الهروب للأمام أصبح حرفة …. ( 3 ) بقلم : عصام زايد
للتحلل من أعباء الوظيفة الإنسانية
تلقيت تعليقاً من ابنتي فور قرائتها المقالة الثانية في تلك السلسلة.. قالت بفزع هل خلقنا لنقرأ فقط ؟!!!! أعطاني هذا التعليق مؤشر إن كتاباتي أحيانا تختزل الكثير من الشرح إعتمادا على أن القارئ سيقوم بإسقاط المعاني في الفراغات التي تركت عمداً.. هذا الإسقاط إن لم يتم ملئه فسيفرغ ماكنت أقصده من المضمون و سيأخذنا للسطحية بدلا من إضافة عمق للفكر الإنساني أو رؤية من زاوية مختلفة .. لذا كان من الضروري القيام بربط ماتم ذكره قبل الشروع في كتابة ما نويت .. فالهدف أن ندق بمطرقة خفيفة ليستقبل الوعي المعاني الجديدة القديمة.
في المقالة الأولي تناولت أن الكثير منا يسير في الحياة بمنطق ركوب الحصان بالمقلوب ..نريد السفر للقاهرة و نحن نجلس في القطار المتجه للمحيط .. إن حاولت تقديم النصح .. كان الهروب من الإلتزام هو السلوك و التنصل من المسئولية وإلقائها على الغير منهج حياة.
في المقالة الثانية وضعت الأصبع على السبب الرئيسي لتلك الحالة اللامبالية ألا وهي ضياع البوصلة .. ضياع الرغبة في معرفة لماذا أنا موجود ؟ لماذا خلقت ؟ لماذا أحاسب ؟ لماذا أنا مسئول عن أبنائي و أسرتي وعملي و هواياتي و الكون من حولي .. تلك التساؤلات أصبحت لا تدخل في حيز الإهتمام لمعرفة إجابة شافية عنها .. ضاعت بوصلة المعرفة و شغف البحث .. لماذا إختفت البوصلة من عقولنا ووجداننا ؟ لأننا تناسينا الأمر الإلهي بالقراءة .. نسينا أنه أمر على الوجوب .. أمر تنزل على أمة كان عدد من يكتب فيها لا يتعدي العشرين .. ونحن حولناه بعدم الوعي إلى فضل وأصبح من لايقرأ يباهي من حوله بجهله وعدم علمه .. وبينا كيف أن القراءة هي ماتنقلنا للحالة الإنسانية الصالحة لآداء وظيفتنا في الحياة وتميزنا عن سائر المخلوقات الأخري.
لماذا كان الأمر بالقراءة على الوجوب؟
لأن الإنسان هو الكائن الوحيد على البسيطة الذي أعطيت له حرية الإختيار .. فكيف يختار الأمر الصائب و هو لا يعلم الصواب أو لماذاوكيف يختار في الأصل؟
الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يمكن له أن يخرج من النظام إلي الفوضي .. من حالة الغباء إلي حالة الإبداع .. من الكسل لقمة النشاط .. من الإضرار بنفسه وبمن حوله إلي إصلاح الكون .. فكيف يفرق وينتقل بين تلك الحالات بلا علم صحيح
الإنسان هو الكائن الوحيد الذي أعطاه الله سبحانه حق الخلافة في الأرض .. الخلافة التي هي لصيقة بكل إنسان حي ويحاسب عليها بعد مماته .. الخلافة ليست إمبراطورية يترأسها ملك أو رئيس أو خليفة بالمعني السياسي الضيق بل هي وظيفة ووشم تم وسم الإنسان به دون سائر المخلوقات .. فكيف يؤدي واجبات الخلافة بلا نضج فكري وعمق ثقافي .
الخلافة لقب استحقه الإنسان يوم قبولهحمل الأمانة.. لقب يحمله الرجل و الأنثي على السواء .. أنا خليفة وإبني خليفة و زوجتي وعائلتي و كل فرد يسير في الشارع يحمل نفس اللقب لا تمايز بينهم .. أنا الخليفة أحمد وهذا هو الخليفةيحي و ذاك هو الخليفةأيمن.
الخلافة وظيفة لها مواصفات وتوصيف يجب اتباعه .. لها كتيب علينا دراسته ..
عندما نلتحق بعمل في أي شركة يتم تسليمك عقد عمل مرفق به التوصيف الوظيفي لما يتوقع أن تقوم به .. أنت تقدمت لوظيفة معينة و أنت تقول أنك مؤهل للقيام بها .. مررت بمجموعة اختبارات أعطت مؤشر لأهليتك .. فدخلت منظومة العمل و بدأت تقرأ المهام الملقاة على عاتقك .. وبدأت رحلة العمل العملية و قمت بها بمهارة عالية فترقيت و مع الترقي أخذت دورات لتضيف لك قدرات جديدة تؤهلك لبلوغ نهاية السلم الوظيفي .. كلها أدوار تحتاج منك للقراءة تحتاج أن تنفذ الأمر ” إقرأ “ لتقوم بوظيفة الخليفة .. الخليفة لمن سبقك و كذا لمن فوضك بالعمل ..
لقد فوض الله سبحانه وتعالي الإنسان للقيام ببعض الوظائف الخاصة فور قبوله الأمانة منها إعمار الكون و إكتشاف ما علمه الله سبحانه وتعالي لآدم .. وحتي يتم الإعمار ليس للأرض فقط بل للكون من حوله .. جعل سبحانه وتعالي الكون ذو نظام ثابت لا يتغير ..
حتي يتفرغ الإنسان لوظيفته الحقيقية .. والتي منها إعلاء القيم العليا في الأرض وهي في مجملها تمثل الحكمة ..
فلايمكن لخليفة الأرض أن يكون بذيئا .. دنيئا .. غدارا لا يؤمن بوائقه .. حاسدا و حقودا .. أو كذابا .. شاربا للخمر زانيا
بمعني آخر لا يمكن للخليفة أن يكون سلاحاًللتدمير متحرك
إذن نحن تحدثنا عن
وظيفة : وهي الخلافة ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) البقرة )
- و عن سبب وجودها : قبول الآمانة ..
يقول الله تعالي ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) الآحزاب )
- وعن وسيلة معرفة حجم الأمانة من خلال تفعيل أمر القراءة
ماهو الطريق و المنهج الصحيحين لتفعيل الأمانة ؟
- حدد الله سبحانه إتجاه البوصلة للطريق في قوله تعالي في سورة الذاريات (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (51) )
- حدد الله مرة أخري أسلوب ومنهجية القيام بالخلافة و التي تبدأ و تنتهي عنده سبحانه و تعالي(ومَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) الذاريات
هنا مباشرة سيبدأ القارئ في القلق .. كيف سيتم إعمار الكون الفسيح من خلال الصلاة و الزكاة و الحج و الصوم وغيرها من الشعائر التعبدية .. إن اختزال معني العبادة الشاملة في الشعائر التعبدية مخل بالوظيفة و التفويض الذي أعطي للإنسان.. فالعبادة مظلة كبيرة يدخل في مضمونها إتقان اللغات الأجنبية .. و تعلم المهارات المنتجة .. و التعليم .. و الإبداع بكل أشكاله .. والإختراعات و إمتلاك أسرار الصناعة .. و كل ذلك ينطلق من قاعدة أصيلة ( أني مفوض من الخالق سبحانه و تعالي لإعمار الكون) وحتي تصلح القاعدة لحمل الإنسان الخليفة ينبغي أن تكون متجهة لله سبحانه و تعالي ” ففروا إلي الله … ” إلي الله وحده بلا شريك
إن العبادة بمفهومها المتسع هنا هي آداء ما خلقنا الله سبحانه و تعالي لأجله ..
وسيتبادر للذهن و هل حمل الأمانة منوطة بالأنسان المسلم دون غيره .. إذا رجعنا إلي الآية الكريمة سنجد أن الآمانه قبلها الإنسان كل إنسان فمن أي طريق وتفسير قيدنا ما جعله الله واسعا وجعلناه حكرا على المسلم فقط.. أسرار العلم و الميكنة و الفضاء بالكامل تم تطويرها من غير المسلمين وهي جزءا أصيلا من الأمانة.. عندما يكتمل إنضاج الوعي المسلم سيتعاون مع غيره في تكملة الطريق ولكن برشد ووعي أكثر أي بلا تدمير وبقيم عليا و حكمة أمرنا بها .. نحن بالوعي الوظيفي نحقق عبادة كاملة ليست منقوصة .. عبادة ليس بها شعوذة فكرية و موالد و زيارة للتبرك بقيور الأولياء و فرار للمساجد لعدم القدرة على الإنتاج .
عبادة بها نظرة للذات كيف أجعلها مؤهلة لحمل الأمانة الشاملة من تربية الأبناء وتكوين لأسرة منتجة وتوفير جو صالح للتعليم بلا إرهاب فكري مع تكوين للعقل الحر وامتلاك أدوات البحث لتطوير أدوات الإنتاج
عبادة بها اتساع في الرؤية بأن وظيفتي الحقيقية هي إستخدام ما نميته من مهارات في الإعمار و التنمية و ليس في الدمار و القتل و التخريب و السرقة.
الإنسان الخليفة هو من يسبح لله و هو يطلق كبسولة الفضاء مخترقا المجرات…
الخاتمة :
إقرأ .. هي الدليل و المرشد الوحيد لمعرفة أبعاد الأمانة هي المعين لك كإنسان لإجادة و ظيفتك كخليفة. وبدونها لن نتقن مهارات كثيرة كوضع رؤية وأهداف ورسالة حياتنا ومن خلالهم فقط ستتضح معالم إجابة السؤال لماذا خلقنا ؟
وبدون إقرأ
ستكون بيوت بلا أهداف حقيقية و حياة هشة بلا عمق ،و سيعلو الهذر على الجد ،و تنقلب الرحلة المنتجة لتصبح أياما تمر.
إقرأ .. كانت تمهيدا للتفويض بالخلافة … وكانت معين لفهم محتوي الأمانة و جوانبها المتعددة .. وقاعدة ذلك كله الإتجاه لله الحق دون سواه.