أراء وقراءاتفلسطين

الفساد بين النفوس والنصوص… غزة تفضح الجميع

بقلم أيقونة الاتزان / السفير د. أحمد سمير

في خضمّ الحروب، لا تُختبر فقط الأسلحة والمواقف، بل تُختبر القيم.
تحت نيران القصف، لا تُمحى المدن فقط، بل تُعرّى النفوس، ويُكشف زيف الشعارات، وتُفضح النصوص التي طالما عُلّقت على الجدران دون أن تسكن القلوب.

منابر تتكلم… وأطفال تحت الركام

منذ نعومة أظفارنا، ونحن نُلقّن آيات وأحاديث عن العدل، ونُردد دروسًا عن الوقوف مع المظلوم، وحق الجار، وأخوة الدين والإنسانية…
تُزيَّن بها الكتب المدرسية، وتُتلى على المنابر، وتُرفع في المؤتمرات الدولية، لكن—
أين تذهب هذه النصوص عندما يُحاصر مليونا إنسان في غزة بلا ماء ولا دواء؟
أين تختبئ تلك “العهود والمواثيق” التي وُقعت باسم الإنسانية وحقوق الإنسان، حين يُقتل الأطفال تحت الأنقاض، ويُدفن الأمل تحت الركام؟

الفساد يبدأ من الصمت

الفساد ليس دائمًا مالًا يُنهب، أو سلطة تُغتصب.
الفساد يبدأ من لحظة صمتك عن قول الحق، ومن كل موقف رمادي تتخذه عندما تكون الحياة والموت مسألة خيار.
الفساد أن ترى المأساة وتدير ظهرك، وأن توقّع اتفاقية “سلام” وأنت تعلم أن الطرف الآخر يبني مستوطناته فوق الجثث.

غزة لا تواجه السلاح فقط

غزة اليوم لا تواجه فقط طائرات ودبابات، بل تواجه “فساد النفوس” في أوسع تمثيل له.
في قصة موجعة، روتها طفلة ناجية من تحت الركام، كانت تحمل دميتها الملطخة بالدماء. سألوها:
“ما حلمك؟”
قالت بصوت مكسور:
“أعيش حتى أرى صباحًا بلا قصف.”

هل هذا كثير؟
بالنسبة لنا: لا… وألف لا.
لكن في نظر الفاسدين القابعين خلف مكاتبهم اللامعة، هذا الحلم خطر؛ لأنه يهدد “توازنات سياسية”، ويُربك أرباح “صفقات الأسلحة”.

ما نراه اليوم يُؤكد أن النص لا يصنع حضارة، ما لم يسكن نفسًا شريفة.
وأن أعظم الكوارث لا تحدث حين تنهار الجدران، بل حين تنهار القيم.

غزة تعيد الحياة للنصوص

في غزة، نرى نفوسًا سامية تُعيد المعنى للنصوص:
أم تودّع أبناءها وهي تردد: “حسبنا الله ونِعم الوكيل”
وشاب يجري بين الركام ليسعف طفلًا، ويده تنزف ولسانه يلهج: “ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا.”

الحل ليس في المؤتمرات بل في الضمائر

لسنا بحاجة لنصوص جديدة، بل لنفوس صادقة.
لسنا بحاجة لمؤتمرات، بل لضمير حي.

غزة لا تنتظر شفقة، بل شراكة في المعاناة.
لا تنتظر بيانات، بل وقوفًا صادقًا مع الحق.
لا تنتظر حيادًا، بل رفضًا للصمت المغلف بالذل.

الأسئلة الحقيقية تبدأ من غزة

“الفساد بين النفوس والنصوص” قصة لا تنتهي، لكن كل مشهد في غزة يفضح فصلاً جديدًا منها.

ويبقى السؤال:
هل سنظل نعلّق النصوص على الحيطان، بينما تنهار النفوس أمام أول اختبار؟

غزة تقول لكم:
“افتحوا أعينكم… فالنصوص ليست أوراقًا. إنها أرواح.”

السفير د. أحمد سمير

عضو هيئة ملهمي ومستشاري الأمم المتحدة

السفير الأممي للشراكة المجتمعية

رئيس مؤسسة الحياة المتزنة العالمية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى