القصور في التسبيب كأحد الأسباب الداعية لبطلان الأحكام

بقلم / سامي الجمل*
القصور في التسبيب من أهم الأسباب الداعية لبطلان الحكم ، ومن ثم يعد سبباً وجيهاً يجب البحث في ثنايا الحكم عبثاً عن وُجُودُه للتَّمكُن من إستئناف الأحكام الصادرة في حُدود النصاب الإنتهائي لمحكمة أول درجة .
ولذا يجب عدم الخلط عند الطعن على أحد الأحكام الصادرة في حدود النصاب الإنتهائي لمحكمة أول درجة بالإستناد في صحيفة الطعن الى العيب لمخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه بفرض وجوده .. لأن ما يصيب الحكم من عوار في أسبابه القانونية وهي التي تبرر إرساء القواعد القانونية التي إختارها القاضي بصدد الواقع في الدعوي .. لا تؤدي الى بطلان الحكم ولكنها تجعله مشوباً بالخطأ في تطبيق القانون .
حيث أن معظم قوانين المرافعات في دولنا العربية تُقصر الطعن بطريق النقض أو التمييز في الأحكام الصادرة من محكمة الاستئناف لمخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو تأويله أو لوقوع بطلان في الحكم أو بطلان في الاجراءات أثر في الحكم وكذلك يجيز المشرع على سبيل الاستثناء الطعن بطريق بطريق النقض أو التمييز في الأحكام المنتهية أياً كانت المحكمة التي أصدرتها إذ صدرت على خلاف حكم سابق صدر بين الخصوم أنفسهم وحاز وقوة الأمر المقضي ، ولكنها لا تبيح الطعن بالإستئناف في الأحكام الصادرة من محاكم الدرجة الأولى في حدود نصابها الإنتهائى ، اللهم إلا إذا كان هناك بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثر في الحكم ، وهذا البطلان لا يتأتى بالحكم بمخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه .
ولعل من الأمثلة علي القصور في التسبيب تمسك شركة بسدادها مستحقات عامل كان يعمل لديها بموجب مخالصة صادرة منه ، وإطراح الحكم هذا الدفاع وعدم الحديث عنه إيراداً له أو رداً عليه .
ومن أمثلة الخطأ في تطبيق القانون التي قد يقع فيها الحكم والتي هي بطبيعة الحال ليست سبباً للطعن على الحكم الصادر في حدود النصاب الانتهائي لمحاكم أول درجة ، حالة أن يطالب المدعي بمبالغ تدخل قيمتها في حدود النصاب الإنتهائي لمحاكم الدرجة الأولي وعند صدور الحكم برفض الدعوي يتقدم المدعي بإستئنافه ناعياً على الحكم الإبتدائي قضائه برفض الدعوى على سند من أن حقيقة مطالبته بالتعويض كانت أساسها قانون العمل وليست المسئولية عن العمل المشروع كما إنتهي الي ذلك الحكم وترتب على ذلك رفض دعواه ، وهذا هو التعييب للحكم بالخطأ في تطبيق القانون الذي لا يصلح أساساً لبطلانه والطعن عليه بطريق الإستئناف طالما صدر في حدود النصاب الإنتهائي للمحكمة .
ومن التطبيقات العملية لذلك :
فقد سبق أن قلت في أحد صحف الطعون التي قمت بكتابتها أن :
إن الحكم المطعون فيه أَطْرَحَ حُجية إقرار المخالصة وإبراء الذمة المؤرخ فى ../../……… والذى يَقْطَعْ بإستلام المُوَّرِثَة كافة مستحقاتها من الإرث الخاص بها من تركة المرحوم / …………. ، وعلى الرغم من أن هذا التخالص كان مُؤيّداً بإستلامها المبالغ التالية :
-1 مبلغ …….. فى تاريخ ………. بموجب أمر الدفع البنكى .
2- مبلغ …….. فى تاريخ ……… بموجب شيك من البنك …. ، وشيك أخر بقيمة …. بتاريخ ….. ، وأخر بقيمة …… بتاريخ ………… .
ومن ثم فإن هذا الإطْرَاحْ خَالَفَ القانون لأن المُوَّرِثَة ذَاتَهَا وافقت على أن تكون هذه المبالغ لِقَاء تَخالصها وتَخارجها وتَنازلها فإستلمت هذه المبالغ من أجل ذلك ، الأمر الذى لا يكون مَعَهُ للسيدة المذكورة حق الرجوع فى مخالصتها أو النكول عنها وهي لَمْ تَفْعَلْ !!! – بل فَعَلَ وَرَثَةِ أُختها المستأنف ضدهم !!! – ومِثْلُهم لا يُقْبَل مِنْهُم رجوع أو نُكول .
وفي نفس الصدد لَمْ تُشيرْ المحكمة لهذه المخالصة وهذا الدفاع الجوهرى إيراداً لها أو رداً عليه ، وعلى الرغم من أنه حَفِلَتْ بِهِمَا أوراق الدعوى فبتاريخ ../../…… قَدَّمَ المستأنف مذكرة بدفاعه حَوَتْ هذا الدفاع وبتاريخ ../../……. قدم حافظة مستندات بذلك أمام الخبرة ، وتقدم المستأنف مرة أخرى بتاريخ ../../…… بحافظة مستندات ومذكرة دفاع وَرَدَ بهما هذه المخالصة وهذا الدفاع الجَازِمْ ، الأمر الذى يكُون مَعَهُ الحكم المستأنف فضلاً عن مخالفته للقانون قاصر فى تسبيبه ، لأن تقديم أحد الخصوم فى الدعوى مُستنداً للتدليل على دِفاعه ، يتعين معه على المحكمة أن تتعرض له وتناقشه ، فإذا لم تتعرض المحكمة لهذا المستند ولم ترد على هذا الدفاع ، فإن حكمها يكون مَشُوباً بالقصور الذى يُبْطِله .
من جماع ما تقدم يكون قد لَحِقَ الحكم المستأنف القصور في التسبيب والفساد في الإستدلال فضلاً عن مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه بما يوجب إلغائه ، حيث إستلمت المُوَّرِثَة حَقَّهَا عَدّاً ونقداً بأسعار الأمس ثم جاء ورثة من ورثة لَهَاَ من عِنْدِيَاتِهِمْ يطالبوا بحقوق إرثية مُدَّعاه ليس لها وجود وبأسعار اليوم !!! .
وفى أحد مذكرات الإعتراضات التي كتبتها نعياً على تقرير خبير وأعادت بموجبها المحكمة الدعوى لإدارة الخبراء مرة أخرى كتبت نعياً عن القصور في التسبيب الذى أصاب التقرير مؤداه :
إن الخبرة قالت بأنه يتعذر عليها بيان قيمة تكاليف البناء التي تم القيام بها في العقار وفقاً للدفعات المقدمة من قبل المدعي والعقود المبرمة مع شركات المقاولات وذلك لإختلاف قيمة العقود عن قيمة العقود المبرمة لبناء العقار وسندات القبض لتلك العقود .
وهو قولاً أكثر عجباً من سابقه ، حيث كيف إختلفت قيمة العقود عن قيمة العقود المبرمة لبناء العقار وسندات القبض لتلك العقود ؟!!! عبارة حاولنا إيجاد تفسير لها فلم نجد ، فإذا أضفنا الى ما تقدم أننا فَصَّلْنَا بموجب مذكرة دفاعنا للخبرة المؤرخة في ../../…… تفاصيل مبالغ قُمْنَا بتسديدها لتفضلها بالحساب على ضوء ما ثبت من العقود والفواتير ، فضلاً عن ما سبق بموجب حافظة مستنداتنا المؤرخة في ../../…….. ، إلا أنها غضت الطرف عن كل ذلك تارة أخرى بقولها في صلب التقرير بنهاية ص .. في الرد على الإعتراض الأول على التقرير السابق أنه عند إطلاع الخبرة الحالية على الفواتير المقدمة وسندات القبض والعقود المبرمة فيما يخص بناء العقار موضوع الدعوى يتعذر عليها ايضاً إثبات ما إذا تم دفعها من حساب المدعى الخاص أو المدعى عليها أو من قيمة قرض …. المخصص لتوسعة وترميم العقار موضوع الدعوى وعليه تنتهى الخبرة الى ما إنتهت إليه الخبرة السابقة بتعذر تصفية الحساب !!! الأمر الذى لا يسعنا معه إلا أن نتمسك بكافة إعتراضاتنا السابقة على التقرير السابق بموجب مذكرة دفاعنا المقدمة لعدالة المحكمة بجلسة ../../…….. وإعتبارها بمثابة مذكرة إعتراضات على التقرير الحالي ، بسبب ما ناله من قصور في الأسباب وفساد في الإستدلال ، حيث أن المدعى قدم مستندات وتمسك بما لها من دلالة وإعتبرت الخبرة من عندياتها كما إعتبرت الخبرة السابقة أن هذه المستندات ليست صادرة لحسابه ومن حسابه وعلى الرغم من أن هذا القول لم يقل به الخصوم أنفسهم ! وبالرغم من أن المدعى هو الذى قدمها وتمسك بصحتها وصدروها لحسابه ، وهذا أيضاً يمثل إعتراضنا ، على رد الخبرة الى الإعتراض الأول بص .. من بند الرأي الحالي ، والذى إليه نضيف أن الخبرة السابقة قالت في النقطة رقم .. من بند رأيها بص .. أن المدعى قام بسداد تكاليف بناء العقار وتشطيباته جميعها من بدايته حتى نهايته حتى أصبح بالحالة الصالحة للسكن بقيمة …… من مبلغ قرض ….. ، كما قام المدعي بدفع مبلغ وقدره ….. لل …. قام بسداد تكاليف بناء العقار وتشطيباته – إلا أنها عادت فجأة بلا أي مقدمات – كما عادت الخبرة الحالية لتقول أن المدعي لم يُقدم للخبرة الحالية تاريخ سداد ذلك المبلغ وما إذا كان من حسابه الخاص أو من حساب المدعى عليها ، وهو القول الذى لم يقل به الخصوم أنفسهم !!! في مثال صارخ على الفساد في الإستدلال والقصور في المبطل في التسبيب ، الأمر الذى لا يسعنا معه إلا أن نتمسك بكافة إعتراضاتنا السابقة على التقرير السابق بموجب مذكرة دفاعنا المقدمة لعدالة المحكمة بجلسة ../../….. .
وعوداً على بدء لا يفوتنى أن أنوه الى تطبيقان عمليان للمقرر في قضاء محكمة التمييز الكويتية وهما خير معين حيث قررا أن :-
( إذ كـانت المـادة 138 مـن قــانون المرافعات المدنية والتجاريـة أجـازت إسـتثناء الأحكام الصادره في حـدود النصـاب الانتهـائي لمحاكم الدرجة الأولى في أحـوال منهـا وقـوع بطلان في الحكم أو بطلان في الإجـراءات أثـر في الحكـم ، ومـن المقـرر أن مـؤدى القـاعدة العامة فـي تسـبيب الأحكـام أن القصـور فـي أسباب الحكم الواقعية وهي الأسباب التـي تـبرر الواقع الذي اسـتخلصه القـاضـي يـترتب عليـه بطلانه ، ولما كان الواقـع فـي الدعـوى الـذي حصله الحكم المطعون فيه أن الشـركة الطاعنـة تمسكت في دفاعها أمام محكمة الدرجـة الأولـى بانها سددت للمطعـون ضـده كـافـة مسـتحقاته العمالية لديها بموجـب مخالصـة صـادرة منـه وكان الحكم المستأنف قد أطرح هذا الدفـاع ولـم يعن ببحثه وتمحيصه رغم أنـه دفـاع جوهـری يتغـير بـه – إن صـح – وجـه الـرأي فـي الدعوى فإنه يكون قـاصراً فـي بيـان الأسـباب التي أقيم عليهـا بمـا يبطلـه ويـجـيـز اسـتئنافه استثناء بالرغم من صدوره في حـدود النصـاب الانتهائي لمحـاكم الدرجـة الأولـى ، وإذ انتهـى الحكم المطعون فيه إلى غير ذلك وقضـى بـعـدم جواز الاستئناف فإنه يكون معيبـا بمـا يوجـب تمييزه دون حاجة لبحث باقي أوجـه الطعـن ) .
( الطعن 33/2001 – عمالي – جلسة 22/10/2001 )
( القواعد المتعلقـة بعـدم جـواز الطعـن بالاستئناف في الأحكـام الـصـادرة فـي حـدود النصاب الانتهائي لمحاكم الدرجـة الأولـى هـي قواعد متعلقة بالنظام العـام ، واذا كـان المشـرع قد أجاز استثناء – بنـص الفقـرة الأخـيـرة مـن المادة 138 مـن قـانون المرافعـات – اسـتئناف تلك الأحكام في حالة وقوع بطـلان فـي الحـكـم أو بطلان في الإجراءات أثر فيـه فذلـك مفـاده – وعلی ما جری به قضاء هـذه المحكمـة – أنـه لا يجوز الطعن بالاستئناف فـي هـذه الأحكـام لعيب مخالفـة القـانون أو الخطـا فـي تطبيقـه باعتبار أن ما يعتور الحكم في أسـبابه القانونيـة – وهي الأسباب التـي تـبرر إرسـاء القواعـد القانونية التي اختارهـا القـاضي بصـدد الواقـع في الدعـوى – لا يـؤدي إلـى بطلانـه ولكنـه يجعله مشوباً بالخطأ فـي تطبيـق القـانون . لمـا كان ذلك ، وكان مقتضى نـص المـادة 34 مـن القانون المذكور أن حكم المحكمـة الكليـة يـكـون انتهائيـاً إذا كـانت قيمـة الدعـوى لا تتجـاوز خمسة آلاف دينـار . وكـان البيـن مـن الأوراق أن طلب المطعون ضده وهـو تعـويـض بمبلـغ 2666 ديناراً يدخل الدعوى بحسب قيمتهـا فـي حـدود النصـاب الانتهـائي لمحكمـة الدرجـة الأولى ويجعل حكمها غـيـر جـائزاً اسـتئنافه . إذ كان ما تقدم ، وكان مـا سـاقه المطعـون ضـده سبباً لاستئنافه من خطـا الحـكـم الابتدائـي فـي قضائه برفـض الدعـوى علـى سـنـد مـن أن مطالبتـه بـالتعويض أساسـها المسـئولية عـن العمل غــير المشـروع طبقـا للمـادتين 227 ، 233 من القانون المدني ، في حيـن أنـه اسـتند في طلبه إلى نص المادة 65 مـن قـانون العمـل في القطاع الاهلي هو تعييب للحكم بالخطـأ فـي تطبيق القانون لا يؤدي إلـى بطلانـه ولا يجـوز بالتـالي اسـتئنافه اسـتثناء وفـق حـكـم الفقـرة الأخيرة من المادة 138 من قـانون المرافعـات ، وإذ قضى الحكم المطعون فيـه – علـى خـلاف ذلك – بقبول الإستئاف شكلاً فإنـه يكـون معيبـاً بما يوجـب تميــزه لـهـذا السـبب دون حاجـة لبحث باقي أسباب الطعـن ) .
( الطعن رقم 45/1996- عمالي – جلسة 20/1/1997 )