الهروب للأمام أصبح حرفة ..!! بقلم : عصام زايد
كثيرا ما نهرب للأمام … ونعتبر أننا قد أدينا ما علينا من واجب بإمتهان هذا الهروب … هروب من تحمل تبعات المسئولية تجاه الذات و الأبناء هروب غير مقصود ولكنه يتم بلا وعي و إدراك ، كثير منه له أهداف سامية و البعض أهدافه ضعيفة كضعف بنية أصحابه وحتي يتم فهم المراد دون لبس سأضرب لكم المثال التالي :
زوجان قررا أن يبذلا الكثير من الوقت للعمل العام … دعوة الناس للخير و العمل الإجتماعي بكل أبعاده .. قاما بتأسيس جمعية خيرية، و اجتهدا كثيرا في الحصول على التراخيص و نشر الفكرة داخل الأوساط الإجتماعية المميزة للحصول على دعمها المادي و المعنوي ، قاما بإفتتاح الفروع في الأماكن الفقيرة بهدف تطويرها ومساعدة المحتاج … أخلصا في عملهما وإنتشرت الفكرة و أصبحت ملئ السمع و البصر .. وكثرت الأموال … و بالمقابل تفتحت أبواب كثيرة للخير …
بعد سنوات من العمل الناجح … إكتشف الزوجان أنهم لم يبذلا جهدا حقيقيا في تربية أبنائهم على القيم الأصيلة .. اكتفيا أن يصحبهم أبنائهم في رحلات الخير و توزيع الملابس على الفقراء دون بث القيمة الحقيقية للبذل في نفوسهم … إكتفيا بتوفير كل الرفاهية المنزلية و التعليم الجيد ..لم يتوقفا يوما للسؤال هل ما نقدمه لأبنائنا وجبة مكتملة العناصر متوازنة … تتوازن فيها العطايا المادية مع الروحية مع المجتمعية … لم ينتبها للتطور الذي يحدث في سلوك أبنائهم سواء الإيجابي أو السلبي .. أصبح عمل الوالدين برغم نبل مقصده في نفوس أبنائهم حاجز بينهم وبين العمل الخيري بل تحول السلوك للأنانية المفرطة وحب الذات المرضي .
لم أتخيل يوما أن تأتي لي الأم لتشتكي سؤ طباع إبنتها و إعوجاج مسلك إبنها
توقفت لأسئلها متعجبا … قدمت للمجتمع الكثير و كنت أظن أن عطائك بدأ من منزلك
كان ردها و هي تبكي … نعم إكتشفت للأسف .. إن البداية ينبغي دائما أن تكون من الداخل
تعالوا جميعا من هذا المثال الحقيقي الواقعي
نضرب أمثلة أخري للهروب
ونسقطها على أنفسنا و من حولنا.
إذا تحدثت مع الأمهات على ضرورة الأكل الصحي … قالوا كل الأكل ملوث و لا يبذل أي جهد في البحث عن الأكل الجيد الذي يقدم للأبناء
إذا تحدثت عن ضرورة ترغيب الأولاد في أكل أنواع معينة …. صدمتك العبارة … لا يحبونها …. وكأن الأمر يولد به الإنسان
إذا قلت للأم ضرورة الإهتمام بأن تجلس مع بناتها ثلاث مرات في الأسيوع ساعة على الأقل تناقش و تمارس معهم إهتمامتهم، تم الرد بإستهتار لا يوجد وقت أو ماذا أفعل؟
إذا جلست مع أب مشغول بعمله الخيري أو الحياتي و قلت له إهتم بإبنك قليلا فتصرفاته فيها إنحراف … قال .. أين الوقت العمل يستغرقني ! .
إذا دعوت الأسر لدورة في تربية الأبناء وجدت أعداداً غفيرة تحضر … و إذا طلبت منهم التطبيق قالوا … نربي أبنائنا كما تربينا
إذا ذكرت للرجل إهتم بالرياضة و المشي و الأكل الصحي … إبتسم.
إذا دعوت الأسر لجلسة سمر مجانية كل أسبوع يتخللها عشاء فاخر ستجدهم يطرقون الأبواب … و إذا طلبت منهم أن يكون لهم نفس الجلسة مع أبنائهم … تعللوا بأن أوقاتهم متعارضة .
أين الخلل؟؟ أين الخل؟؟
الخلل أننا نهرب من تنفيذ ما علينا من واجبات وسنن ونهرع لتنفيذ المباحات
الخلل ضياع الغاية الحقيقية من الوجود الإنساني في النفوس
تحول الإنسان من المعمر للكون كتكليف إلى مدمر له كوظيفة
الواجب أن ننظر لأنفسنا أولا و لبيوتنا ثانيا و للعالم من حولنا ثالثا
وليس العكس
نحن نركب الحصان بالمقلوب
نريد السفر للقاهرة و نحن نركب قطار متجه للمحيط
أنت … أنت .. ثم أنت … ثم أنت
بيتك … بيتك … ثم بيتك
ثم
العالم من حولك
أنت يعني … إهتم بصحتك … دينك … ثقافتك
بيتك يعني .. أنظر لأبنائك و ثقافتهم و صحتهم و عقيدتهم
ثم
العالم بكل أنشطته
كل ذلك يتم بالتوازي و ليس بالتوالي
إنها صرخة لذاتي قبل ذواتكم
لأبنائي قبل أبنائكم