احدث الاخبار

النداء الخالد .. بين كمال الإيمان .. ومعالم الإحسان.. بقلم : علاء الصفطاوي

نزل الهمُّ بساحتي .. وغشيني الحزنُ، وسرتُ هائمًا على وجهي، لا أدري إلى أين أسير ؟! ونحو مَن أتوجه ؟! وأنا في هذه الحالة البائسة إذا بصوتٍ شجيٍّ ينطلقُ بهذه الكلمات الساطعة  ” الله أكبر .. الله أكبر” ” الله أكبر .. الله أكبر ” لتنزلَ على قلبي بردً وسلامًا .. وأمنًا وأمانًا ” كلماتٌ نسمعها كلّ يومٍ خمس مرات، لكنّها هذه المرة صادفت قلبًا مهمومًا .. وحزنًا مكتومًا، فكان لها في النفس فعلُ السّحر، الله أكبر .. رسالةٌ سماوية، ونداءٌ ربّاني، يبعثُ في القلب الاطمئنان .. ويجلبُ للنّفس الرّاحة والأمان، الله أكبر من كلِّ الهموم .. الله أكبر من كلّ مَن تخشى وتحاذر !

وبالرغم من أنَّ من أسماء الله الحسنى ” الكبير ” والذي ورد في مواضع متعددة في القرآن الكريم كما في قول الله تعالى ” عالمُ الغيبِ والشهادةِ الكبيرُ المتعال ” لكن في الآذان لم يقل: الله كبير، بل قال : الله أكبر ، فمهما كانت الآلام والأحزان كبيرة فالله أكبر، ومهما كانت الأعمال والأشغال كبيرة فالله أكبر، ومهما كانت قوة من ظلمك وبغي عليك كبيرة فالله أكبر، نداءٌ يأخذك من واقعك المرير وحزنك الدفين ليرفعك إلى أفق السماء الأعلى، ويجعل قلبك متعلقًا برب الأرض والسماء، إنّه العروج إلى سدرة المنتهى، والولوج بالروح إلى حضرة مَن يعلم السر وأخفى، مَن بيده ملكوت السموات والأرض، فلماذا الحزنُ إذن ؟!!

ثم يأتي الإقرار العظيم والقول المبين: أشهد أن لا إله إلا الله .. شهادةً تحدد المسار الصحيح للوصول ، وتضع معلمًا مهمًا على طريق القبول، وهو أنّه لا إله يُخشى سلطانه .. ويُرجى نوالُه إلا الله تعالى، أما غيره من الآلهة المصطعنة فقوتها سرعان ما تزول .. وعطاؤها أبدًا لا يدوم، وبطشها وقتي، بل إن بطشها ليس من ذاتها، وإنما من أعوانها، الذين يشبهون الكائنات الطفيلية التي تتسلق على أغصان الوصولية، دستورهم كتاب الأمير ..  وقدوتهم ماركس ولينين !!

إنّها صرخة تنطلق في الآفاق، لتعلن بلا مواربة أن لا إله إلا الله، ودعوة لننخلع من ربقة عبادة الدرهم والدينار، وأن نخرج من عبادة العباد، والخضوع لتك الأصنام التي صنعناها بأيدينا إلى عبادة رب العباد !!

أما هؤلاء الذين تعلقت قلوبهم بالله فإنهم عندما تتردد على مسامعهم هذه الشهادة الخالدة، فإنهم يزدادون يقينًا بعظمة الله الذي خلقهم وسواهم .. ومن غير سؤال منهم منحهم من فيض كرمه وأعطاهم .

ثم ينطلق بعدها صوت المؤذن ليعلن للعالم كله أن ” محمدًا رسول الله ” فتصل الرسالة نقيةً إلى قلوب المؤمنين، وتدرك مغزاها عقول المسلمين، ويعلمون جميعًا أن رسول الله يجب أن يقتدى به، وأن نسير على منهاجه، ونقتفي أثره وخطاه، فهو الذي دلنَّا على الله .. وأخذ بأيدينا إلى هداه .

الرسول الذي جاءنا بمنهج ليس فيه ما ادعاه ميكافيلي من أن الغاية تبرر الوسيلة، وصاحب منهج كان يطبقه على نفسه أولاً، بل حذر الأمة أجمعين .. من يوم مبعثه إلى يوم الدين من أن تقع فيما وقعت فيه الأمم السابقة فتخالف أقوالُها أفعالَها .

ومن أعظم علامات هذا المنهج ومن أكثر معالمه أثرًا فريضة الصلاة، التي جاءت بعد الشهادتين في حديث الأركان .. وجاءت كذلك بعد الشهادتين في الأذان، للدلالة على أهميتها ومكانتها في الإسلام، وأن من أراد الفلاح وآمل في النجاح فعليه بالصلاة، ولم لا ؟!.. وهي تمثل قمة الخضوع والاستسلام لله رب العالمين .

يا لعظمة تلك اللحظة الإيمانية عندما يسجد أحدنا على سجادته ويشكو بثه وحزنه إلى الله، فتذرف منه العيون، وتبتل سجادته بدموع حرّى، لتعلن عن قلب مكلوم وإنسان مأزوم، سجد بقلبه ليبث  شكواه إلى خالقه ومولاه !

وهو في هذة اللحظة من روعة الخشوع وقمة الخضوع يكون قد نال الفلاح وحقق النجاح، وفُتح له باب القبول وحظي بالوصول .

وعندما يصل المسلم إلى هذه الحالة الإيمانية، والقرب من الحضرة الإلهية، تغشاه الفرحة ويغمره فيض الرضا والاطمئنان، عندها ينطلق لسانه بما يعبر عمّا في حناياه ووجدانه : الله أكبر .. الله أكبر، فرحًا بما آل إليه حاله من الإيمان العميق والفهم الدقيق لرسالته التي خلقه الله من أجلها، وأنّ الدنيا دار ابتلاء .. وليست دار جزاء !

بعدها يأتي الإقرار الأخير : لا إله إلا الله، لتؤكد كمال الإيمان .. وصدق الإحسان .

علاء الصفطاوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.