تقارير وتحقيقات

المنصورة.. جزيرة الورد زهرة الدلتا ومهد البطولة


بقلم/ حسن السعدني

في قلب دلتا النيل، تقف المنصورة شامخةً كدرّة تتلألأ على جيد الوطن، مدينة ولدت من رحم المعارك، وتربّت في أحضان النيل، حتى غدت رمزًا للبطولة، وأيقونة للفخر.

جزيرة الورد.. أصل الحكاية

كانت المنصورة تُعرف قديمًا بـ”جزيرة الورد”، لما حباها الله من طبيعةٍ خلّابة وحدائق غنّاء وزروعٍ باسمة، وكأنها جنّة تستريح على ضفاف النهر العظيم. وقد أنشأها الملك الكامل محمد بن العادل الأيوبي عام 616 هـ / 1219م، أثناء الحملة الصليبية الخامسة، كحصن دفاعي متقدم، فكان قدرها منذ النشأة أن تقف في الصفوف الأولى من معارك الكرامة.

ملحمة الأسر والنصر

وفي عام 1250م، سطّرت المدينة إحدى أعظم صفحات التاريخ المصري، عندما تصدى أهلها للحملة الصليبية السابعة بقيادة الملك الفرنسي لويس التاسع، فأسروه في “دار ابن لقمان” التي تحولت إلى شاهدٍ خالد على شجاعة المصريين. ومن هذا النصر المدوّي، اشتُق اسم المدينة الجديد: المنصورة، تيمنًا بالنصر، وفخرًا بالبطولة.

حاضرة الدقهلية.. لماذا لا تُسمى المحافظة باسمها؟

المنصورة اليوم مدينة كبرى يتجاوز عدد سكانها المليون ونصف، وتمتد على مساحة تقارب 371 كيلومترًا مربعًا، وهي عاصمة محافظة الدقهلية، وهو اسم يعود إلى العصر الفاطمي. إلا أن السؤال الذي لا يزال يتردد:
لماذا لا يُطلق اسم المنصورة على المحافظة؟
فاسمها أبلغ شهرةً، وأغنى رمزيةً، وأجمل نغمةً، إلا أن عبق التاريخ لا يُمحى بجرة قلم، ويبقى للدقهلية مكانتها في وجدان الوطن.

معركة المنصورة الجوية.. مجد أكتوبر

وفي حرب أكتوبر 1973، حلّقت المنصورة مجددًا في سماء البطولة، عندما دارت فوقها يوم 14 أكتوبر معركة جوية هي الأطول في التاريخ، استمرت 53 دقيقة كاملة، وأسقط خلالها الطيارون المصريون أكثر من 17 طائرة إسرائيلية، فأصبح هذا اليوم عيدًا رسميًّا للقوات الجوية.

المنصورة الجديدة.. وملامح المستقبل

 

اليوم، تتقدم المنصورة بخطى واثقة نحو المستقبل، بفضل مشاريع تنموية كبرى أبرزها:

  • مدينة المنصورة الجديدة على ساحل البحر المتوسط، نموذج للمدن الذكية.

  • المنصورة الطبية، أكبر صرح صحي تعليمي في مصر والمنطقة العربية، بإشراف من جامعة المنصورة العريقة.

معالم لا تُنسى

وتزدان المدينة بمعالم خالدة تروي قصصها:

  • دار ابن لقمان: متحف للكرامة الوطنية.

  • جامعة المنصورة: منارة علمية رائدة عربيًا.

  • مكتبة مصر العامة والمراكز الثقافية.

  • شارع الجيش: شريان الحياة في قلب المدينة.

  • كوبري طلخا الحديدي: أحد رموزها العمرانية الفريدة.

  • حدائقها ومراكزها الفنية: حيث تتنفس الروح وتزهر الذائقة.

المنصورة.. مرآة الوطن

يا من تسير في شوارعها، تروَّ، فأنت تمشي على أرضٍ سالت عليها دماء الأحرار، وسُطّرت فوقها ملحمة من المجد والجمال.
المنصورة ليست مجرد مدينة، بل هي ملحمة وطنية، ومَعلم حضاري، ومرآة تعكس وجه مصر المنتصر، المُبدع، والمزدهر.

السلام عليكِ يا منصورة،
يا زهرة الدلتا، ويا درع النصر، ويا قصيدة من قصائد المجد، إن تحدّثتِ نطقتِ بالفخر، وإن صمتتِ أنطقتِ التاريخ.


حسن محمد السعدني

كبير معلمي اللغة العربية -مدرسة السعدية الثانوية

إدارة شربين التعليمية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى