدرته على الانجاز ويجره ذلك إلى الفشل المستمر .
ويعرف التأخر الدراسي اجرائياً على أساس الدرجات التحريرية التي يحصل عليها التلميذ في الاختبارات في جميع المواد .
أنواع بطء التعلم :
يصنف بطء التعلم إلى أنواع منها :
١- بطء التعلم العام :
ويبدو التلميذ في هذا الصنف بطيء التعلم بجميع المواد الدراسية وخصوصاً الأساسية منها
وتتراوح نسبة ذكائه بين ٦٨ إلى ٨٤ .
٢- بطء التعلم الخاص :
يكون في مادة بعينها كالحساب مثلاً أو اللغة العربية ويرتبط بنقص بأحد القدرات العقلية كالقدرة على القراءة أو القدرة الرياضية أو القدرة على الاستماع .
٣- بطء التعلم الموقفي :
الذي يرتبط بأحد المواقف التي تواجه التلميذ وتعطل قدرته على التحصيل بشكل طبيعي نتيجة لخبرات سيئة ترتبط بذلك الموقف كفقدان أحد الوالدين أو العلاقات الأسرية السيئة التي تترك أثار انفعالية حادة لدى الفرد .
٤- بطء التعلم الحقيقي :
ويرتبط بانخفاض مستوى الذكاء ، وبعض القدرات الخاصة بعملية التعليم حيث يبدو الفرد غير قادر على تعلم مواد دراسية محددة بعينها ويمكن أن يكون دائماً بسبب كونه يعود إلى أسباب فسيولوجية أو وجود إعاقة حسية .
٥- بطء التعلم الظاهري :
هذا الصنف من أصناف بطء التعلم يكون وقتي حيث يرتبط بموقف معين ويزول بزوال العوامل التي احدثته وهذا الصنف يمكن علاجه كونه لا يعود إلى مسببات عقلية أو حسية ، وهو مقتصر على تعلم الخبرات المدرسية دون غيرها من أنواع التعلم الأخرى التي قد يكتسبها التلميذ من البيئة غير المدرسية .
ويمكن أن نحدد الطفل بطيء التعلم عن طريق خطوتين هما :
(أ) الخطوة الأولى : قياس الذكاء
وذلك عن طريق استخدام مقاييس الذكاء المقننة ، ( وهي اختبارات تم التثبت من صدق وثبات نتائجها عن طريق تجربتها وقد تم تحديد طريقة التطبيق والحدود الزمنية لتطبيقها والتوصل إلى التعليمات الواضحة والمناسبة لتطبيقها وتفسير نتائجها ) ، وذلك بهدف معرفة نسبة ذكاء الطفل أو عمره العقلي .
(ب) الخطوة الثانية : قياس المستوى الدراسي :
ويتم ذلك باستخدام المقاييس التحصيلية المقننة ويسمى ما نقيسه العمر التحصيلي ، فإذا وجدنا أن تلميذاً عمره الزمني عشر سنوات وعمره التحصيلي سبع سنوات مثلاً ، كان مستوى تحصيله في الدراسة يساوي مستوى تحصيل طفل عمره سبع سنوات ، وهذا الطفل يعد متأخراً ثلاث سنوات تحصيلية عما ينتظر منه بالنسبة لعمره الزمني ، ولكن يجوز أن استعداده العقلي لا يتمشى مع عمره الزمني ، أي أنه يجوز مثلاً ان يكون عمره العقلي سبع سنوات مثلاً وبذلك لا يعد متأخراً في مستوى تحصيله عما ينتظر منه بالنسبة لمستواه العقلي وفي هذه الحالة يعتبر عادياً من حيث التحصيل .
لهذا نشأت فكرة حساب النسبة التحصيلية وهي نسبة العمر التحصيلي إلى العمر العقلي ، ويضرب الناتج في ١٠٠ للتخلص من الكسور الحسابية .
أي أن النسبة التحصيلية = العمر العقلي / العمر التحصيلي x ١٠٠
فإذا أمكننا أن نعرف هذه النسبة التحصيلية لتلميذ ما ، ووجدنا أنها أقل من ١٠٠ بدرجة واضحة نستطيع حينها أن نحكم عليه بأنه بطيء تعلم ووجب علينا دراسة العوامل التي أدت إلى ذلك ومعالجتها .
محددات بطء التعلم :
(أ) من الناحية العقلية :
يعاني من عدم الاستطاعة الذهنية التي تجعله قد لا يحصل على درجات مرتفعة في اختبارات الذكاء ويكون أقل ممن هم في مستوى صفه الدراسي من العاديين بحوالي درجتين أو درجة ونصف معيارية عن المتوسط الحسابي للمستوى العام للصف .
(ب) من الناحية الاجتماعية :
هو التلميذ الذي لا يقبل على الدراسة ويميل إلى النواحي العملية أكثر من التفكير الذهني كما يميل إلى التخلص من الصراعات ممن يمثلون السلطة بإلقاء اللوم عليهم نتيجة لفشله وعدم توافقه في الدراسة باللجوء إلى السلوك العدواني .
دور الوالدين :
يجب على الآباء التأكد من خلو الطفل من الأمراض العضوية العارضة التي قد تسبب له شعوراً بالألم أو عدم الراحة مما يقلل من درجة تركيزه ، وأيضاً خلو جسمه من الطفيليات التي إذا أهمل علاجها قد تسبب له نوعًا من الأنيميا فيفقد تركيزه .
وفي هذه الحالات لا يمكن تصنيف الطفل على أنه بطيء التعلم ، لأن هذا الأمر عارض ومؤقت ويزول بمجرد علاجه .
أما الطفل الذي يفقد تركيزه بصفة مستمرة أو يجد صعوبة في الانتباه والتركيز لمدة طويلة مقارنة بأقرانه مع بطء التحصيل الدراسي فنستطيع تصنيفه على أنه بطيء التعلم .
وتظهر بوضوح أهمية دور البيت والأسرة في التغلب على بطء التعلم ، وذلك بتوفير الجو الأسري الهادئ المستقر الخالي من التوترات والمشاحنات وإلا سيزيد تشتت الطفل مما يقلل من استيعابه .
كما يفضل إدماج الطفل في المدارس العادية لأن توجيهه إلى مدارس ذوي الاحتياجات الخاصة حكم عليه بالفشل لأنه في النهاية هو قابل للتعلم ولكنه بطيء في هذا التعلم .
كما يجب أن يبذل الوالدان جهدًا كبيرًا في المذاكرة للطفل بإتباع أساليب متعددة ومشوقة مع التشجيع المستمر والتحفيز والتعزيز كأنَّ يعده الوالدان بهدية أو نزهة إذا أنجز واجباته سريعا .
تنوع الحواس
كما يجب تنويع وسائل الشرح كاستخدام الرسم أو التلوين فيقوم الطفل برسم الكلمة ويلونها بتشجيع الوالدين ويمكن أيضاً أن يقوم الوالدان بتمثيل مواقف من المنهج الدراسي والاستعانة بالعرائس والقصص المصورة .
كما يمكن الاستعانة بالوسائل التعليمية في المنزل كالسبورة الملونة أو العداد الملون لتعليمه الأرقام أو الجمع كما يمكن للأم أن تحضر لطفلها المكعبات أو البازل وتستخدمها معه لإيضاح المعلومة ، فكلما ركز الوالدان على استخدام الطفل لأكثر من حاسة في نفس الوقت سواء السمعية أو البصرية أو حتى اللمس والشم زاد استيعابه .
الاستعانة بالوسائط التكنولوجية الحديثة كالأناشيد على الأقراص المدمجة أو أفلام الفيديو أو البرامج والتطبيقات التعليمية ، وكلما كانت مرئية ومسموعة كانت أكثر جذباً لانتباه الطفل .
وينبغي تحلي الوالدين بالصبر والثقة بأن أي مجهود سيبذل مع الطفل سيؤتي ثماره بإذن الله لأن الإعاقات بصفة عامة تتحسن مع بذل المجهود وبطء التعلم يعد من أبسط الإعاقات وأسهلها وبالتالي أي مجهود سيكون ملاحظً ولكن النتائج بالطبع تختلف حسب حالته ودرجة البطء وحسب المجهود المبذول معه.