أراء وقراءات

الكلمة… سمٌّ قاتل أو بلسمٌ شافٍ

بقلم / محمد أحمد نجم

في زحام الحياة وتدافع الكلمات، قد تبدو كلمة عابرة لا تلقي لها بالًا، سهمًا مسمومًا يصيب القلب في مقتل، وقد تكون نفس الكلمة، حين تختار بعناية، ترياقًا يشفي جراحًا غائرة وآلامًا دفينة.

إن الكلمة سلاح ذو حدين، بها قد ترتفع إلى عنان السماء، أو تهوي إلى قاع الألم واليأس. لهذا كان التوجيه النبوي الخالد: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت”.
فالكلمة الطيبة صدقة، تنعش القلوب وتبث فيها الحياة، أما الكلمة الخبيثة فهي ذنبٌ قد لا يُمحى، وجرحٌ قد لا يندمل.

الكلمة… تبني أو تهدم

الكلمة قادرة على تحويل العدو إلى صديق، والحبيب إلى غريب. وقد أثبت العلم الحديث أن الكلمات الجارحة تُحدث ضررًا حقيقيًا في الدماغ، وتؤثر على خلايا التفكير، فتُضعف إنتاجية الإنسان، وتحوله إلى شخص محطم، فاقد للشغف.

كم من إنسان تسببت كلمة في تحطيمه، أو دفعت به إلى حافة الانهيار!
الكلمات الحادة ليست مجرد صوت، بل خناجر لغوية تخترق النفس، وتترك ندوبًا لا يراها أحد، لكنها تنزف صمتًا.

الاعتذار لا يُزيل الأثر

قد يعتذر من أطلق كلمته الطائشة، وقد يغفر له من أُهين، لكن الأثر يبقى، كما تبقى الهالات السوداء بعد شفاء الجروح السطحية.
فكل إنسان يحمل بداخله مشاعر وأحاسيس، والكلمة –مهما كانت قصيرة– لها القدرة على تحريك جبالٍ من الألم أو الطمأنينة.

الكلمة مرآة العقل والقلب

قالوا قديمًا: “المرء مخبوء تحت لسانه، فإذا تكلم ظهر.”
ما أن ينطق الإنسان حتى يتجلى معدنه، ويظهر جوهره، مهما حاول التجمّل بالمظهر. فاللسان يكشف ما تخفيه المظاهر.

ديننا… والكلام الأحسن

ديننا الإسلامي لم يكتفِ بالحض على حسن القول، بل حثّ على أحسنه:

“وقولوا للناس حسنًا”
لأن الكلمة الأحسن أعمق تأثيرًا، وأبقى أثرًا في القلوب.

مسؤولية الكلمة

سواء كنت داعية، أو معلمًا، أو مربّيًا، أو إعلاميًا، فأنت معنيّ باختيار كلماتك، لأنها قد تكون سببًا في بناء إنسان، أو هدمه. فالكلمة الطيبة، نور يهدي الحائر، ويضيء الطريق للتائه، أما الكلمة القاسية، فهي قبرٌ يُدفن فيه الأمل، وتُغتال به الطموحات.

ختامًا: تفكّر قبل أن تنطق

في النهاية، أقول لي ولكم:
انتبهوا لما تنطقون.
لا تكسِروا قلبًا، ولا تجرحوا خاطرًا، بكلمات قد لا تعون معناها أو وقعها. فالكلمة قد تبني حياة، وقد تهدم عمرًا.
دققوا وفحصوا كلماتكم قبل أن تُقال، حتى لا تكونوا سببًا في ألمٍ لا يلتئم… وربما لا يُنسى.

محمد أحمد نجم

كاتب من طين مصر 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى