السودان

انهيار أرضى مدمر ..مأساة أهالي جبل مرة.. مئات الجثث تحت الطين والصخور 

جبل مرة يبتلع قرية ترسين فى دارفور

كتبت/د.هيام الإبس

 

في واحدة من أسوأ الكوارث الطبيعية التي يشهدها إقليم دارفور منذ سنوات، توفي جميع سكان قرية “ترسين” الواقعة في وسط جبل مرة، نتيجة انزلاقات أرضية مدمّرة حدثت يوم الأحد، الموافق 1 سبتمبر 2025، عقب هطول أمطار غزيرة استمرت لأيام.

 

أفادت مصادر محلية وشهادات موثوقة أن الانهيار الأرضي العنيف الذي ضرب منطقة جبل مرة في إقليم دارفور أسفر عن كارثة إنسانية غير مسبوقة، حيث لا تزال مئات الجثث مدفونة تحت طبقات الطين والصخور الثقيلة، وسط غياب شبه كامل للآليات والفرق المختصة بعمليات الإنقاذ.

 

ووفق معلومات  من أهالٍ في المنطقة، اضطر السكان إلى استخدام أدوات يدوية ووسائل بدائية، بل وأيديهم العارية، في محاولات يائسة لاستخراج الضحايا من بين الركام، فيما وثّقت مقاطع مصورة مشاهد مأساوية تُظهر حجم الدمار والحزن العميق الذي يخيّم على المنطقة.

 

أعلنت حركة “جيش تحرير السودان”، الاثنين، أن ما لا يقل عن ألف شخص لقوا حتفهم في انهيار أرضي دمر قرية ترسين في منطقة جبال مرة غرب البلاد، ولم ينجُ سوى شخص واحد.

 

وقالت الحركة التي يقودها عبدالواحد محمد نور، في بيان، إن الانهيار الأرضي وقع، الأحد 31 أغسطس 2025، بعد أيام من هطول أمطار غزيرة، وفقاً لوكالة “رويترز” للأنباء.

 

وناشدت الحركة، التي تسيطر على المنطقة الواقعة في إقليم دارفور، الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة الدولية المساعدة في انتشال جثث الضحايا، بمن فيهم رجال ونساء وأطفال، وذكرت أن القرية “سُوّيت بالأرض تمامًا”.

 

قرية ترسين تختفي من الوجود

 

وقعت الكارثة في قرية ترسين الواقعة في منطقة جبال مرة بولاية وسط دارفور، وهي إحدى القرى المعروفة بإنتاج الحمضيات في المنطقة، أكدت حركة جيش تحرير السودان أن “المعلومات الأولية تشير إلى وفاة جميع سكان القرية الذين يُقدّر عددهم بأكثر من ألف شخص، ولم ينج منهم سوى شخص واحد فقط”.

 

وصفت الحركة الانهيار الأرضي بأنه “هائل ومدمر” وأنه “دمر بالكامل” جزءاً من منطقة معروفة بإنتاج الحمضيات، وأضافت أن الكارثة وقعت نتيجة “انزلاقات أرضية واسعة سببتها الأمطار الغزيرة التي هطلت خلال الأسبوع الأخير من أغسطس 2025”.

 

شاهد عيان يروي التفاصيل المؤلمة

أفادت منظمة مناصرة ضحايا دارفور عبر منصة “تويتر” بأن شاهد عيان أكد لها أن “عدد سكان القرية يقدر نحو ألف شخص لم ينجو منهم إلا واحد فقط”، وأشارت المنظمة إلى أن الكارثة وقعت نتيجة “هطول الأمطار الغزيرة التي أدت إلى انزلاقات أرضية أودت بحياة معظم سكان القرية”.

 

النداءات العاجلة للمساعدة الدولية

طالبت حركة جيش تحرير السودان الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والدولية بـ”التدخل لتقديم المساعدة وانتشال جثامين الضحايا”، وأكدت الحركة أنها تحتاج إلى مساعدة عاجلة في “انتشال جثث الضحايا من رجال ونساء وأطفال” المدفونين تحت الأنقاض والتراب.

 

وقال بيان الحركة إن القرية “سُوّيت بالأرض تمامًا” ودُمرت بساتين الحمضيات التي كانت تشتهر بها المنطقة بالكامل.

 

حاكم دارفور يدعو للتدخل العاجل

من جهته، وصف حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي الحادثة بـ”مأساة إنسانية تفوق حدود الإقليم” الذي تناهز مساحته نحو خُمس مساحة السودان، وناشد مناوي “المنظمات الإنسانية الدولية التدخّل العاجل لتقديم الدعم والمساعدة في هذه اللحظة الحرجة”.

 

وقال في بيان إن “المأساة أكبر من طاقة أهلنا وحدهم”، مضيفاً: “فقدنا عدداً كبيراً من أهلنا في كارثة طبيعية مدمرة”.

 

السياق الإنساني والحرب الأهلية

لجأ السكان الذين فروا من الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في ولاية شمال دارفور إلى منطقة جبال مرة حيث لا يتوفر الغذاء والدواء الكافي، العديد من الأشخاص الذين نجوا من النزاع المسلح في شمال دارفور قد سعوا للحصول على الأمان في منطقة جبال مرة، حيث تعاني من نقص في الموارد الأساسية كالطعام والدواء.

 

أزمة إنسانية متفاقمة

وقد تركت الحرب المستمرة منذ عامين أكثر من نصف السكان يواجهون أزمة جوع، ودفعت بالملايين إلى النزوح من منازلهم مع قصف الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، تضاف هذه الكارثة المأساوية إلى ما وصفته الأمم المتحدة بأنها “واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم”.

 

الحرب الأهلية في السودان

صراع دامي منذ أبريل 2023

منذ منتصف أبريل 2023، يشهد السودان حرباً دامية بين الجيش و”قوات الدعم السريع”، أغرقت البلاد في أزمة إنسانية حادّة، تعدّها الأمم المتحدة من الأسوأ في التاريخ الحديث. أودت الحرب المستعرة بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان و”قوات الدعم السريع” بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتى)، بحياة عشرات الآلاف.

 

إحصائيات مروعة للنزاع

تسبّبت الحرب في تهجير أكثر من 14 مليون شخص، وفي “أسوأ أزمة إنسانية في العالم”، على حدّ تعبير الأمم المتحدة، تشير بعض التقديرات إلى أن الحرب تسببت في مقتل أكثر من 150,000 شخص ونزوح أكثر من 14 مليون شخص داخل البلاد، بينما تقدر أبحاث من جامعات أمريكية أن عدد القتلى حوالي 130,000.

 

ظروف إنسانية بالغة الصعوبة

تأتي هذه الحادثة في ظل أوضاع مأساوية يعيشها سكان دارفور من الأساس، بفعل النزاع المستمر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، الأمر الذي دفع آلاف العائلات إلى النزوح نحو مناطق أكثر أمناً مثل جبل مرة.

 

أعلنت منظمة الصحة العالمية، الأحد الماضي، أن مدينة الفاشر لا تزال محاصرة منذ أكثر من 500 يوم، ويُحرم نحو 260 ألف شخص من وصول المساعدات الإنسانية إليها.

 

أهمية المنطقة المتضررة

تُعتبر قرية ترسين واحدة من أبرز مناطق جبل مرة في إنتاج الموالح والحمضيات، مما يجعل الكارثة خسارة مضاعفة على مستوى السكان والزراعة المحلية. كانت القرية معروفة ببساتين الحمضيات التي دُمرت بالكامل في الانهيار.

 

ملاذ آمن للنازحين

تخضع مناطق جبل مرة لسيطرة جيش تحرير السودان جناح عبدالواحد محمد النور، وهي الحركة التي لم تنضم لاتفاق جوبا، ولكنها في الوقت نفسه لم تنضم لأي من طرفي القتال الدائر في السودان.

واستقبلت مناطق جبل مرة الآلاف من النازحين من أماكن القتال من مختلف أنحاء الإقليم، والذين نزحوا بسبب القصف المتبادل بين طرفي الحرب.

 

الاتهامات بالإبادة الجماعية

في يناير، حددت الولايات المتحدة أن قوات الدعم السريع وميليشياتها ترتكب إبادة جماعية في السودان. رفضت قوات الدعم السريع هذا الادعاء وقالت: “أمريكا عاقبت سابقاً مناضل الحرية الأفريقي العظيم نيلسون مانديلا، وهو ما كان خطأً”.

 

العديد من سكان دارفور يعتقدون أن قوات الدعم السريع وميليشياتها الحليفة تقوم بحملة تهدف إلى تحويل المنطقة المتنوعة عرقياً إلى منطقة يحكمها العرب.

موسم الأمطار وخطر الكوارث

تأتي هذه الكارثة في إطار موسم الأمطار في السودان، حيث تسببت الأمطار الغزيرة المستمرة في انزلاقات أرضية واسعة، أشارت المصادر المحلية إلى أن سكان القرى المحيطة بالمنطقة المنكوبة يعيشون حالة من الذعر والخوف، وسط توقعات بأن تتعرض هذه القرى لانزلاقات أرضية مشابهة في ظل استمرار الأمطار الغزيرة.

 

ضعف البنية التحتية

تزيد حالة ضعف البنية التحتية والمرافق العامة في المناطق الريفية النائية من خطورة مثل هذه الكوارث الطبيعية، خاصة في ظل انشغال السلطات بالحرب الأهلية المستمرة.

 

المخزونات الطبية والإمدادات

أشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن المخزونات الطبية في مدينة الفاشر نفدت منذ فترة طويلة، فيما تظل الاحتياجات الصحية في مستوى “حرج”، هذا الوضع يعقد من جهود الإغاثة والاستجابة للكوارث الطبيعية مثل انهيار جبال مرة.

 

الحدث المفاجئ في جبل مرة أعاد تسليط الضوء على هشاشة الأوضاع البيئية في دارفور، وفتح الباب واسعًا أمام تساؤلات ملحة حول مدى جاهزية السلطات المحلية للتعامل مع الكوارث الطبيعية في ظل التحديات السياسية والأمنية المعقدة التي يشهدها السودان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى