المجتمع

“المارتشندا” تقليد غريب فى النيجر.. الزوجة الأولى تُنظم حفل ترحيبي لضرتها الجديدة

"المارتشندا".. طقس اجتماعي يعزز وئام الضرات

كتبت: د. هيام الإبس

في مشهد قد يبدو غريبًا أو غير مألوف لدى المجتمعات العربية، تحتفظ دولة النيجر بعادة اجتماعية متوارثة، تُعرف باسم “المارتشندا”، تقوم خلالها الزوجة الأولى بتنظيم حفل ترحيبي لضرتها الجديدة عند زواج زوجها من امرأة أخرى.
ورغم ما يبدو من تناقض بين مشاعر الغيرة والواقع المفروض، إلا أن هذا الطقس الاجتماعي يُعد تعبيرًا عن النضج، والاحترام للتقاليد، ومحاولة لتأسيس حياة أسرية قائمة على التفاهم والتسامح.

“المارتشندا”.. طقس اجتماعي يعزز وئام الضرات

تشكل مراسم “المارتشندا” في النيجر جزءًا من الأعراف القديمة التي تهدف إلى تخفيف التوتر المحتمل بين الزوجات، وتحقيق التآلف بين العائلتين.
وتقوم الزوجة الأولى، بمشاركة أهلها وصديقاتها، بتنظيم حفل نسائي خاص، تستضيف فيه الزوجة الثانية، وتظهر من خلاله الرضا بقبولها كضرة، بل وكمشاركة في بناء الأسرة.

ويُنظر إلى هذه المبادرة على أنها دين معنوي على الضرة الجديدة، يجعلها تبدأ علاقتها مع الزوجة الأولى بالإحسان والمعاملة الطيبة، مما يرسّخ مبدأ الأخوة النسائية.

يوم نسائي مليء بالأمثال والنصائح والمبارزات اللفظية

يمتد الاحتفال ليوم كامل، يشمل جلسات نسائية تحتفي بتجارب الحياة الزوجية وتناقش سبل التعاون بين الزوجات لتربية الأبناء.
وتتخلل الاحتفال مبارزات لفظية بين سيدات العائلتين، تعتمد على الأمثال والحكايات والعبر، ما يضفي جوًا من التنافس والمرح والنصح العميق في آنٍ واحد.

ورغم أن الزوجة الأولى تكون المستضيفة، إلا أن التقاليد تقتضي منها عدم التحدث كثيرًا حفاظًا على مشاعر الزوجة الثانية، بل تكتفي بالجلوس وسط صديقاتها، فيما يتولى الحضور من كبار السن مهمة النقاش وتبادل الخبرات.

التكريم الاجتماعي للزوجة الأولى.. وواجب رد الجميل

حين تحدث خلافات لاحقًا، تلعب هذه المراسم دورًا نفسيًا ومعنويًا قويًا؛ إذ تُذكِّر عائلة الزوج الجميع بأن الزوجة الأولى تحلّت بالكرم وضبط النفس واحترمت التقاليد، ما يُلزم الزوج أخلاقيًا برد الجميل، وليس التنكر لها أو تهميشها.

الحداثة تغيّر النظرة.. ولكن التراث لا يزال حيًا

لكن، ومع تغيرات العصر، بدأت هذه التقاليد تواجه تحولاً في النظرة والممارسة، خاصة في المناطق الحضرية.
فكثير من النساء العاملات أو المتأثرات بالثقافة الحديثة لم يعدن يعتبرن “المارتشندا” مناسبة ضرورية، أو حتى مقبولة، خصوصًا في ظل رفض البعض لفكرة تعدد الزوجات من الأساس.

وفي بعض الحالات، تحوّلت مراسم “المارتشندا” إلى ساحة لفرض المواقف أو تصفية الحسابات، بدلًا من أن تكون أجواءها محكومة بالدفء والنوايا الطيبة.

بين القبول والرفض.. يبقى “المارتشندا” شاهدًا على الغنى الثقافي

وعلى الرغم من التحديات والتغييرات الاجتماعية، لا يزال “المارتشندا” رمزًا للتراث الغني في النيجر، وشاهدًا على قدرة المجتمعات التقليدية على تحويل المواقف المعقدة إلى فرص للتماسك والاحترام.

فبين من يرى في هذه العادة وسيلة لحماية التوازن الأسري، ومن يعتبرها تقاليد بالية لا تتماشى مع روح العصر، يبقى “المارتشندا” ظاهرة فريدة تستحق التأمل والنقاش.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى