الفن والثقافة

المجذوب

قصة قصيرة بقلم  المهندس / أيمن سلامة

دق جرس المدرسة الإعدادية الوحيدة بالبلدة ،مُعلناً إنتهاء اليوم الدراسي ،وتسابقت سيقانُ الصغار مغادرةً المدرسة ،وهى تنطلق عائدةً إلى شوارع وحوارى المدينة الصغيرة ،وغادر أيضا المعلمون على مهل ،كلٌ يقصدُ طريقه إلى مسكنه ،فيما عدا الأستاذ محمود ،معلم اللغة العربية فقد شعر ببعض الإعياء وألم شديد في صدره ،فتحامل على زميلٍ له ،ساعده في الذهاب الى المستشفى العام ،وهناك عرض حالته على أحد الاطباء في الإستقبال الذى طمأنه على حاله واصفاً له بعض الأدوية ،وعاد صاحبنا إلى مسكنه وبعد أن تناول العلاج ،أمضى ليلته وحيدا متعبا متألما من المرض العارض الذى ألـمَّ به ،وعبثاً حاول أن يجد للنوم طريقا،وبعد ليلة مؤرقة ،ذهب إلى المدرسة متعباً ،وقضى يومه بصعوبة ،وقد نصحه زملائه بطلب إجازة مرضية ،والعودة إلى مسكنه والراحة والانتظار لعدة ليال أخرى ،ربما تبدأ حالته في التحسن.

مضت الليالى مؤرقة كسابقتها ،وازداد معها تعبه ،وغادره النوم بدون عودة ،وشحب لون وجهه ،و وهنت قدرته على تحمل المزيد ،فاصطحبه أحد أصدقائه الى طبيب ذائع الصيت بهذا التخصص ،وبعد ساعات الإنتظار البطيئة المؤلمة ،فحصه الطبيب المشهور ،وصارحه أن الأمر خطير ،وعليه أن ينتظم في العلاج لمدة شهر ،وإن لم تتحسن حالته ،سيكون من اللازم إجراء تدخل جراحي خطير ،ومادت الأرض من تحت أقدام صاحبنا ،فلم ينطق بشيء وانصرف محطما مستندا الى ذراع صاحبه ،الذى حاول أن يخفف عنه الألـم بالكلمات المعتادة في مثل هذه المواقف .

عاد صاحبنا الى مسكنه ،وبعد فترة صمت أفاق بعدها من وقع الصدمة ،وقال لنفسه ،لله الأمر ،من قبل ومن بعد ..فماذا أصنع الآن ؟ ظل السؤال يتردد داخله في حيرة ،وبعد أن تناول الدواء ،حاول أن يبحث عن الراحة فلم يجدها ،وظلت تجوب الأفكار برأسه ،فهو يعيش بمفرده ويتجهز لإستقبال قدوم الفرحة مع العروس التي انتظرها طويلاً ،فماذا سيصنع الآن ؟؟،هل يُـخفى الأمر عن صهره ،ويمضى فى إجراءات العُرس ،فلم يبقى على العُرس سوى شهرٍ تقريباً ،ولم لا يفعل ذلك ،ربما تتحسن حالته كما قال الطبيب ،أم يصارح صهره ،بما صار ويطلب التأجيل ؟؟.

ظل صاحبناً قلقا من ردة فعل صهره ،تُرى هل سيرضى صهره بالتأجيل ؟    أم سيرفض إستكمال العرس ،خاصة وأن العملية الجراحية خطيرة كما قال الطبيب ،فكيف سيرضى صهره لإبنته الإرتباط بعريس يبدأ حياته معها بتلك العملية الجراحية الخطيرة ؟؟.

قام صاحبنا بأداء صلاة الاستخارة للخروج من حيرته ،وإنتهى إلى ضرورة مصارحة صهره مهما كان رأيه ،وعزم على لقاء صهره بعد صلاة العشاء ،في المسجد الذى إعتاد صهره الصلاة فيه ،و بالفعل ذهب إلى المسجد مبكرا بعد صلاة المغرب مباشرة ،وجلس ينتظر صلاة العشاء ،كما ينتظر حضور صهره .

كان المسجد شبه خاليا ،فجلس في أحد زوايا المسجد مستندا برأسه الى الحائط ،وقد أتعبه المرض والأرق ،فغابت عيناه للحظات فى نوم عميق ،أفاق من غفوته مضطربا ،بعد أن هَزت كَـتِفَه يدُ شيخٍ بهيئة المجاذيب المعتادة ،وتطلع صاحبنا اليه مستغرباً من هيئة المجذوب ،و تعجب..وهو يسأل نفسه .. لماذا أقبل المجذوب يوقظه هو فقط؟ بينما يوجد بجواره من هو نائم يفترش سجاد المسجد بالفعل؟ وقطع تفكيره الصامت ،صوتُ المجذوبِ… وهو يقول له يا أستاذ.. لسه بدرى على صلاة العشاء ،وصهرك… مش ها ييجى دلوقت ،..والدكتور بتاعك غلطان ،قوم.. روح لدكتور…تانى غيره .

المهندس أيمن سلامة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.