أراء وقراءاتالعالمالمجتمع

المطر بين الدعاء والعمل: تأملات بقلم د. أمين رمضان

صورة أرشيفية لأثار الأمطار في احدى البلاد العربية

تسقط الأمطار الغزيرة في عالمنا فتتوقف الحياة، ويُصاب المجتمع بالشلل في كثير من الأماكن الحيوية، وتُزهق الأرواح، وتجرف السيولُ المنازل والسيارات والناس، وتُغلق المدارس والجامعات أبوابها، ويمكث الناس في البيوت، ناظرين إلى المطر، لأنه حديث عهد بالسماء، رافعين أكفهم بالدعاء، أن يكون مطر خير وبركة وسقيا رحمة لا سقيا عذاب.

وتسقط الثلوج في عالمهم (أقصد العالم الغربي، أو بلاد الكفر كما يحلو للبعض أن يسميها)، فتغطي البيوت والسيارات والطرق، لكن لا تتوقف الحياة، ولا يصيبها الشلل، لأنهم استعدوا، رشوا الطرق بالملح حتى لا يصبح الثلج جليداً، وصنعوا كاسحات الثلج، التي تزيل الجليد من الطرق لأنها شرايين المدن التي بها يستمر نبض الحياة، رأيت هذا المنظر بعيني في أوتاوا بكندا من أيام فقط، عندما كنت أتحدث مع ابني هناك.

بعد مقارنة المشهدين، قلت لنفسي: مع الأسف علمونا الدعاء ولم يعلمونا العمل، تعلمت الأجيال في المدارس دعاء المطر، لكنها لم تتعلم كيفية بناء السدود والمصارف، وصناعة وسائل وأدوات الإنقاذ، اكتفينا بالنظر للسماء وهي تصب ماءها، وللسيول وهي تجرف البيوت والسيارات، وأنهار المياه وهي تندفع لتكشف عوراتنا والخلل الذي نعاني منه في حياتنا، واكتفينا – نحن – بمصمصةِ الشفاه، فلا حول لنا ولا قوة أمام سنن الله الكونية التي خاصمناها، وفَصَلنا حياتنا عنها، ظناً منّا أنها ستُحابينا، أو ستتوقف من أجلنا، لكنها ستنتقم من غيرنا، كما علمونا أنها ستكون خيراً لنا، وعقاباً لهم، لكن هيهات .. هيهات.

آهٍ لو جمعنا بين الدعاء والعمل، لو صنعنا المعرفة التي تجعل المطر خيراً، وتحوّل الشمس الحارقة والرياح الشديدة إلى طاقة تحرك الحياة في المجتمع، وتبحث عن ثرواتنا وتستخرجها، فنملك إرادتنا وحريتنا ولا نصبح أسرى للدول والشركات الكبرى، التي تمتص خيراتنا بلا رحمة، وتعطينا الفتات، ومن قبلها تنهش مستقبلنا.

فقط عندما نعرف سنن الله الكونية، ونفهما ونسخرها، ونوقن أنها لا تحابي أحداً، بل تعمل عملها بعدل وحكمة ورحمة – نعم رحمة – لأنّها من ربِّ الناس جميعاً، ربّ العالمين .. الرحمن الرحيم !! عندها فقط ستتغير أحوالنا وتتبدل أمورنا، ونفيق من غفلتنا التي طالت .. ونقوم من رقدتنا التي استمرت من آمادٍ بعيدة .

نحن مع الأسف نعيشُ في سائر حياتنا، والكثير من جوانبها انفصاماً نكداً بين المعرفة والحياة، والسبب أن المعرفة لم تتحول إلى عمل، والإنسان الذي يحفظ كل قوانين الأخلاق ودساتيرها وآياتها وأحاديثها، ثم يخاصمها ويعمل عكسها، يكون وبالاً على نفسه وعلى مجتمعه وعلى أمته، ومن لا يحفظ شيئاً ويعيش بأخلاق الفطرة الإنسانية السليمة، يعيش في سلام مع نفسه، وينشر الخير والعمل الصالح في المجتمع من حوله، فتزدهر به الحياة المادية والمعنوية.

الدكتور أمين رمضان
aminghaleb@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.