أراء وقراءات

المرجفون في المدينة !! بقلم : علاء الصفطاوي

مواقع التواصل الاجتماعي

في بداية ظهور قناة الجزيرة أبدى الكثيرون إعجاباً شديداً ببرنامج ” الاتجاه المعاكس ” واعتبروه منبراً عظيماً لحرية الرأي، هذا ما كان مستقراً يومئذٍ في أذهان الناس .

وبما أنّني واحدٌ من النّاس فقد كان عندي هذا الإحساس، حتى جمعني الله برجل كبير ( في السّنِ والمقام ) صاحبُ المكانِ الذي أعملُ فيه، وجاء ذِكرُ قناةِ الجزيرة وبرنامج ” الاتجاهُ المعاكس ”  فتبارى الجالسون في مدحه ومدح ثقافةِ مقدِّمه، وفي خضمّ هذا الحديث إذا بهذا الرّجلِ الوقور يخرجُ علينا برأيٍ يختلفُ تماماً عمّا اتفقَ عليه معظم الجالسين حيثُ قال: إن هذا البرنامج فيه شرٌّ كبير !!

فقال أحد الحضور: نرجو توضيحاً لهذا الكلام .

قال: إنّ هذا البرنامج سيكون منبراً للعلمانيين والشيوعيين والملحدين وأصحاب الأراء الشّاذة، وسيظهر فيه مَن كانوا يخافون من الظهور في الإعلام للتعبير عن أرائهم وأفكارهم المريضة، والتي يتجرّؤون في بعضها على الدين .. وينالون فيها من القرآن الكريم !!

وقد كان … حيث رأينا أصحاب تلك الوجووه الكالحة والآراء الشاذة  وهم يخرجون علينا بين الحين والآخر ليعلنوا على الملأ عن معتقداتهم الفاسدة، بل ورأينا سلوكياتٍ يندى لها الجبين .. وينكرها كلُّ ذي عقلٍ ودين للمتبارين في هذه الحلبة !!

وقد سمعتْ آذانُنا أقذع الألفاظ وأسوأ العبارات التي لا تصدر عن الفصائل الحيوانية .. ولكننا سمعناها ممن ينتسبونَ إلى الفصيلة الإنسانية !!

وكان هذا البرنامج البوابة التي دخل منها كلّ من أراد النيلَ من الإسلام وأهله، ونسج على منواله آخرون، فتحوا الباب على مصراعية للحاقدين على الإسلام ليتطاولوا عليه كما يشاؤون، وهذا ما ظهر جليًّا في السنوات الأخيرة !!

يقول فقيه الأدباء الشيخ على الطنطاوي -رحمه الله: عندما ظهرتْ أول امرأة تلبسُ ملابسَ فاضحة تكشف من خلالها عن ساقيها في أتوبيس النقل العام، أنكر عليها الناس ذلك .. وقد عشتُ حتى رأيت ما جعلني أقول: إن ما فعلته هذه المرأةُ أرحم بكثير ممن نراه اليوم !!

وقياساً على قاله الشيخ فإني أقول: إذا كانت قناةُ الجزيرة قد فتحت باباً للشر والتطاول فإن ” الفيسبوك ” وصفحات التواصل الاجتماعي قد فتحت أبواب جهنم على الأمة، حيث وجد فيها أصحاب القلوب المريضة والعلل التي لا دواء لها الفرصة سانحة أمامهم ليبُثُّوا – من خلالها – سمومهم .. ويخرجوا – عبرها – أضغانهم !!

ومن عجبٍ أنّ البعض فهم حرِّية الرأي فهما خاطئاً، فظنَّ ان التطاول على الآخرين والحط من شأنهم  .. والنيل من قدرهم، يدخل في باب حرية الرأي، فانطلق كالفرس الجموح في ميدان سباق الشتائم والسُّباب بلا وازعٍ من دينٍ أو رادعٍ من ضمير !!

وإنّ من الآفات التي ظهرت عبر صفحات التواصل الإجتماعي أنّنا – كعرب – حتى الآن لم نستطع التفرقة بين  الرأي وصاحب الرأي، بل إننا بمجرد أن نسمع أو نقرأ رأياً محالفاً لا نفكر في الرد عليه من  منطلق مقارعة الحجة بالحجة، وإنما نوجه سهامنا المسمومة بنار الحقد نحو صاحب الرأي ونبحث في تاريخه عن السقطات والزلات لنفضحه بها، وهذا فعل لا يأتيه إلا كلُّ خسيس !!

لما جلس عتبةُ بن ربيعة – وكانَ سيداً في قريش – مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يكيلُ له الاتهامات  ترهيباً .. ويقدِّم له المغريات ترغيباً، فقد ذكر أنّ رسول الله قد سفّه أحلامهم ( أي عقولهم ) وعاب آلهتهم ( أي أصنامهم ) وفرّق جماعتهم، ثم ثنّى بتقديم الوعودَ لرسول الله ليشْتَرِيَه بها، ومع  هذا لم يُذكِّره رسول الله صلى الله عليه وسلم بماضيه .. أو يُنقِّب عن فضائحه ومخازيه، وإنما قابل الحجة بالحجة وتلا عليه من أول سورة ” فصلت ” ولم يتعرض لشخصه من قريب أو من بعيد !!

لكنّنا ونحنُ نتابع صفحاتِ التواصل الاجتماعي نجدُ غِرًّا تخطّى مرحلة الحُلُم بقليل يتطاول في سفاهة لا مثيل لها على شيخٍ جليلٍ وعالمٍ نبيلٍ، من منطلق: نحنُ رجالٌ وهم رجال !!

ونجدُ آخر يصفّي حساباتِه الشّخصية مع مَن يختلف معهم، وهم الذين كانوا بالأمس – من وجهة نظره – أخياراً .. ثم صاروا اليوم – ويا للعجب – أشراراً !!

ونسى هذا وأمثاله أو تناسوا أنّ الحرّ مَن راعى وداد لحظة .. وانتمى  لمن أفاده لفظة !!

ولماذا لا نقتدي في خلافنا بالإمام الشافعي الذي قال عنه يونس الصدفي: ما رأيتُ أعقلَ من الشافعي، ناظرته يوماً في مسألة ثم افترقنا، ثم لقيني فأخذ بيدي وقال: يا أبا موسى .. ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتفق في مسألة ؟!!ً

وهذا يدل على كمال عقل هذا الإمام وفقه نفسه، فما زال النظراء يختلفون .

إنّ التغيير المنشود لن يتأتى عبر الأحقاد، التي تترسب في النفوس نتيجة هذا التلاسن البغيض، واستخدام لغة الكراهية، بل يمكن الوصول إليه من خلال استخدام لغة الحب التي تجمعُ ولا تفرق .. وتؤلف ولا تمزق .

علاء الصفطاوي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.