أراء وقراءاتاقتصادمصر

العيب فينا أم في الاقتراض؟ بقلم:عبد الغفار مصطفى

مقر صندوق النقد الدولى

علم الاقتصاد.. علم محايد لا يعرف المجاملات كما لا يعرف المهاترات أو التجارب.. هو علم يقوم على الشفافية والمحاسبة ولا يقترب من الفوضوية، وكذا الاجتهادات غير الموضوعية ولا النظم المحسوبة.. فكل شيء فيه بمقدار.
في مصر عندنا الاقتراض له سُمْعة سيئة سواء لدى الشعب المصري الذي يسدّد ديونًا عليه منذ ما يزيد عن 50عامًا، ولم تقدم له هذه القروض سوى الحسرة وخيبة الأمل ولم يعرف طريق الازدهار يومًا خلال هذه الفترة التعيسة، وحتى يومنا هذا وهي خيبة ممتدة لوقتٍ لا نعرف مداه وسوف تظل قروض مصر الغالية تنتقل من جيلٍ إلى جيلٍ.
الخيبة التي أعنيها ويجنيها الشعب المسكين هي أن قروضه التي تجلبها حكومات متعاقبة لم يؤخذ فيها رأيه تستخدم في غير أغراضها المعلنة وهي الأغراض الاستثمارية بما يزيد من طاقة دخله القومي الإنتاجية، ولهذا إما أن يكون الاقتراض خطأً أو صوابًا مثل الكثير من الأمور الحياتية.. إذًا فالمسئولية عند حكومات تفتقد الكفاءة وحسن الأداء ولهذا فالاقتراض لم يستشعره المواطن لكن عليه أن يسدده فقط.. من هنا العيب فينا.. لماذا؟
لأننا لا نذاكر تجارب الآخرين الذين اقترضوا وأحسنوا التعامل فأنتجوا وازدهرت حياة مواطنيهم وزادت طاقتهم الإنتاجية فلبّوا السوق المحلي وصدروا وغزوا الأسواق الخارجية.. والأمثلة على ذلك صارخة في الدول الأسيوية وما سميت بالنمور.. أمّا عندنا فالأولويات مفقودة وحكم الهوى يأخذنا إلى مسارات عجيبة تضعنا في محطات متخلفة لا قيمة لها ولا وزن وندعى زعمًا أنَّ المؤتمرات تحيط بنا وكأنَّ هناك أشخاصا يمسكون بأيدينا ويشيطنون عقولنا على التخلف ويغمضون عيوننا على الرؤية الصحيحة..
وهذا كله أضاف عقولا غير مدربة على التفكير الصحيح لأنَّ الفرد الحاكم عندنا هو صاحب الحكمة الوحيد والملهم من قبل السماء مع أنّ السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة ولا حتى عقولاً تدربت على قبول الآخر والاستماع إليه ويكون هناك ما يسمى بالحوار الذي فرضه الله في كتبه السماوية وأدبياتها بالشورى التي تصنع الهمم وتفرز العقول وتصوب الأخطاء.
المشكلة في حكومات دولتنا المتعاقبة أنها تخلوا من التخصص وتعتمد على الهواة فلم تستطع هذه الحكومات من توليد مدخرات محلية تكفى لاستثماراتنا المحلية لهذا فمعدل الاستهلاك في مصر يقترب من نحو ٥٨٪ من الناتج الاجمالي ومن ثم يصل الادخار لدى المصريين لنحو ٥١٪ فقط من هذا الناتج.. وهذه نسبة ضئيلة جدا لا تحقق معدلات نمو عالية كما هو عند دول النمور الأسيوية التي تحقق النسبة العالمية في الادخار وهى 30٪ من الناتج الاجمالي للدول التي تريد تحقيق نمو مضطرد كما حدث عند الهند والصين ومن ثم استطاعت هذه الدول في عقود متوالية وبأداء جيد دءوب على أن تنقل شعوبها من الفقر إلى الإزهار والغنى ولحقت بركب الدول الصناعية في الاقتصاد الدولي فهل تستطيع حكومتنا أن تقدم برنامجًا يعبر عن طموحات شعبها.. وما هي أمارات ذلك؟!
اقتصاد الدول يبنى بالجدية والكفاءة والاختيار الموضوعي المؤسس على التخصص لمن ينفذ البرامج ويسهر عليها وليس لأهل القربى والمرضى عنهم فضل عما يتصف بالولاء والسمع والطاعة.
الكفاءة والخبرة والتخصص وحسن الأداء وأهل التميز هم من يبدعون في العطاء ويوجهون كل جهودهم لخدمة بلادهم وتوظيف أقل الطاقات لبناء قاعدة علمية اقتصادية قادرة على ان تؤتى ثمارها في سنوات وتظهر أماراتها في المقدمة لقدرة انتاجية تبدأ بالاستثمار والاستخدام الأمثل للموارد بأولويات مدروسة بعيدة عن الهوى حيث تتدفق اليها رؤوس الأموال الأجنبية لتوظيفها واستثمارها وخلق عوائد لها تعود علي المستثمر الآمن والمواطن الطموح.
والآن .. هل يستطيع المواطن المصرى أن يدخر جزءا من دخله الذى بخرته قرارات أليمة وفيها ارتفع سعر الدولار وفقد الجنيه قيمته الشرائية ومن ثم انهيار قيمته السوقية.. وإذا كان هذا حال الجنيه.. فماذا ستكون حالته بعد 10 أو 20 عامًا.. مع أن المدخرين في البنوك فقدوا نصف قيمة ادخاراتهم الشرائية.
الغريب.. الحكومة تنتقد الشعب لأنه غير مدخر.. وما قولها في الذين ادخروا وفقدوا نصف ادخاراتهم من حيث قيمتها الشرائية.. أليس هذا عبثا بمقدرات المواطنين ودليلا على انصراف أولى الأمر إلى غير الكفاءة والاستماع فقط إلى أنفسهم..!!

عبد الغفار مصطفى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.