أراء وقراءات

القدوة في زمن السوشيال ميديا: بين الوهم والحقيقة

بقلم / الدكتورة هناء خليفة

لم يعد الحديث عن “القدوة” كما كان في الماضي؛ حيث ارتبطت الكلمة بالأنبياء والعلماء والمصلحين وقادة الفكر والمجتمع. اليوم، ومع زحف السوشيال ميديا إلى تفاصيل حياتنا، تغيّر المشهد كليًا: فقد تحوّل المؤثرون الرقميون إلى “قدوات” يتابعهم الملايين، بعضهم يقدّم محتوى فارغًا، وآخرون يصدرون قيماً استهلاكية بعيدة عن عمق المعنى الحقيقي للقدوة.

القدوة الزائفة: حين يقود الوهم الواقع

في عالم تحكمه الخوارزميات، يكفي أن تملك كاميرا جيدة، أسلوبًا صاخبًا، وجرأة على كسر التقاليد لتصبح “قدوة” في أعين كثيرين. لكن المأساة أن هذا النوع من القدوات يُرسّخ قيم الشهرة السريعة، الكسب السهل، والمظاهر الزائفة، ما يترك أثرًا عميقًا في عقول المراهقين والشباب الذين يبحثون عن بوصلة توجههم.

أزمة الهوية لدى الشباب

عندما تغيب القدوة الحقيقية، يعيش الشباب في صراع بين التقليد الأعمى والبحث عن ذاتهم. فتجد البعض يلهث وراء “الترند”، وآخرون يستمدون ثقتهم من عدد الإعجابات والمتابعين، لتصبح القيمة مرتبطة بالواجهة لا بالجوهر. هذه الأزمة لا تهدد الأفراد فقط، بل تهدد المجتمع بأسره، لأنها تفرغ المعاني من مضمونها.

الحاجة إلى قدوة حقيقية في العصر الرقمي

القدوة ليست بالضرورة شخصية مثالية لا تخطئ، لكنها إنسان يحمل رسالة، ويلهم غيره بالعمل والإبداع والأخلاق. في زمن السوشيال ميديا، يمكننا أن نعيد تقديم القدوة الحقيقية من خلال استثمار المنصات الرقمية ذاتها: تسليط الضوء على العلماء، المبدعين، رواد العمل التطوعي، وأصحاب قصص النجاح الحقيقية.

كيف نعيد الاعتبار للقدوة؟

▪️وعي فردي: أن نختار بوعي من نتابع، وأن ندرك أن ليس كل مشهور يستحق أن يكون نموذجًا.

▪️دور الإعلام والمؤسسات: إبراز النماذج الملهمة وتقديمها بلغة تناسب العصر.

▪️مسؤولية المؤثرين الحقيقيين: أن يدركوا ثقل تأثيرهم، فيستخدموه لبناء لا لهدم.

وختاماً .. القدوة ليست مجرد شعار جميل أو قيمة جانبية، بل هي ركيزة أساسية لبناء الإنسان والمجتمع. فإذا أردنا جيلًا يحمل قيمًا حقيقية، فعلينا أن نعيد تعريف القدوة في زمن السوشيال ميديا، وأن نمنح الشباب نماذج ملهمة تقودهم نحو الإبداع والنجاح، لا نحو الوهم والفراغ.

دكتورة هناء خليفة 

دكتوراة في الإعلام من كليه الاداب جامعه المنصورة
مهتمة بقضايا الفكر والوعي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى