احدث الاخبار

الوجه المظلم للفضاء الرقمي: كيف تحمي نفسك من التحرش الإلكتروني؟

 

كتب: د. نجوان أبو اليزيد موسى
خبير تكنولوجي وذكاء اصطناعي وأمن سيبراتي

في زمن أصبحت فيه التكنولوجيا نافذتنا اليومية على العالم، باتت التهديدات الرقمية أكثر تعقيدًا وخطورة، وعلى رأسها “التحرش الإلكتروني”. لم يعد هذا النوع من الإيذاء حكرًا على الغرب أو المجتمعات المنفتحة، بل تسلل إلى جميع المجتمعات، بما في ذلك الدول العربية، مستغلًا الانتشار الواسع للهواتف الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي.

ما هو التحرش الإلكتروني؟

التحرش الإلكتروني هو سلوك عدائي أو مسيء يتم من خلال الإنترنت أو الأجهزة الذكية، ويتضمن إرسال رسائل غير مرغوب فيها، تهديدات، ابتزاز، أو نشر معلومات خاصة أو حساسة دون إذن. الخطر هنا يكمن في أن المعتدي لا يحتاج إلى التواجد فعليًا، بل يكفيه اتصال بالإنترنت ليحدث ضررًا نفسيًا واجتماعيًا بالغًا.

أرقام عربية صادمة: واقع يحتاج إلى وقفة

تشير الإحصائيات الصادرة عن وحدة الجرائم الإلكترونية في بعض الدول العربية إلى أن حالات التحرش الإلكتروني تزداد بنسبة 20% سنويًا. في مصر، كشف تقرير لمؤسسة أمان لمكافحة التحرش الرقمي أن أكثر من 60% من الفتيات بين سن 15 و25 عامًا تعرضن لنوع من أنواع التحرش عبر الإنترنت.

وفي السعودية، أظهرت دراسة صادرة عن هيئة حقوق الإنسان عام 2023 أن نحو 47% من مستخدمي الإنترنت الشباب واجهوا تنمرًا إلكترونيًا أو رسائل ذات طابع تهديدي. أما في الإمارات، فأطلقت الحكومة مبادرة “أمنك الرقمي”، بعد أن أظهرت بيانات وزارة الداخلية أن واحدًا من كل خمسة طلاب في المرحلة الثانوية تعرض لمضايقات إلكترونية.

أنواع التحرش الإلكتروني: خلف الشاشات يتغير القناع

1. التنمر الإلكتروني (Cyberbullying):
غالبًا ما يستهدف المراهقين والأطفال، ويشمل تعليقات سلبية متكررة، صور معدلة بهدف السخرية، أو ترويج شائعات.

2. الابتزاز (Sextortion أو الابتزاز العاطفي):
أحد أخطر الأنواع وأكثرها انتشارًا. يقوم المعتدي بتهديد الضحية بصور أو محادثات خاصة، وغالبًا ما يطلب مبالغ مالية أو خدمات معينة.

3. الملاحقة الرقمية (Cyberstalking):
وهي مراقبة تحركات الضحية على الإنترنت، والتعليق المتكرر المزعج، أو إرسال رسائل غير مرغوبة بشكل يومي.

4. التحرش الجنسي اللفظي عبر الإنترنت:
من أكثر السلوكيات شيوعًا في المجتمعات العربية، وغالبًا ما يتم من خلال الرسائل الخاصة أو التعليقات على الصور.

 

لماذا تتصاعد المشكلة في المجتمعات العربية؟

نقص التوعية الرقمية: كثير من المستخدمين لا يملكون المهارات الأساسية لحماية حساباتهم أو التفاعل الآمن عبر الإنترنت.

الوصمة الاجتماعية: خصوصًا للفتيات، ما يدفع العديد إلى عدم التبليغ خوفًا من الفضيحة أو التورط الأسري.

عدم وجود قوانين صارمة أو ضعف تطبيقها: على الرغم من وجود قوانين مكافحة الجرائم الإلكترونية في معظم الدول، إلا أن التطبيق أحيانًا لا يكون بنفس القوة.

التحول المفاجئ للتعلم والعمل عن بعد بعد كورونا: ما أدى لزيادة الوقت الذي يقضيه الأفراد – وخاصة المراهقين – على الإنترنت.

كيف نحمي أنفسنا؟: 8 قواعد ذهبية لحماية أطفالنا وأنفسنا

1. اضبط إعدادات الخصوصية: لا تجعل معلوماتك مرئية للجميع. استخدم الخيارات التي تتيح عرض المحتوى للأصدقاء فقط.

2. لا تثق بأي شخص عبر الإنترنت بسهولة: العديد من الحسابات مزيفة أو تخفي هوية مشبوهة.

3. كلمة المرور ليست تفصيلًا بسيطًا: أنشئ كلمة مرور قوية، مكونة من حروف وأرقام ورموز، وغيرّها كل 3 أشهر.

4. فعّل المصادقة الثنائية (2FA): تضيف طبقة حماية إضافية لحساباتك.

5. احذر من روابط التصيّد: لا تضغط على روابط غير معروفة تصلك في البريد أو الرسائل الخاصة.

6. احفظ الأدلة: التقط صورًا أو احتفظ بنسخ من الرسائل أو التهديدات.

7. احظر ولا ترد: لا تدخل في مشادة مع المعتدي. استخدم خاصية الحظر فورًا.

8. أبلغ عن كل محاولة تحرش: سواء عبر المنصة أو من خلال الجهات المختصة مثل الشرطة الإلكترونية.

دور الأسرة والمدرسة في المواجهة

يبدأ التصدي للتحرش الإلكتروني من البيت والمدرسة. يجب تعليم الأبناء ثقافة “الخصوصية الرقمية” منذ الصغر، وكيفية التعامل مع المواقف المزعجة بثقة ووعي. كما ينبغي أن تتضمن المناهج الدراسية موضوعات عن الأمان الرقمي والمواطنة الرقمية.

التشريعات العربية: بين التطوير والتفعيل

رغم أن أغلب الدول العربية لديها قوانين لمكافحة الجرائم الإلكترونية، إلا أن التطبيق يحتاج إلى آليات أسرع وأكثر شفافية. على سبيل المثال، في الإمارات هناك قانون يفرض غرامات تصل إلى 500,000 درهم على من ينشر معلومات خاصة دون إذن. وفي السعودية، تُعتبر جريمة الابتزاز الإلكتروني جناية يعاقب مرتكبها بالسجن والغرامة.

لكن تظل الحاجة ملحة لخطوط دعم نفسية، ومراكز إبلاغ إلكترونية تتيح التبليغ بسهولة وخصوصية، خاصة للنساء والمراهقين.

كلمة أخيرة: لأن سلامتك الرقمية… مسؤوليتك

كل خطوة نخطوها في الفضاء الرقمي يجب أن تكون واعية ومدروسة. التحرش الإلكتروني ليس حالة فردية عابرة، بل ظاهرة عالمية تحتاج إلى ثقافة رقمية، دعم مجتمعي، وقانون قوي. فلا تتردد في طلب الدعم أو الدفاع عن نفسك. ومهما اختلفت المنصات، تذكّر: خلف كل شاشة هناك إنسان… ومسؤولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى