Site icon وضوح الاخبارى

الهوية الذاتية على وسائل التواصل الاجتماعي: من أنا في العالم الرقمي؟

الهوية الذاتية على وسائل التواصل الاجتماعي: من أنا في العالم الرقمي؟ 3

بقلم / د. هناء خليفة

في عصرٍ أصبح فيه الهاتف الذكي امتدادًا لأيدينا، وصفحات التواصل الاجتماعي مرآةً ليومياتنا، يبرز سؤال محوري: من أنا في هذا العالم الرقمي؟ هل تعكس صفحتي على “فيسبوك” أو “إنستجرام” حقيقتي؟ أم أنني أرتدي هناك قناعًا يُرضي الآخرين ويخفي ذاتي الحقيقية؟

الهوية: من الداخل إلي الخارج

الهوية الذاتية، كما تُعرف في علم النفس، هي إدراك الفرد لنفسه من حيث القيم، المعتقدات، الاهتمامات، والارتباطات الاجتماعية. إنها ليست ثابتة، بل تتشكل عبر التجربة والتفاعل مع البيئة. لكن مع بروز منصات التواصل، أصبح هناك “ساحة عرض” مستمرة، تُشجع على انتقاء ما نُظهره من أنفسنا، بل وتضخيمه أحيانًا.

بين الهوية الواقعية والهوية الرقمية

الباحثون يُميزون اليوم بين “الهوية الواقعية” و”الهوية الرقمية”. الأولى تنبع من الذات في سياقها الطبيعي، بينما الثانية تُبنى غالبًا وفق ما يُريده المتابعون أو ما يُحقق التفاعل. دراسات حديثة، مثل تلك التي أجرتها جامعة ستانفورد، تشير إلى أن 60% من المستخدمين يعترفون بتعديل صورتهم الذاتية على الإنترنت لتبدو أكثر جاذبية أو نجاحًا.

هذا “التحرير الذاتي” ليس سلبيًا دومًا. في بعض الحالات، تُساعد وسائل التواصل الأفراد على استكشاف ذواتهم أو التعبير عن جوانب من شخصياتهم لا يُتيحها الواقع. مثلًا، وجد باحثون أن الشباب الذين يعانون من خجل اجتماعي يستطيعون بناء صداقات وتقديم أنفسهم بطريقة أكثر ثقة عبر الإنترنت.

لكن أين تكمن المشكلة؟

المشكلة تبدأ حين تصبح الهوية الرقمية بديلاً عن الهوية الواقعية. حين يُصبح تقييم الذات مرتبطًا بعدد الإعجابات، وحين يشعر الفرد أن عليه التمثيل باستمرار. هذا التناقض يولّد اضطرابات نفسية مع الوقت، مثل القلق الاجتماعي أو الاكتئاب، كما تؤكد الجمعية الأمريكية لعلم النفس.

نحو توازن رقمي صحي

الوعي هو الخطوة الأولى. على الفرد أن يُدرك أن ما يُعرض على الإنترنت ليس الحقيقة الكاملة – لا عن نفسه ولا عن الآخرين. فكما نُظهر أفضل ما لدينا، يفعل الجميع ذلك. كما يجب تعزيز مهارات “المواطنة الرقمية”، أي استخدام وسائل التواصل بذكاء ومسؤولية، والحفاظ على خصوصيتنا، والصدق في التعبير عن الذات دون أن نخضع لضغط المثالية الزائفة.

مساحة لبناء الذات

وختاما الهوية على وسائل التواصل ليست مجرد صور ومنشورات،بل هي قصة نرويها عن أنفسنا للعالم، والوعي بكيفية كتابتها هو ما يصنع الفرق بين هوية تشبهنا وهوية نرهق أنفسنا لنبدو مثلها

الهوية على وسائل التواصل الاجتماعي هي مساحة لبناء الذات لا لطمسها. وبينما نُبحر في هذا العالم الرقمي، من الضروري أن نحمل معنا بوصلة الوعي، وأن نسأل أنفسنا من وقت لآخر: “هل ما أُظهره يعبر عني حقًا؟

الهوية الذاتية على وسائل التواصل الاجتماعي: من أنا في العالم الرقمي؟ 1

دكتورة هناء خليفة

دكتوراة في الإعلام من كليه الاداب جامعه المنصورة
مهتمة بقضايا الفكر والوعي

Exit mobile version