المجتمعتقارير وتحقيقاتمصر

الملايين من عمال اليومية والترحيلات بدون ضمان صحي أو تأمينات

2013-634988980383684672-368

تحقيق: هبة راضي

نجدهم يفترشون الأرصفة، والمقاهى البلدى ينتظرون بالساعات وبالايام قدوم مقاول أو صاحب مشروع معمارى ليوفر لهم فرصةعمل مرهقة.. يعملون في كل شئ بسواعدهم لكسب قوت يومهم .. ومع شدة الحاجة نجد فتيات صغار يتوجهن  فجرا مع أسرهم لطلب الرزق بجنى الثمار وتعبأتها تمهيدا لبيعها .

يطلق عليهم فى بعض المناطق العشوائية عمال أجرية أو عمال يومية، وفى القرى يطلق عليهم فواعلية أو سوايسة للرجال الذين يعملون فى المعمار.

الهروب من القرية

حرصت ( وضوح ) على الاقتراب منهم للتعرف عن ظروفهم والصعوبات التي يواجهونها خاصة وان عددهم على مستوى الجمهورية يقدر بالملايين . في البداية تحدث فتحى مخيمر مقاول بميدان المطرية قائلا : أنا كنت أعمل فلاح أجرى فى محافظتى سوهاج قبل أن أشتغل مقاول أنفار بالمطرية، وذلك لشدة حاجتى، وعدم تلبية أجرتى كمزارع احتياجات بيت يتكون من زوج وزوجة وستة بنات، وأيضا حلمى فى العيش بالقاهرة الصاخبة التى كنت أشاهدها فى تلفزيون بدوار شيخ الغفر.

ولكنه تعرض للصدمة بعد مغادرة قريته موضحا : ” ولكن وجدت أن القاهرة مثل القرية من حيث قلة العمل.. فأنا رجل أمى لا يقرا ولا يكتب ولا اجيد اي حرفة ، ولا أستطيع سوى العمل سوى بذراعى. اشتغلت عام يومية لفترة ثم أصبحت بعد ذلك مقاول انفار اقوم بتوريد العمالة”.

واعترف مخيمر بظروف العمل القاسية قائلا :” مع إحتياج العامل لكسب رزقة يوم بيوم يضطر للموافقة على أى عمل . فيحفرون الأرض يدويا ويحملون أجولة الأسمنت والجبس فوق ظهورهم صاعدين الدرج للأدوارالمرتفعة بأقدامهم .. فنحن نعمل يوما فى المعمار أو نرفع طوب أو مونة ويوما نتعاقد مع صاحب عقارات على عدد من العمال لإنشاء مجموعة من العقاررات مقابل أجر معلوم”.

خلل في المجتمع

اما  مأساة السيدة زوجة صابر فتكشف عن خلل كبير في المجتمع ومظالم يتعرض لها النساء والفتيات في جميع أنحاء مصر دون ان تجد من يقف بجوارهم ويدافع عن حقوقهم .

تروي  زوجة صابر التفاصيل لمراسلة ( وضوح ) ودموعها تبلل وجهها قائلة :”  أخرج مع أولادى الصغار بعد صلاة الفجر للذهاب مع عمال الترحيلة على سطح سيارة نصف نقل دون غطاء لنقوم بجمع المحاصيل من طماطم وعنب . والعمل ليس عيبا ولكن العيب ما تتعرض له بناتى من معاكسات وتحرش بالألفاظ المحرجة أمام المارة  دون ان تتحرك  شهامة شاب او رجل للدفاع عنهم . فهم يعتبرون أن هؤلاء الفتيات الصغار الذين يضطرون للعمل متاحين للجميع “.

وعند تساؤلنا عن دور الزوج صابر ابو البنات تغير وجهها واشتد غضبها وقالت : “زوجى لا يعمل يكتفى بتحصيل نقود أولادى لينفقها على لعب القمار بالمقهى ويتركنا انا وبناتي للكلاب تنهش لحومنا.. هو وامثاله ليسوا رجالا” .

الموت جوعا

وتبلغ قمة مأساة السيدة زوجة صابر بفقدها لرضيعتها أثناء العمل ، وقالت بصوت تخنقه الدموع والحزن : “حين يأتى فصل الشتاء تكون كارثة لنا فالسيارة النصف بغير غطاء، والهواء قارس مع هطول الأمطار من فوقنا فتصبح ملابسنا مبتلة، وقد تسببت الأمطار الكثيفة فى إصابتي انا وطفلتى الرضيعة فاتن بنزلة شعبية حادة، وتسببت فى جفاف اللبن عندى، ومع عدم إستطاعتى توفير اللبن  الصناعي للرضاعة ، كنت أضع ملعقتين من السكر مع الماء داخل الببرونة لتغذيتها. وكان يؤلمني سخرية الشباب منا حين يشاهدوني أرضع طفلتى مياه بسكر ، فيضحكون ويقولون أكيد “هيطلع دمها خفيف ” . ثم توقفت عن الكلام فجأة وتزايد بكائها وقالت :” الله يلعن ابو الفقر ضاعت ابنتي امام عيني وليس معي فلوس اعالجها او اشتري لها لبن رضاعة . وليس لدينا ما يكفي لاطعام الاولاد حتى اجلس انا وهي بالمنزل لرعايتها وهي مريضة . كنت اضطر اخذها معي الى الحقول ، وأتركها بجوارى فى البرد القارس فاشتدت حالتها سوء، وفوجئت بموتها وأنا أجنى الخضروات”.

الملايين من عمال اليومية والترحيلات بدون ضمان صحي أو تأمينات 4

سقط ميتا من أعلى العقاروالمقاول أمر زملائة بإبعاد جثمانة عن موقع العمل

مأساة زينب

اما السيدة زينب حمدان فتروي ظروفها الصعبة قائلة:” توفى زوجى عندما أختل توازنة فوق السقالة أثناء عملة بمنطقة أكتوبر فى مشروع بناء عقارات تمليك ، فسقط من الطابق السابع بداخل جراج العمارة. وكل ما فعلة صاحب العقار أن إتصل بالأسعاف، وطلب من زملائة إخراج جثمان زوجى بعيدا عن موقع العمل.

وتستطرد زينب في وصف المظالم التي يتعرض لها عمال التراحيل واسرهم بقولها :” كل ما قام به المستثمر العقارى بعد وفاة زوجى هو دفع قيمة أجرة اليوم الذى توفى فيه دون صرف تعويض أو بدل مخاطر مثلما يفعل مع الموظفين .. وحين طالبت صاحب العمل بمستحقات زوجى بعد إنقضاء مراسم العزاء قال لى كلمات حفرت بذاكرتى منذ ذلك اليوم: إن زوجك مثل غيره يعمل باليومية، وليس موظف عندى حتى أتحمل مسئولية حمايتة من المخاطر، وكله قضاء وقدر ليس لنا فيه شئ”.

وتواصل كشف مأساتها قائلة :” ترك زوجى لى طفلتين بلا مورد رزق يعيننى على تربيتهم فصرت أقبل ما يجود به ولاد الحلال علينا .واتحسر من عدم مراعاة عمال الترحيلات مثلما يفعلون مع جميع الموظفين من معاشات ومكافأت وغيره من الحقوق التى يستحقها هؤلاء العمال الغلابة.

السعيد : مطلوب نقابة  لحمايتهم وضمان حقوقهم

ويقول المحامي حاتم السعيد عضو لجنة الحريات بنقابة المحامين ان هناك قوانين عديدة تكفل حقوق العمال الغير مؤمن عليهم،  ونسعى بلجنة الحريات التحدث فى مشاكلهم. وفال لـ ( وضوح ) أن اللجنة تبحث إمكانية تشكيل نقابة لعمال الترحيلات وغيرهم من من عمال الأجر اليومي الذين ليس لهم  تأمينات أو بدلات للمخاطر . وتناقش وضع  إجراءات تضمن لهم حياة آمنة فى عملهم،وتلزم صاحب العمل كافة الحقوق للعامل من تأمينات ومعاشات لأسرهم فى حالة الوفاة ، وتقديم الراتب المناسب لهم فعملهم غالبا يكون شاق مع صرف وجبات لهم .

ويختم  السعيد تصريحه بالتأكيد على أن كل إنسان لا يستطيع الإستغناء عن الخدمات التى يقدمها له عمال الترحيلات ، وانهم من نسيج الوطن ويجب حمايتهم والإهتمام بأمرهم مع وجود منظمات مدافعة عن حقوق هؤلاء المواطنين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.