أنا ضد فكرة استغلال أي متنزه عام ” حديقة، كورنيش، شاطئ” وإسناده بيعاً او تأجيراً لجهات استثمارية.
حتى الهواء معظم الشعب لن يستطيع استنشاقه أو نفض الهم على أعتاب الكورنيش وألسنة الموج لتلقي به بعيداً وتعود بهواء جديد، !
نرى مثل تلك الأماكن في بلاد أخرى لاتُمس، وتظل مجانية ملكاً لكل مواطن.
هذا يُعد اغتصاب حق و حرمان وتقييد للناس.
معظمنا يتذكر الجملة الشهيرة لأسطورة الضحك النظيف ” إسماعيل يس ” في أحد أفلامه حينما نال حريته، فانطلقت به قدمه وطارت به روحه ونفسه دون أن يحدد وجهة إلى احد الميادين والمتنزهات العامة الخضراء المفتوحة دون حواجز او قيود، فظل يردد ” هوا ومياه وخضرا ببلاااش ! ” ألحمد لله.
فهل أصبح اليوم ما حبا الله به وطننا الغالي دون عناء او فضل من أحد من جمال الطبيعة والطقس والماء عزيزاً على أهله البسطاء ، ويشترى ايضاً بالمال الذي لايمتلكوه ، إذاً فماذا يتبقى لهم من وطنهم، وماذا يفعل من لايملك المال!!.
ونلفت أننا لا نتحدث هنا عن المتنزهات والشواطئ والمصايف التي تم تحويلها إلى سلعة وإحاطتها بالاسلاك والأسوار ويكأنها سكنات ، لايستطيع معظم الشعب حتى رؤيتها من بعيد، رغم سيل الإعلانات والدعاية عنها ليل نهار لتدخل بيوت معظم الشعب الذي رضى واقتنع بأبسط البسيط وهو المتنزهات العامة والشواطئ والحدائق المفتوحة والميادين . رضوا بمجرد لون اخضر ونسمة هواء ربانية ونظرة ولو من بعيد إلى النهر أو البحر الذي حبانا الله به من كل جانب ونوع ولم يتطلعوا إلى ما يبثونه ليل نهار . نحن نتحدث عن متنفسهم الوحيد من ضيق الشقق وحرها لافتين إلى ان الكثير منهم لايمتلك حتى التكييف وضيق الحال والنفس والصدر ويتطلع لساعة ينفض عنه غبار الهم ليستطيع معاودة الكدح من جديد ، افلا نترك لهم ثقباً يتنفسوا منه ويسترخوا قليلاً لصحتهم النفسية والتي يعود على الوطن نفعها وضرها !
دائماً كنت أنظر إلى معظم البلدان متقدمة كانت او نامية، لاجد بها الكثير من الميادين والساحات والحدائق والشواطئ تزين كل مدينة، ومناسبة للجميع، ومتاحة للجميع دون تمييز . ويقوم مسؤولوا الأحياء والمدينة على الاعتناء بها باستمرار، للحفاظ على جمالها وتوفير سبل بسيطة للترفيه كالمقاعد المظللة والمسارات والممشى وتوفير الأمان . فهي واجهة حضارية وجمالية لكل مدينة تنم عن جمال وطبيعة وتجذب الأنظار، وكل هذا مجانياً ، كما انها تقول وتعكس لأولي الأمر والمواطنين وحتى السائحين أن القائمين على تلك المدن والأحياء “المحليات” يستحقون التواجد في أماكنهم.
لا يجب أن نحول كل شئ إلى سلعة ، لاينبغي أن تكون الربحية هي الهدف الأول والأساسي في كل شئ، وإن كان لابد فلنبتعد قليلاً عن المتنفس الوحيد البسيط للطبقات الفقيرة وهي المتنزهات العامة وشواطئ النيل والشواطئ البحرية الشعبية. وفي اعتقادي أن هناك الكثير جداً من الأماكن الأخرى هناك بعيد حيث يمكن للاغنياء الوصول بسهولة بسياراتهم الفارهة او بطائراتهم وينفقون الملايين مثل الملاليم ،وتمتلئ القنوات وجميع وسائل التواصل بإعلاناتهم.
جدير بالذكر أننا هنا لم يكن منذ زمن للمواطن حق في الفراغ العام ، حتى تمت المطالبة به تقريباً في 2011 ، فينبغي ان يضمن الدستور هذا الحق وتحميه الدولة لتظل مصر تتنفس وتنبض بالحياة.