الفيسبوك.. بين نور الكلمة وظلام النفوس

بقلم / حسن السعدني
في زمنٍ تحكمه الشاشات، وتُغنّي فيه الأصابع على مفاتيح الهواتف كما تُغنّي البلابل على الأغصان، بزغ “الفيسبوك” كمنصةٍ تُشبه المرآة، لكنها لا تعكس الوجوه فقط، بل تعكس ما في القلوب والعقول.
نعم، هو سلاحٌ ذو حدّين:
حدٌّ يقطع ظلمة الجهل بنور المعرفة،
وحدٌّ يجرح الحياء، ويذبح القيم، ويترك الجرح نازفًا في صمتٍ مؤلم.
قضاة لا يعرفون العدل
على هذا المسرح الأزرق، يخرج من بين الظلال قومٌ نصبوا أنفسهم قضاةً على العباد. لا يعرفون من العدل إلا سيف الإدانة، ولا من الرحمة إلا اسمها.
تراهم يفتّشون في النوايا كما يفتّش الجندُ في الظلام عن خنجرٍ مُخبأ، يتصدرون المجالس الرقمية، ويرفعون راية “النصح”، وما هو بنصح، بل هو فضحٌ مغلفٌ بورق الوعظ.
بين الحسد والتقلبات المصلحية
وما أكثرهم!
أولئك الذين إذا رأوك ناجحًا، شكّكوا في نواياك،
وإذا رأوك متعثّرًا، ضحكوا في الخفاء ووشوا في العلن.
أقلامهم تكتب بالحبر الأسود، وقلوبهم لا تعرف البياض،
يصيحون: “نحن الغيورون على الحق!”، والحق منهم براء.
ومن ورائهم، يطلّ علينا صنفٌ آخر: المتلونون،
الذين تتبدل وجوههم كما تتبدل خلفيات هواتفهم.
مع كل موقفٍ لهم موقف، ومع كل رائجٍ لهم رأي.
اليوم معك، وغدًا عليك،
يمدحون الفضيلة في منشور، ثم يرقصون على حبال النفاق في تعليق.
منبر بلا ضوابط
الفيسبوك – وما أدراك ما الفيسبوك – أصبح ميدانًا للخطاب كما كان المنبر من قبل، لكنه منبرٌ بلا ضوابط، وكلمةٌ بلا رقيب.
فالكلمة فيه إمّا أن ترفعك إلى علياء النور، أو تهوي بك إلى درك العار.
فلنطهر الساحة الرقمية
فليت شعري!
أما آن لأصحاب القلوب البيضاء أن يُطهّروا ساحات الفضاء من شوائب الرياء؟
أما آن لأهل الأدب أن يُعيدوا للكلمة طُهرها، وللرأي شرفه؟
فليس كلُّ من كتب عارفًا، ولا كلُّ من نصح ناصحًا، ولا كلُّ من صمت ساكتًا عن الحق.
في زمن “الفيسبوك”، تُختبر القلوب، وتُفضح السرائر،
وتُختزل الهيبة في “إعجاب”، وتُباع المروءة في “مشاركة”.
كلمة من نور
فلنكن من أولئك الذين إذا كتبوا، كتبوا بصدق،
وإذا اختلفوا، اختلفوا بأدب،
وإذا وعظوا، وعظوا برحمة،
وإذا رأوا الزلل، ستروا ولطّفوا، لا فضحوا وتشفّوا.
فما أجمل الكلمة إذا خرجت من قلبٍ نقي،
وما أبشعها إذا نُسجت بخيوط النفاق والغرور.
ليكن الفيسبوك مرآةً نُجمل بها أرواحنا، لا سكينًا نغرسه في ظهور بعضنا.
حسن محمد السعدني
كبير معلمي اللغة العربية -مدرسة السعدية الثانوية
إدارة شربين التعليمية