المجتمع الدولى يُهيّئ نفسه للتعامل مع إدارتين منفصلتين فى السودان
كتبت : د.هيام الإبس
بعد مباحثات جنيف، التى عُقدت فى سويسرا مؤخراً، ما زالت الأوضاع متأزمة فى السودان، وتزداد الأمور كارثية وصعوبة بعد انتشار مرض الكوليرا وحدوث فيضانات وسيول، فاقمت أزمة السودانيين المتضررين من الحرب.
ويقول ستيفن كورنيش، المدير التنفيذى لمركز عمليات “أطباء بلا حدود” فى سويسرا، إن الحوار السياسى السودانى ضرورى، لكن الأمر سيتطلّب أكثر بكثير من إسكات البنادق، لاستعادة الكرامة والعافية والرعاية الصحية لملايين الأشخاص، ويتطلّب الطريق إلى السلام التزاما جماعيا على المدى الطويل من كلا الطرفين المتحاربين، ويجب احترام المرافق الصحية والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى جميع المحتاجين.
تفاوض مع طرف واحد
فى السياق، يرى الصحفى خالد محمد طه، المتخصص فى شؤون القرن الإفريقى أن مباحثات جنيف رافقها الكثير من التصريحات والقليل من التأثير الإيجابى، وعلى الرغم من غياب وفد الجيش (حكومة السودان) واضطرار الوسطاء إلى إجراء تفاوض مع طرف واحد، وفد “الدعم السريع”، فإن لقاءات “جنيف” لوقف الحرب فى السودان، وتمهيد سبل وصول الغوث الإنسانى للمتضررين، سجّلت سابقة جديدة بتجربة أسلوب “انعقاد جلسات التباحث بمن حضر”، وهى طريقة لا تتناسب مع حالات السعى للتوصل إلى وقف العدائيات أو إنهاء الحرب، وذلك يشير إلى أن تفاصيل الاتفاق سيتم تنفيذها، بغض النظر عمّن غاب ومن حضر.
توصيل المساعدات
ويقول محمد طه، إن النجاح فى الاتفاق على فتح معابر للعمليات الإنسانية فى “الدبة وأدرى” وإيصال المساعدات إلى مناطق الحرب، وهو -ظاهريا- يمثل خطوة نحو تجميد العمليات العسكرية، وتعليق الأنشطة القتالية بين الأطراف المتنازعة، كجزء من اتفاق تفاوضى مؤقت، يهدف إلى تقليل التصعيد، وتوفير بيئة مناسبة للمفاوضات، والسماح بتوصيل المساعدات الإنسانية، على أن تشرف الأمم المتحدة على عمليات توصيل الإغاثات، وتضمن فتح مكاتب المتابعة، وإعادة تشغيل بعض المطارات والمعابر البحرية والبرية، وهذا قد يقود إلى تقييد استخدامات أسلحة الطيران، بكل أنواعها، والمضادات الأرضية أيضاً وإن حدث ذلك، فهو نجاح كبير، بوصفه جزءاً من ترتيبات وقف إطلاق النار بطريقة غير مباشرة.
حظر الطيران
ويذكر الصحفى المتخصص فى شؤون القرن الإفريقى أنه حتى وقت قريب كانت مسألة حظر الطيران وتقييد الضربات الجوية أحد مطالب “الدعم السريع”، وهو هدف يمكنها تحقيقه عبر طرح مقترح إعادة فتح وتشغيل وإدارة مطارات “نيالا، الضعين، زالنجى والجنينة” بواسطة الأمم المتحدة، وتحت إجراءات تأمين نقل المساعدات الإنسانية.
وضع كارثى
ويحذّر محمد طه من أن الوضع الإنسانى فى السودان كارثى، ولا يحتمل استمرار كل ذلك “الضجيج” حول مباحثات جنيف التى لن تقدم أى تطور يُغيّر هذا الوضع المأساوى، منوهاً بأن مع الحرب جاءت كارثة السيول والأمطار والفيضانات، ليتأزم الوضع أكثر فى مناطق واسعة، بعضها لم تصلها الحرب بعد، إذ تعرّض آلاف المواطنين لفقدان منازلهم بسبب انهيارها فى موجة السيول، وزادت معدّلات تفشى الأمراض الوبائية، وأصبح السودان فى وضع خطير، يستوجب التدخل العاجل والمباشر.
إدارتان منفصلتان
ويتابع الخبير السياسى: “بين كل هذه المعطيات الحرجة، من الواضح أن المجتمع الدولى يهيئ نفسه للتعامل مع إدارتين منفصلتين فى السودان، وربما أكثر من ذلك، وفق معطيات التشظى المتوقّع، فمع الإخفاق فى تحقيق الهدف الأساسى، وهو وقف إطلاق النار، تظل نتائج “مباحثات جنيف” ضعيفة، رغم نجاحها الجزئى فى الشق المتعلق بتوصيل المساعدات الإنسانية، والحصول على تعهدات بحماية المدنيين، وذلك الضعف ناتج عن غياب آلية واضحة للتنفيذ والرقابة، وبذلك تُصبح كل العملية عُرضةً لعدم الالتزام بالتنفيذ المحكم”.
أزمة الوسطاء
ويشير خالد محمد طه، إلى أن “المشكلة الثانية التى تواجه مجموعة وسطاء مباحثات جنيف، هى عدم تناغم المواقف بين الوسطاء أنفسهم، فى كثير من الموضوعات التى تخص السودان، بالإضافة إلى صراع السيطرة على الموارد، وعدم الحياد لدى بعض الوسطاء فى مجموعة ALPS، فضلا عما تريده أطراف الحرب فى السودان من المشاركة فى هذه المباحثات، واستخدام الدبلوماسية الخشنة أحيانا”.