أراء وقراءاتالعالمالمجتمع

انتحار العقول .. بقلم الدكتورة : وفاء الشيخي

 

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

كثيرا ما تستوقفني مواقف عميقة في قصة سيدنا موسى مع الخضر عليهما السلام في سورة الكهف. مواقف جليلة فيها دعوة الى التفكر والتدبر ،والعلم والتعلم ، فرغم ان موسى كليم الله عليه السلام ،كان يظن انه اعلم الناس الا انه ركب البحر ليلقى العبد الصالح عندما علم انه اعلم منه ، وان الله أتاه رحمة من عنده وعلمه من لدنه علم { فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65)}.

والرحمة عندما تجتمع مع العلم يتحقق أمران في غاية الاهمية : إتباع الحق ورحمة الخلق . قد يفتن بعض الناس بعلمه ومعلوماته فيصيبه العجب والغرور والكبر والتكبر ، ولكن سيدنا موسى العالم ،النبي ،الرسول ، كليم الله يتجلى تواضعه في قوله: ” هل اتبعك”، {قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66)}.فبين للخضر عليه السلام انه سيكون التابع له والمتعلم منه العلم الذي تأسس على الرشد والحكمة .

ولكن القرآن  الكريم ينقلنا لمشاهد لم يتوقعها سيدنا موسى عليه السلام ، من اغراق السفينة الى قتل الغلام ،الى اقامة الجدار ، فاستنكرها عقله وابتها فطرته السليمة ، رغم علمه بان الخضر يملك من العلم مالا يملكه هو، ورافقه وفق اتفاق مسبق بعدم السؤال عن اي شئ حتى يحدث له منه ذكرا . الا ان موسى عليه السلام أدلى برأيه وبين رؤيته واستنكر ما ما شاهده مخالفا لمبادئه وعلمه،ومنافيا لعقله الواعي، وفطرته السليمة . وفي هذا دليل على ان الامة وهي التي تقتدي بعلمائها ، وشيوخها ،وأئمتها ، وحكامها، وتتبع خطاهم ورشدهم ،تملك من الحق والجرأة في ان تراجعهم، وتصوبهم، وتنبههم وتقول ما ترى انه الحق في إطار آداب العلم ،وأدب الاختلاف، والاحترام والتقدير ، لا تبخيس ولا تقديس.

وعلى الطرف الاخر ان يتقبل الرؤى والاختلاف بعيدا عن لغة التكفير والتفسيق والتظليل والتجهيل ، والتحقير ،فما أعظم أن يقترن العلم بحسن التدبر والتفكير والتعبير والتواضع. التفكير وإعمال العقل ،يحصن الانسان من زيف الوعي ،ولبس المعلومات وغثاءالمعرفة، كما يحصنه من فراعين العصر الذين تعددت اشكالهم وعباءاتهم ، يستخفون اقوامهم واتباعهم وينحرون عقولهم .

ان في تعطيل العقل والفكر والخوف من التفكير والتحليل والتفحيص والتمحيص ما يجعل الناس صيد سهل لأجندات خفيه ،وايدولوجيات ، وشعارات فكرية زائفة ،وأقنعة قبيجة في ظاهرها الصلاح وفي باطنها الهلاك والخراب والدمار ، و يصبحون أداة طيعة لتنفيذ أهدافهم ومصالحهم الشخصية ، فقد تنوعت الفتن وتعددت أشكالها وأنواعها في زماننا هذا، من فتن في الدين يحرفها الغالين ويؤلها الجاهلين وينتحلها المبطلين ، الى فتن في السياسة يترأسها التافهين ويطبل لهم المنافقين ويقع ضحيتها المغفلين . فلا تخافوا من التفكير والتفكر والمناقشة والحوار، وإلا ستجبرون عقولكم على الانتحار .

د. وفاء الشيخي
د. وفاء الشيخي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.