النيل..تاريخ الصراع المصري الإثيوبي يعود للعصور الوسطى
كتب – المحرر السياسي
الصراع بين مصر وإثيوبيا حول مياه نهر النيل هو واحد من أطول وأقدم النزاعات الجيوسياسية في تاريخ القارة الإفريقية، حيث يمتد لأكثر من ألف عام. تأصلت هذه الخلافات على مدى القرون الماضية نتيجة لمحاولات كل دولة تأكيد سيطرتها على منابع النيل، الذي يُعتبر شريان الحياة لمصر وأحد المصادر الرئيسية لتوليد الطاقة والتنمية لإثيوبيا. سنستعرض فيما يلي أهم مراحل هذا الصراع، بدءًا من العصور الوسطى مرورًا بفترات حكم الرئيسين أنور السادات وحسني مبارك، وحتى النزاع المتجدد حول سد النهضة في العصر الحديث.
بداية الصراع في العصور الوسطى
الصراع بين مصر وإثيوبيا حول مياه النيل يعود إلى العصور الوسطى، حينما بدأ الإمبراطور الإثيوبي لاليبيلا (1190-1225) في استخدام مياه النيل كوسيلة ضغط على مصر. وفقًا لتقرير نشره موقع *Origins*، هدد لاليبيلا بتحويل مجرى نهر “تيكيزي”، أحد روافد النيل الرئيسية، مما أثار قلقًا كبيرًا لدى المصريين في تلك الفترة. ويعد هذا أول ظهور لفكرة استخدام مياه النيل كأداة سياسية بين البلدين.
الصراع في القرن التاسع عشر
بحسب ما جاء في موقع *Wikipedia*، تصاعد الصراع بين مصر وإثيوبيا في القرن التاسع عشر، عندما حاول الخديوي إسماعيل باشا (1863-1879) توسيع نفوذ مصر جنوبًا للسيطرة على منابع النيل. أدى ذلك إلى مواجهات عسكرية مباشرة، أبرزها معركة “قورا” عام 1876، التي انتهت بهزيمة كبيرة لمصر وأدت إلى توتر طويل الأمد بين البلدين. كانت هذه الحروب بمثابة نقطة تحول في العلاقة بين مصر وإثيوبيا، حيث أصبحت السيطرة على مياه النيل مسألة استراتيجية لكلا البلدين
فترات الاستعمار وبدايات التنظيم
مع حلول الحقبة الاستعمارية، أصبحت مياه النيل جزءًا من الصراع بين القوى الأوروبية، حيث سعت بريطانيا إلى ضمان السيطرة على مصادر المياه لحماية مصالحها في مصر. وفقًا لتقرير موقع *Egyptian Streets*، تم توقيع اتفاقية 1902 بين بريطانيا والإمبراطور الإثيوبي مينليك الثاني، حيث تعهد الأخير بعدم بناء أي مشاريع على النيل الأزرق دون موافقة مصر. كانت هذه الاتفاقية خطوة أولى نحو تنظيم استغلال المياه، لكنها لم تمنع الصراعات المستمرة.
الصراع في عهد الرئيس أنور السادات
في عهد الرئيس المصري أنور السادات (1970-1981)، تصاعدت التوترات بين مصر وإثيوبيا بشكل كبير، خاصة في سياق الحروب الإقليمية والسياسية التي كانت تمر بها إفريقيا. وفقًا لتقرير نشره *Horn Institute*، أعلن السادات في عام 1979 أن “مياه النيل خط أحمر” بالنسبة لمصر، وأكد أن أي مشروع إثيوبي يمس حقوق مصر في مياه النهر سيعتبر تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري. خلال هذه الفترة، كانت إثيوبيا تمر بمرحلة من الاضطرابات السياسية مع تولي “الديرج” السلطة، ما أعاق تنفيذ مشاريع كبرى على النيل.
الصراع في عهد الرئيس حسني مبارك
بعد تولي حسني مبارك الحكم في مصر (1981-2011)، استمر التركيز المصري على مياه النيل كمسألة أمن قومي. ولكن، كما جاء في تقرير *Egyptian Streets*، تبنى مبارك نهجًا دبلوماسيًا أكثر للتعامل مع إثيوبيا، حيث تم توقيع “اتفاقية التعاون الإطاري” في 1993 بين البلدين، والتي أكدت على ضرورة احترام حقوق جميع الدول في مياه النيل. على الرغم من هذا الاتفاق، إلا أن التوترات ظلت قائمة، خاصة مع نمو طموحات إثيوبيا في بناء مشاريع مائية.
بناء سد النهضة وتفاقم الصراع
في عام 2011، بدأت إثيوبيا في بناء سد النهضة، وهو المشروع الذي أشعل فتيل الصراع من جديد بين مصر وإثيوبيا. وفقا لتقرير *The Independent*، رأت مصر في السد تهديدًا مباشرًا لحصتها من مياه النيل، وبدأت في تحركات دبلوماسية مكثفة على المستوى الدولي لمحاولة وقف أو تعديل المشروع. ولكن في المقابل، أصرت إثيوبيا على حقها في استغلال مواردها الطبيعية لتوليد الطاقة وتحقيق التنمية الاقتصادية .
ردود الأفعال المصرية والإثيوبية
مع بدء ملء خزان سد النهضة في عام 2020، تصاعدت التوترات بشكل كبير بين البلدين. وفقا لتقرير *VOA Africa*، سعت مصر إلى حشد الدعم الدولي للضغط على إثيوبيا، بينما اعتبرت الأخيرة أن السد مسألة سيادية ولا يمكن التفاوض بشأنه. في الوقت ذاته، استمرت المفاوضات الثلاثية بين مصر وإثيوبيا والسودان، لكنها لم تسفر عن نتائج ملموسة .
الدور السياسي لمصر وإثيوبيا في إفريقيا
إلى جانب الصراع حول مياه النيل، تلعب مصر وإثيوبيا دورًا رئيسيًا في القارة الإفريقية. مصر تسعى لتعزيز نفوذها الإقليمي من خلال مبادرات دبلوماسية واقتصادية، بينما تسعى إثيوبيا لتحقيق التنمية والازدهار الاقتصادي من خلال مشاريع البنية التحتية الكبرى، مثل سد النهضة. وفقًا لتقرير *Horn Institute*، تعتبر إثيوبيا سد النهضة جزءًا من رؤيتها لتصبح قوة إقليمية في شرق إفريقيا، في حين تسعى مصر للحفاظ على أمنها المائي وتعزيز مكانتها كقوة إقليمية في شمال إفريقيا.