العورات السياسية تفضحها المصالح: تركيا وأذربيجان وإيران… من يحمي غزة حقًا؟

بقلم / إيمان أبو الليل
في مشهد يعكس تداخل السياسة بالمصالح، أعلنت إسرائيل عن زيارة مرتقبة لرئيس وزرائها بنيامين نتنياهو إلى أذربيجان، تستمر خمسة أيام، إلا أن المفاجأة جاءت من تركيا، التي أعلنت رفضها السماح للطائرة الإسرائيلية بعبور أجوائها، احتجاجًا على “الإبادة الجماعية لأهالي غزة”، منذ 7 أكتوبر 2024 وحتى الآن.
رغم ما يبدو أنه موقف حازم، فإن مراقبين تساءلوا: هل هذا هو أقصى ما تستطيع تركيا تقديمه دفاعًا عن غزة؟ وهل تمثل هذه الخطوة بداية لتغيير جذري في السياسات الإقليمية، أم أنها مجرد مناورة سياسية تحفظ ماء الوجه أمام شعوب غاضبة؟
طائرة نتنياهو… رسالة سياسية جوًّا
رغم أنها طائرة صغيرة لا تتسع لأكثر من 60 شخصًا، إلا أن الطائرة الخاصة برئيس الوزراء الإسرائيلي تُعد بمثابة مركز قيادة جوي، تحتوي على جناح خاص، غرفة نوم، مكتب لإدارة الدولة، وقسم لتخطيط العمليات العسكرية. وجود هذه التجهيزات يشي برسالة رمزية يريد نتنياهو إرسالها خلال زيارته لأذربيجان: أن الحرب تُدار من السماء، وأن التحالفات لا تعترف بالحدود.
أذربيجان بين الهوية الإسلامية والمصلحة الإسرائيلية
على الرغم من الرفض الشعبي في أذربيجان لما يحدث في غزة، فإن العلاقات الاستراتيجية بين باكو وتل أبيب تمنع أي موقف ضاغط على إسرائيل. فالدولة المسلمة لا تنسى دعم إسرائيل لها في حربها ضد أرمينيا، حيث زودتها بـ70% من سلاحها، إضافةً إلى دور جماعات الضغط الداعمة لأذربيجان في الولايات المتحدة.
وتشكّل أذربيجان، بحدودها الشمالية مع إيران، مركزًا لأنشطة استخباراتية إسرائيلية، في ظل طموحات أذرية لضم أراضٍ إيرانية تُعرف بـ”أذربيجان الجنوبية”، ما زاد من توتر العلاقات بين طهران وباكو.
إيران… بين الخطاب الثوري والمصالح المحسوبة
رغم الخطابات النارية التي تطلقها إيران ضد إسرائيل، ومطالبتها العالم الإسلامي بقطع العلاقات مع تل أبيب، إلا أن الواقع أكثر تعقيدًا. فـأذربيجان وكازاخستان – كعضوين في منظمة التعاون الإسلامي – تمدان إسرائيل بنصف احتياجاتها من النفط.
في المقابل، تحاول إيران توطيد علاقاتها مع أذربيجان اقتصاديًا، من خلال الممر الشمالي الجنوبي للتجارة والنقل، الذي يخدم روسيا أيضًا في ظل العقوبات الغربية. ومع ميل أرمينيا نحو الغرب، تجد إيران نفسها مضطرة لتقديم تنازلات، خشية العزلة في جنوب القوقاز.
تركيا… الصوت العالي والمصالح العميقة
ورغم التصعيد الإعلامي التركي ضد إسرائيل، فإن الوقائع الاقتصادية تكشف وجهًا آخر. فـالنفط الأذربيجاني لا يزال يتدفق إلى إسرائيل عبر ميناء جيهان التركي، ورغم دعوات إيران لوقف هذا التعاون، لم تلقَ استجابة تُذكر من أنقرة.
تحت ضغط الشارع التركي الغاضب، أعلنت الحكومة التركية وقف التعاون التجاري مع إسرائيل، لكن بيانات الشحن تؤكد استمرار تدفق النفط، ما أحرج تركيا أمام مواطنيها، وفضح ازدواجية المواقف.
الضغوط الداخلية تهدد مستقبل نتنياهو
وفي الداخل الإسرائيلي، تتصاعد الدعوات لمحاكمة نتنياهو بتهم فساد ورشوة، في ظل إخفاقه الأمني والسياسي بعد هجوم 7 أكتوبر. وتشير التقارير إلى صفقة محتملة لإقراره بالذنب مقابل تقليص الحكم، كوسيلة لاحتواء الغضب الشعبي.
لكن الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ رفض اعتبار نتنياهو “عاجزًا عن الحكم”، رغم الضغوط من المعارضة التي ترى أن استمرار بقائه يهدد أمن الإسرائيليين.
إيمان أبو الليل
إعلامية وكاتبة صحفية
عضو اتحاد الكتاب