المسلمون بين المولد والوحي: تأملات بقلم د. أمين رمضان
سألت طلابي سؤال مباشر: من هي أمة اقرأ على الأرض الآن؟
قالوا جميعاً: الغرب.
إذا لم تصدق ذلك فشاهدهم في المواصلات، ستجد معظمهم ممسكاً بشيء يقرأه.
قلت لهم: إذاً الغرب استجاب لأول كلمة نزل بها الوحي للإنسانية جميعاً ممثلة في الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، بينما نحن بحثنا عن حُكْمِها، وعرفنا أن القراءة واجبة لأن “اقرأ” فعل أمر، والأمر للوجوب، ثم تجمدنا الآن فخاصمنا القراءة والمعرفة، وصرنا أمة لا تقرأ، والحقيقة أننا خاصمنا الوحي وليس القراءة فقط.
تخيل أن ساعي البريد جاءك بخطاب مصيري بالنسبة لك، فأخذت منه الخطاب وقرأته ولم تنفذ ما جاء فيه، مع أنه يحدد مصيرك، ولكن انصرفت للاحتفاء الشديد بساعي البريد، وظللت تمدح فيه، وتكتب فيه الشعر، وتقدم له الولائم طول العمر، هذه ليست نكتة، بل هذا ما نفعله، ونعيش في تيه بين الرسالة والرسول.
عندما كنت صغيراً كنا ننتظر بشغف المولد النبوي، لأنه كان بالنسبة لنا ليس أكثر من وجبة دسمة من اللحوم والطيور وخلافة، ولم نكن في ذلك الوقت نعرف عن ديننا شيئاً، وفي ظني أن الملايين التي تحتفل بالمولد النبوي لا تعرف عن الإسلام إلا القليل، ومعظمه من الحروب الإعلامية على شاشات التلفاز التي تشكل أو تشوه وعيها.
تأملت التيه الذي نعيشه ونحن نحتفل بالرسول في الوقت الذي لم نستجب فيه لأوامر الرسالة، هل فقدنا البوصلة فعلاً، وأصبحت سفينة الحياة التي نعيش فيها لا تعرف اتجاهها الصحيح.
القرآن آخر كتاب من الله للبشر، ولذلك تكفل بحفظه، ليكون حاكماً ومرجعاً للبشر جميعاً، فكان هو الرسالة والمعجزة في آن واحد، وانتهت مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم بوفاته وباكتمال الدين {… الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا … المائدة (3)}.
كان حرِّىٌ بنا أن ندرك أن ميلاد الأمة، بل الإنسانية، كان في اللحظة التي التقي فيها الوحي بمحمد صلى الله عليه وسلم ليبلغه الرسالة الخاتمة كاملة، ويتعهد الله سبحانه وتعالى بحفظها، وتكون للعالمين وليس للعرب وحدهم. هذه اللحظة ما كان لها أن تغيب عن وعينا وحياتنا، فهي نقلة حقيقية من الضياع إلى الهدى، لكننا لم نحتفي بها، لأن فيها تكاليف وجهد ومجاهدة للنفس لتغير من داخلها، وذهبنا إلى الاحتفال بمولد الرسول في طقوس ما أنزل الله بها من سلطان، لأنها تلبي شهوات النفس.
معظم خطب الجمعة في هذه المناسبة، مع الأسف، حول جواز أو عدم جواز الاحتفال، بدلاً من الحديث عن الرسالة وواقعنا منها، وهو حديث لا يرتبط بزمن ولا باحتفال، فلماذا تصمت الألسنة عن ذلك؟.
الأمة التي لا تراجع نفسها لتعرف التزاماتها تجاه رسالتها وتؤدي هذه الالتزامات، غير الأمة التي تلتف حول الموائد لتأكل وتغني وترقص في تيه وتظن أنها أمة الوحي، ولو نظرت على الطرف الآخر من الأرض، لوجدت من استجاب لقيم الرسالة وسنن الله في الكون والحياة، فعملت له قوانين السماء لأنها لا تحابي أحداً، ولا تستجيب للمخدوعين من البشر الذين يظنون أنهم أبناء الله وأحباؤه، مهما أقاموا من احتفالات ساذجة، دون أن يمتلكوا المؤهلات التي تجعلهم من عباد الرحمن.