كتبت : د.هيام الإبس
مع مرور الأيام تستمر مأساة السودان فى التكشف، حيث يواجه شعبه تحديات لا حصر لها فى ظل صراع مرير يمزق نسيج المجتمع. ففى ولاية شمال دارفور، تتجلى صورة الحرب الأهلية بكل قسوتها، حيث شهد السكان المحليون مؤخراً انسحاباً مفاجئاً لقوات الدعم السريع من مدينة الفاشر فى اتجاهات متعددة، بعد حصار دام لأشهر.
ومنذ أبريل الماضى، فرضت قوات الدعم السريع حصاراً خانقاً على الفاشر، فى محاولة يائسة لإسقاط آخر معاقل الجيش فى إقليم دارفور.
كانت هذه المدينة الصامدة هى الحصن الأخير بعد أن سقطت مدن نيالا وزالنجى والجنينة والضعين فى أيدى قوات الدعم السريع.
ومع ذلك، فى يوم الأحد، شهدت المدينة تحولاً دراماتيكياً فى موازين القوى، حيث أحرز الجيش السودانى والقوات المتحالفة معه تقدماً ملحوظاً فى عدة اتجاهات، خاصة فى المنطقة الجنوبية الشرقية.
تتوزع السيطرة على أجزاء المدينة بين الفصائل المتحاربة
فبينما تحكم قوات الدعم السريع القسم الشرقى وبعض المناطق من الجزء الجنوبى الشرقى والشمالى، يسيطر الجيش السودانى وحلفاؤه على مساحات شاسعة من شمال وجنوب المدينة، بالإضافة إلى الجزء الغربى الاستراتيجى الذى يضم خزان قولو، المصدر الحيوى الوحيد للمياه فى المدينة.
لكن المأساة لا تقتصر على الفاشر وحدها
ففى ولاية شمال كردفان المجاورة، تعرضت قرية الدموكية، الواقعة شرق مدينة الأبيض، لهجوم عنيف من قبل قوات الدعم السريع. هذا الهجوم الوحشى، الذى استهدف نهب ممتلكات السكان المحليين، خلف وراءه ما يقارب 20 قتيلاً من المدنيين وعدداً من الجرحى الذين تم نقلهم على عجل إلى مستشفى الطوارئ فى مدينة الأبيض.
وفى خضم هذا الصراع الدامى، تتحرك القوى الدولية لمحاولة كبح جماح العنف، فقد فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات جديدة على القونى حمدان دقلو موسى، شقيق قائد قوات الدعم السريع، متهمة إياه بالتورط فى توريد الأسلحة التى تؤجج نيران الحرب.
هذه العقوبات، التى تشمل تجميد الأصول وحظر التعاملات، تعكس الجهود الدولية الرامية إلى الحد من تدفق الأسلحة وتعزيز الاستقرار فى المنطقة المضطربة.
ومع استمرار الصراع، يجد المدنيون السودانيون أنفسهم عالقين فى دوامة من العنف والحرمان. فالحياة اليومية أصبحت تحدياً فى ظل انعدام الأمن وشح الموارد الأساسية. الأطفال محرومون من التعليم، والمرضى يكافحون للحصول على الرعاية الطبية، بينما تتزايد أعداد النازحين الفارين من مناطق القتال.
فى خضم هذه الأزمة الإنسانية المتفاقمة، تبقى آمال السلام والاستقرار ضئيلة.
فالمجتمع الدولى، رغم جهوده الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية، يبدو عاجزاً عن إيجاد حل جذرى للأزمة السودانية.
وفى الوقت نفسه، يستمر المدنيون فى دفع الثمن الأكبر لهذا الصراع الذى يبدو بلا نهاية.
ووسط هذا المشهد القاتم، يبقى الشعب السوداني صامداً، متشبثاً بأمل ضئيل فى مستقبل أفضل.
فرغم المعاناة والخسائر، لا يزال هناك من يحلم بسودان موحد، يسوده السلام والعدالة، لكن الطريق إلى تحقيق هذا الحلم ما زال طويلاً وشاقاً، فى ظل استمرار دوامة العنف التى تعصف بهذا البلد الإفريقى المنكوب.