الوضع العسكرى فى الخرطوم بحرى مقترناً مع الفاشر والجزيرة
كتبت : د.هيام الإبس
تمكن الجيش السودانى من إحراز تقدم فى منطقة السامراب وأجزاء من أحياء شمبات عقب معارك عنيفة ضد قوات الدعم السريع استمرت ليومين، وحسب مصادر، عززت القوات المسلحة انتشارها فى السامراب بالخرطوم بحرى مساء السبت.
يستخدم الجيش أسلوب التطويق فى الخرطوم بحرى .. بحذر شديد
فى الوقت ذاته، ربط الجيش بين منطقة الكدرو العسكرية وقواعده فى الحلفايا وصولاً إلى أم درمان عبر الجسر، هذه العملية جعلت قوات الدعم السريع تتراجع إلى الطرق التى تؤدى إلى محلية شرق النيل، مكتفية بالتعزيز العسكرى فى منطقة كافورى والمصانع الكبرى.
ويعتزم الجيش شن معارك برية فى منطقة كافورى بالخرطوم بحرى، حيث نشرت قوات الدعم السريع عناصرها بكثافة هناك مع تأمين مخارج النجاة نحو محلية شرق النيل من الناحية الشرقية، وفق شهود عيان.
وتعد منطقة كافورى من أهم الأحياء الراقية فى الخرطوم بحرى ، ولذلك شهدت عمليات نهب وسلب واسعة شملت غالبية المنازل الخالية من المواطنين بسبب الانتهاكات وتوقف الحياة العامة وانعدام الكهرباء، كما أن كافورى هى المنطقة التى كان يقيم فيها الرئيس المعزول عمر البشير مع عائلته، واشترى حميدتى منازل أيضاً فى الحى قبل اندلاع القتال، واشتهر قائد قوات الدعم السريع بدفع الأموال بسخاء مقابل شراء العقارات فى العاصمة الخرطوم.
الواقع الميدانى فى محلية الخرطوم بحرى شمال العاصمة تحول منذ سبتمبر 2024، عندما سيطر الجيش على جسر الحلفايا قادماً من أم درمان، مما يسهل عليه حركة الإمداد والجنود، إلى جانب ربط الجسر مع منطقة الكدرو العسكرية فى الخرطوم بحرى.
هذا يعنى تقليص مساحة قوات الدعم السريع التى تقطعت ما بين مصفاة الجيلى وأحياء بحرى دون نقاط تواصل كما اعتادت منذ اندلاع القتال منتصف أبريل 2023.
ووقعت معارك عنيفة السبت فى منطقة تماس بين الحلفايا وشمبات بالخرطوم بحرى، وتقدمت القوات المسلحة نحو إثنين من الأحياء فى شمبات، حال استمرار التقدم، فإنها قد تسيطر على جسر شمبات الرابط بين بحرى وأم درمان، ما يعنى إضعاف وجود قوات الدعم السريع فى المحلية.
وكان الجيش والدعم السريع قد تبادلا الاتهامات العام الماضى بتدمير جسر شمبات من اتجاه الخرطوم بحرى ، والذى خرج عن الخدمة منذ ذلك الوقت، وتمكنت القوات المسلحة من تحرير أحياء أم درمان ومبانى الإذاعة فى مارس 2024، مستفيدة من انقطاع الإمداد عن قوات الدعم السريع بين بحرى وأم درمان.
وتعد محلية الخرطوم بحرى من المناطق الغنية بتركيز المصانع العملاقة فى مجال الغذاء، والحديد والصلب، والطباعة، والمشروبات الغازية، ومطاحن الدقيق، جميع هذه المنشآت تعرضت إلى تدمير هائل، مما أفقد السودان بنية صناعية تقدر بأكثر من خمسة مليارات دولار.
تعتبر المنطقة التى تقع فيها المصانع فى الخرطوم بحرى من أصعب العمليات العسكرية التى تنتظر الطرفين حال تقدم الجيش لاسترداد منطقة كافورى ، لأنها تقع فى الجانب الشرقى من المحلية حيث تتمركز قوات الدعم السريع مع ضمان نقاط الإمداد من محلية شرق النيل.
ومهد الجيش الوضع العسكرى فى الخرطوم بحرى بعمليات نوعية استغرقت قرابة العام، قبل التحولات التى طرأت على المحلية منذ سبتمبر 2024، نفذ جنود الجيش عمليات كمين لقوات الدعم السريع فى منطقة الكدرو، كما نفذ الطيران الحربى ضربات جوية مكثفة أدت إلى تراجع جلب المقاتلين من مناطق أخرى، وهو ما يسمى فى تقاليد قوات الدعم السريع “الفزع”.
كل هذه التطورات تجعل من استعادة القوات المسلحة محلية الخرطوم بحرى مسألة وقت، حسب المراقبين العسكريين، سيما مع تفضيل قوات الدعم السريع حماية ولاية الجزيرة وتوسيع نطاق الهجمات على مدينة الفاشر بولاية شمال كردفان.
ويربط محللون عسكريون بين توسيع العمليات الحربية بالنسبة للجيش فى أكثر من 16 بؤرة قتالية وبين إضعاف قوات الدعم السريع وإفقادها خاصية “الفزع”، لأنها تعتمد على حشد المقاتلين من منطقة إلى أخرى حال شعورها بالتهديد من فقدان منطقة أو السيطرة على مدينة جديدة، خلال سيطرة قوات الدعم السريع على الخرطوم بحرى لم تكن الحياة بالنسبة للمدنيين قابلة للتطبيع نتيجة توقف الأسواق والمستشفيات، وتفشى المجاعة والوبائيات، وتوفى المئات جراء انعدام الرعاية الصحية، خاصة كبار السن، والأطفال، والنساء الحوامل، كما نزح أكثر من ثلث المواطنين إلى الولايات المجاورة وخارج البلاد.
فى الأثناء، لم تتمكن قوات الدعم السريع من إدارة المحلية وعرضت حياة المدنيين للخطر بمداهمة المنازل ونهب المقتنيات والسيارات والأموال والهواتف النقالة، كما أمرت بإخلاء بعض الأحياء لأغراض عسكرية واستخدمت مئات المنازل لتسكين عناصرها وقياداتها.
وقبل اندلاع الحرب، كانت قوات الدعم السريع تنتشر فى ثلاثة معسكرات رئيسية فى الخرطوم بحرى: فى حطاب، وكافورى، وسلاح المظلات التابع للجيش، الذى حصلت عليه إبان حكم البشير رغم اعتراض الضباط والجنود على هذه الخطوة، لأن قوات حميدتى سيطرت على مرفق استراتيجى يقع بالقرب من جسر شمبات الرابط بين الخرطوم بحرى وأم درمان
من السيطرة على مناطق عسكرية محدودة فى الخرطوم بحرى، فى سبتمبر 2024، أصبح الحديث ممكناً عن سيطرة القوات المسلحة على أكثر من أحياء الحلفايا، وجزء من شمبات، والكدرو، والسامراب. بالإمكان نشر الجيش وحداته القتالية فى منطقة دردوق القريبة من منطقة السامراب، إلى جانب وضع أقدامه منذ ثلاثة أشهر على جسر الحلفايا.
ويقترب الجيش من السيطرة على المدينة الثانية التى تشكل العاصمة، يستخدم جنود الجيش والقوات المتحالفة على الأرض فى الخرطوم بحرى أسلوباً وتكتيكات جديدة فى حرب المدن، بالاعتماد على العربات القتالية الصغيرة مع وضع الأسلحة النوعية على الكتف، من شارع إلى آخر، وتدمير الأهداف العسكرية كما استبدل الجنود العمليات التقليدية بالعمليات النوعية، أى الاعتماد على هجوم مباغت يدمر أكبر قدر من عتاد الطرف الآخر.
إزاء هذه التطورات الميدانية، فإن سيطرة القوات المسلحة، وقياساً بمجريات المعارك الأخيرة حتى أمس السبت 14ديسمبر 2024، باتت وشيكة على المدينة الثانية التى تشكل العاصمة المثلثة.