الكاتب الصحفي عادل سيف يكتب عن المتحف “المنقرض” من ميدان التحرير
زاملت اخي وصديقي الكاتب الصحفي عادل سيف في العمل لسنوات طويلة خارج مصر واشتهر بينا بهدوئه ومهنيته الصحفية التي أهلته للعمل في معظم الأقسام الصحفية.
ولكن بعد عودته للاستقرار في مصر ، فاجأنا بالاهتمام بالأماكن والشوارع والمباني التاريخية في القاهرة ، وبالغوص في اعماق التاريخ لاستخراج معلومات يجهلها الكثيرون . ودون ذلك في كتابه القيم “اماكن وذكريات من القاهرة الخديوية” .
أعادت مناسبة اليوم العالمي للمتاحف التي توافق اليوم السبت 17 مايو الى ذهني ذكري متحف “منقرض” كان في ميدان التحرير، واختياري لتعبير “منقرض” لتلائمه مع محتويات المتحف من هياكل عظمية ومستحثات حيوانية منقرضة إضافة لأحجار لا ينتمي بعضها إلى كوكب الأرض تعرض تحت سقف “المتحف الجيولوجي المصري”، والذي ازيل من الميدان ونقل إلى مكان اخر جعله بالكاد معروفا لدى بعض سكان القاهرة، كما فقد مبناه المهيب الذي كان في الميدان ويحمل بصمات معمارية كانت بمثابة تحفة تتقارب مع محتوياته وفكرة إنشاءه.
“المتحف المنقرض” كان في شارع الشيخ ريحان “السلطان حسين كامل سابقا” وملاصق لمبنى المجمع العلمي العريق ومواجه لمدخل “قاعة إيوارت” بمبنى الجامعة الأمريكية القديم بميدان التحرير.
للأسف لم أعثر على صورة له حتى في كتالوجات زيارته القديمة التي صدرت عن محتوياته وغفل عنها تصوير مدخله أو أقسامه واكتفت بعرض مجرد لا تظهر شيئا مما يحيط به، لذا لجأت لذاكرتي عنه، وكما ذكرت أن المبنى كان مهيبا في تصميم إذ اختار مصممه المعماري الفرنسي مارسيل درونيو وهو مصمم متحف الاثار المصرية بميدان التحرير اللون الوردي الداكن القريب من اللون البني ليكون الغالب على واجهته وقاعاته وبملمس خشن يشعرك مع اللون بدخولك في زمن سحيق، كما استعان بعامودين من على جانبي المدخل قطرهما عند المنتصف أعرض من طرفيهما من اسفل أو أعلى، لم يكونا مرتفعين بل استكمل الارتفاع بنفس جسم قوس المدخل الذي يرفعانه، وكرر نفس نوعية الاقواس في صالة المدخل وفي رفع قاعتي الدور الثاني، وأقرب تصور لصالة المدخل هو “متحف التاريخ الطبيعي” في لندن مع اختلاف شكل الاعمدة وقلة عددها لصغر حجم المتحف في القاهرة، ويتشابهان في موقع سلم الصعود للدور الثاني في الصالة وإلى يمين الداخل.
اشتملت المعروضات على هياكل عظمية لديناصورات ومستحثات حيوانية ونباتية وجدت على ارض مصر وبصفة خاصة الديناصور المصري الذي وجد في الفيوم واسمه العلمي “أرسينو تيير يوم زيتلي”وهو أشبه بالخرتيت، إضافة لأحجار متنوعة ونيازك، ومن أشهر الاحجار قطعة صغيرة من القمر موضوعة في بلورة أهديت لمصر من الولايات لمتحدة بعد نجاح رحلة “ابولو 11” من الهبوط على القمر والحصول على بعض أحجاره.
بدأ إنشاء المتحف الذي يعد الفريد الأول من نوعه في الشرق الأوسط عام 1901 ضمن أقسام مصلحة المساحة الجيولوجية المصرية وعلى جزء من حديقة وزارة الأشغال العمومية “مجمع الوزارات فيما بعد” وافتتح للجمهور في الأول من ديسمبر عام 1904م.
وظل يعمل حتى عام 1982 إذ اضطر لهدمه لآنه كان في مسار خط مترو الانفاق الأول، والذي كان يتم حفر نفقه بالحفر السطحي وليس كما يتم الان من حفر للإنفاق من تحت الأرض هدم المبنى الأصلي لإنشاء مترو أنفاق القاهرة، ونقلت مقتنيات المتحف إلى موقعه الحالي بمنطقة أثر النبي على كورنيش النيل بالقرب من محطة الزهراء لمترو الانفاق الخط الأول، وضمت ارض المتحف القديم كساحة للمجمع علمي.