امتحان الثانوية العايمة

بقلم الفنان / أمير وهيب
اتذكر في السنة النهائية لاتمام المرحلة الدراسية المدرسية الصف الثالث الثانوي و اسم شهرتها ” ثانوية عامة ” ، و اكتسبت هذا الاسم من سياسة مجانية التعليم المرتبط بثورة يوليو ١٩٥٢ بعد أن كان اسمها ” التوجيهية “.
لأن ثانوية عامة جوهر كيانها هو امتحان عام ، شامل ، كل مستويات المدارس الحكومية و الخاصة ، لكي ينال المواطن المصري في عهد جمال الحق في الالتحاق ب ” الجامعة ” بعد أن كانت قاصرة على فئة معينة.
و اتذكر أيضا أن فترة الامتحانات كانت من ٦ يونيو الي ٢١ يونيو ١٩٨٧ و كان يوم عيد ميلادي ضمن جدول الامتحانات.
يوم ٥ يونيو مساء ، ليلة بدء الامتحانات ، قام ” خالي ” المحامي الشهير ” طلعت نجيب شرقاوي ” بزيارتنا و سبب الزيارة هي جلسة بيني و بينه ، بغرض نصيحة ، مضمونها هي عدم الارتباك والثبات وقوة الأعصاب ، واتضح أنها اهم النصائح فعلا.

دخلت الامتحانات ب ” ثقة ” ، و في هذه السنة الدراسية ١٩٨٦/٨٧ ، قامت الحكومة المصرية بتعيين الدكتور ” احمد فتحي سرور ” وزيرا للتربية و التعليم ، و بدأ ، على حسب التعليمات ، وضع امتحانات على درجة عالية جدا من الصعوبة ، صدق او لا تصدق ، امتحانات الثانوية العامة في يونيو ١٩٨٧ ، هي الأصعب في تاريخ الثانوية العامة بشهادة المتخصصين ، حتى أنه بعد ظهور النتيجة ، كانت النتائج مفزعة و بدأ الوزير في اختراع أساليب لرفع درجة المجموع أذكر منها أنه اقترح إضافة درجات اللغات على المجموع لرفع النسبة المئوية في محاولة لإكساب الطالب درجات إضافية.
* لازلت ثانوية عامة تطبق لغرض أساسي هو الحفاظ على مبادئ ثورة يوليو ، حتى بعد أن تغيرت خريطة التعليم و ظهور حوالي ٣٠ جامعة خاصة و ٢٥٠ كلية خاصة ، لازلت مصر ، تطبق سياسة ” الثانوية العامة “.
* و لمزيد من الشرح ، ثانوية عامة ، هي فرصة للمواطن المصري الفلاح الفقير للالتحاق بالجامعة ، و كانت فرصة حقيقية ، في فترة تاريخية ، كان تعداد سكان مصر يناسب هذه الخطة و لكن مع زيادة السكان ، و مع استمرار نفس عدد مقاعد الكليات ، بدأت صعوبة الامتحانات ، لكي يلتحق نفس العدد المتعارف عليه.
* جوهر ” ثانوية عامة ” هو الإمتحان المؤهل للالتحاق بالجامعة ، و اتخذ صفة ” عام ” ، لكي يكون امتحان طالب المدرسة الحكومية هو نفس أمتحان طالب المدرسة الخاصة. امتحان عام لا فرق بين جودة التعليم ، لا فرق بين حكومية و خاصة.
* و لكن هذا الوضع تغير مع مرور السنوات ، لأن متقدمين للامتحان كانوا الف مقابل مائة مقعد في الجامعة ، و لكن تعداد مصر زاد بشكل أبطل هذه السياسة ، المتقدمين للامتحان أصبحوا عشرة آلاف و المقاعد في الجامعة لم تزيد ، فاضطرت الوزارة لوضع امتحان بالغ الصعوبة.!!!!
* في سنة ١٩٩٦ ، تأسست أول كلية خاصة ، و في ازدياد حتى يومنا هذا ، و عاد التعليم لما كان عليه قبل ثورة يوليو ١٩٥٢ ، و مصر لازلت في غيبوبة ثانوية عامة.
* بهذا الشكل ، تكون اسمها ” ثانوية عايمة ” ، لأن نسبة كبيرة تتجاوز ال ٧٠ ٪ من طلبة ثالثة ثانوي لا تفكر نهائيا في الالتحاق بالجامعات المصرية ، حكومية و أهلية.
* أقترح ، تعديل السياسة لتناسب الوضع الحالي ، أن يكون لكل جامعة و كلية شروط و امتحاناتها ، تماما مثل كلية الفنون الجميلة ، على أن ينتهي دور وزارة التربية و التعليم في مصر عند الصف الثاني الثانوي ، و يبدأ كل طالب في الصف الثالث الثانوي اختيار المواد التي تؤهله للالتحاق بذات الكلية المستهدفة و بالتنسيق معها مباشرة دون مكتب التنسيق.
* إنما ، تطبيق نظام و سياسة الثانوية العامة ، و مضمونها مجانية التعليم الجامعي ، في عدم وجود تطبيق لهذه السياسة من التحاق جامعي مجاني ، تكون فعلا ثانوية عايمة ، و هو أمر مضحك.
* لأن وزارة التعليم تصر على وضع امتحان على درجة من الصعوبة استهدافا لعدد المقاعد المناسب لجامعتها في حين أنه أصبح هناك مقاعد شاغرة في كليات أخرى.
* و هو أمر مريب أن تطلب هندسة جامعة القاهرة ٩٥ ٪ في نفس توقيت قبول كلية هندسة جامعة أخرى ٨٥٪ مثلا.
* مما يضفي شك و استهتار على الجامعات الخاصة لأنه يوحي أن الجامعة الخاصة يمكنها قبول طالب غير مؤهل لمثل هذا النوع من الدراسة.
أمير وهيب
فنان تشكيلي وكاتب ومفكر