العالمالمجتمعشئون عربية

المشروع الرباني الإنساني: تأملات بقلم د. أمين رمضان

 

حشود بشرية تطالب بتطبيق المنهج الرباني ( الارشيف)

يتخبط العالم في حيرة وتيه، شرقاً وغرباً، وتدفع الحياة بكل صورها ثمن هذا التخبط، أنهار من الدماء تسيل، مدن كاملة بل دول كاملة تدمر وتُمحى من الوجود، أمواج بشرية هائلة تهرب من الدمار لتواجه الموت في العراء من البرد القارس والجوع المميت، وتستمر طائرات الموت، ومصانع الخراب تعمل ليلاً ونهاراً في صناعة الفناء لتجني البلايين على أطلال الحياة في صراع مشاريع متوحشة، استبدلت الإنسانية بالمال، والبناء بالدمار، والحياة بالموت، والرحمة بالوحشية، والعدل بالظلم.

ومن العجيب أن تعيش البشرية هذا التيه وبين يديها هدية السماء، المشروع الرباني الإنساني، ودليل حياتها الإنسانية، عظمة هذا المشروع أنه من خالق الإنسان، ودستوره المحفوظ في رسالته للعالمين، مرجع للبشرية في أي لحظة تقرر أن تعود لرشدها، أو تسير في طريق يحيي فيها إنسانيتها.

إن المشروع الرباني للإنسان المحفوظ بين دفتي المصحف ليس بجديد على البشرية، بل هو مشروع رب الناس للناس في كل العصور من عهد آدم وحتى قيام الساعة، وعليه سيقوم الحساب بعد البعث، لم ولن يتغير أو يتبدل، إذ أن المشروع المحفوظ في كتاب الله هو إظهارٌ وتذكيرٌ لفطرة الله التي خلق الناس عليها، وهذه الفطرة لا تبديل لها، بل تظل كامنة تحت أي ركام، تنتظر اللحظة التي تتصل فيها بالنور، لتشرق من جديد في صورتها الربانية.

تعج الأرض بمشاريع بشرية متعددة، وضعت لتكون بديلاً عن المشروع الرباني، هي مشاريع في أحسن حالاتها، مهما كان فيها من حُسن أو نجاح في بعض جوانبها، فإنها لا تتعدى حدود الانتماءات الضيقة التي يعيشها الناس، إلى حدود الإنسان كل الإنسان، على الأرض كل الأرض، فهي صناعة بشرية محضة، تتبع أهواء ومصالح صانعيها، كثير من هذه المصالح لا يتحقق إلا بالمكر والدهاء وخداع الناس وتغييب الوعي، ومص دماء الشعوب والثروات، مما يجعل أصحاب هذه المشاريع وحوش بشرية تزأر في جنبات الأرض والبحر والجو، وتلتهم كل ما في طريقها.

المخرج لن يكون إلا بالعودة إلى المشروع الرباني الإنساني للحياة، لم يكن هذا المشروع يوما مشروعاً عنصرياً ينتمي إلى شعب أو أمة معينة، ولم يكن دليلا لسيطرة او طغيان أمة على غيرها من الأمم، بل تنتمي إليه أي أمة تعمل به وتنشئ به منظومة الحياة على أرضها، لأنه مشروع رحمة للعالمين، وهدًى للناس أجمعين، ويجب ألا ننخدع به فنظن أننا أصحابه لأننا عرب، ولأن القرآن عربي.

أي محاولة لجر هذا المشروع الرباني ليتماهى مع المشاريع البشرية، هو تمييع وتغيير للمنطلق الذي ينطلق منه، ومخالفة للقرآن الذي حدد منطلقات مشروعه بوضوح، فمحطة الانطلاق هي الفطرة السليمة التي خلق الله الناس عليها، التي تبدأ منها رحلة الإنسان في طريق الهُدي القرآني، ومحطة الوصول هي العدل الإنساني والكوني. إيمانا بالخالق وتسليما له.

جميل أن نعي المشاريع البشرية بأدوات وأوامر ووصايا المشروع الرباني المنطلق من القرآن، لنرى بوضوح منطلقات وغايات المشاريع البشرية، ونحسن التعامل معها، أخذاً ورفضاً وتعديلاً.

الإسلام دين الله سبحانه وتعالى الذي ارتضاه للناس جميعاً، خلقهم على الفطرة السوية التي تجعلهم قادرين على التمييز بين الخير والشر، ليعيشوا منظومة حياة إنسانية قائمة على العدل والبر والتعاون عليهما، وتٓحُدْ من الظلم والعدوان، حتى يكون المعيار الذي تزن به البشرية حياتها واضحاً، معيار العدل والظلم، عندما يعيش الإنسان والمجتمع والعالم هذا العدل بمعاييره الربانية، سيسعد الإنسان ويسعد الكون، فقط عندما يصبح الإسلام الإنساني بالاختيار بالإرادة الحرة والإسلام الكوني بالإكراه والتسخير نسيجاً واحداً {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) آل عمران}.

الدكتور أمين رمضان
aminghaleb@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.