
كتبت/د.هيام الإبس
أفادت مصادر ميدانية لتنسيقية لجان مقاومة الفاشر بأن سلاح الجو السوداني نفذ، خلال الساعات الماضية، غارات جوية وصفت بـ”العنيفة والدقيقة” استهدفت تجمعات استراتيجية لقوات الدعم السريع في المحور الجنوبي لمدينة الفاشر بولاية شمال دارفور، ما أدى إلى خسائر كبيرة في صفوف الأخيرة، وسط تصاعد أعمدة دخان كثيفة من مواقع القصف.
وصد الجيش السوداني والقوات المشتركة التابعة للحركات المسلحة هجوماً عنيفاً من قوات “الدعم السريع” على نواحي المحور الجنوبي لمدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور، وأجبرها على التراجع على إثر توغلها بصورة ملاحظة، وبحسب مصادر عسكرية، فإن الأخيرة بادرت، قبيل الهجوم، إلى قصف معسكر أبوشوك للنازحين والمستشفى “السعودي” بصورة عنيفة ومتواصلة، مستخدمة المدفعية الثقيلة والطائرات المسيرة، وأشارت إلى أن الجيش رد بقصف مدفعي مماثل، استهدف مواقع وتمركزات “الدعم السريع” في المدينة.
كما شن طيران الجيش غارات جوية مكثفة استهدفت تجمعات “الدعم السريع” في سوق المواشي وأحياء أولاد الريف والوادي الواقعة في المحور الجنوبي، وقعت على إثرها انفجارات عنيفة وتصاعد الدخان بصورة كثيفة في سماء تلك المناطق.
المراقبون يعتبرون أن هذه العملية الجوية قد تكون بداية لتحوّل نوعي في إدارة المعركة، لا سيما مع الحديث عن تجهيزات مكثفة من قبل الجيش لاستعادة زمام المبادرة جنوب المدينة.
وتواصل “الدعم السريع” هجماتها على هذه المدينة منذ أسابيع عدة، بهدف السيطرة عليها باعتبارها آخر معقل للجيش في إقليم دارفور، في محاولة لتحقيق مكاسب استراتيجية في المنطقة، في وقت يعاني المواطنون الذين فضلوا البقاء على رغم الحصار المستمر منذ مايوعام 2024 ظروفاً قاسية، مما أدى إلى ندرة المواد الغذائية وانعدام الأدوية المنقذة للحياة.
من جانبها، أشارت “شبكة أطباء السودان” إلى خطورة تفاقم الأوضاع الإنسانية بمدينة الفاشر، مؤكدةً أن نقص الأدوية، وندرة الكوادر الطبية، وانعدام الخدمات الصحية، تضاعف معاناة السكان.
وتهيمن “الدعم السريع” على معظم إقليم دارفور، باستثناء الفاشر والمناطق الواقعة قرب الحدود في شمال دارفور، التي لا تزال تخضع للسلطة المركزية، إضافة إلى محلية طويلة وثلاث محليات في جبل مرة تخضع أيضاً لسيطرة “حركة تحرير السودان” بقيادة عبدالواحد نور.
سلاح جديد
في الأثناء أكد نائب قائد الجيش شمس الدين كباشي أن لا تفاوض مع “الدعم السريع”، وأن الحرب مستمرة، ولن تتوقف إلا باستسلام “الخونة والمارقين”، مشيراً إلى قرب انطلاق عمليات عسكرية واسعة النطاق لتحرير ولايات دارفور، إذ ستكون مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان مركزاً رئيساً لهذه العمليات. وكشف كباشي، خلال زيارته إقليم كردفان، عن دخول سلاح جديد ونوعي لمدينة الأبيض، تمهيداً لاستعادة مدن الخوي والنهود بولاية غرب كردفان، والدبيبات بجنوب كردفان، من قبضة “الدعم السريع”، مؤكداً أنها محطات لدخول الفاشر ودارفور.
ووجه نائب قائد الجيش بتفريغ مدينة الأبيض والمدن الأخرى من المسلحين، تطبيقاً لقرار مجلس السيادة القاضي بحسم “الفوضى والتفلتات” التي تحدث من المقاتلين بمختلف تشكيلاتهم.
وتسيطر “الدعم السريع” على مواقع عدة في شمال كردفان وغربها، بما في ذلك الخوي والنهود، إذ تمتد سيطرتها إلى الحمادي والدبيبات، وصولاً إلى طيبة قرب الدلنج في جنوب كردفان.
إسقاط مسيًرة
في المحور ذاته، أعلن المتحدث باسم “الدعم السريع” إسقاط دفاعاتها الجوية مسيًرة تابعة للجيش في منطقة مرشنق بولاية جنوب دارفور.
وأشار المتحدث في بيان إلى أن قواتهم ستواصل رصدها ويقظتها الميدانية لحماية المدن والقرى وأمن المواطنين، ولن تسمح بأي تهديد يستهدف استقرار الإقليم.
ووفقاً لوسائل إعلام محلية، فإن المسيرة قامت قبل إسقاطها بقصف سوق منطقة منواشي، مما أدى إلى مقتل شخصين في الأقل، امرأة ومسلح من “الدعم السريع”، وإصابة آخرين من بينهم عامل في السوق وامرأة أخرى، نقلوا على إثرها إلى المستشفى.
وأوضح مواطنون أن المضادات الأرضية التابعة لـ”الدعم السريع” تمكنت من إصابة الطائرة، وبث ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تظهر المسيًرة في سماء المدينة أثناء استهدافها بالمضادات الأرضية واشتعالها في الجو قبل سقوطها أرضاً.
وخلال هذا الأسبوع شن الجيش هجمات بالمسيًرات على مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، بالتزامن مع أداء القسم للمجلس الرئاسي ورئيس الوزراء لحكومة “تأسيس”، مما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى.
انفلات أمني
في محور كردفان، تدهور الوضع الأمني في مدينة أم روابة بولاية شمال كردفان خلال الأيام الماضية، مما تسبب في تزايد حالات النهب الليلي واقتحام المنازل، وشكا عدد من المواطنين من حدوث انفلاتات واعتداءات من عناصر مسلحة تنشط في الأحياء الطرفية للمدينة، بخاصة خلال الأوقات المتأخرة من الليل وحتى قبيل الفجر، مشيرين إلى وقوع أعمال نهب متفرقة طالت عدداً من المنازل بأحياء القدس وعثمان بن عفان شمال المدينة. وأفاد هؤلاء المواطنون بأن المسلحين نفذوا عمليات اقتحام وتهديد بالسلاح داخل المنازل، وأشاروا إلى أن الأسواق لم تسلم من هذه الموجة، إذ تشهد سوق المدينة، بين الحين والآخر، عمليات كسر ونهب تستهدف المتاجر والدكاكين، بخاصة السوق الجنوبية المعروفة بـ”السوق الشعبية” أو سوق الفور.
مساعدات لترسين
إنسانياً أفاد المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك بأن العاملين في المجال الإنساني ينسقون الاستجابة للانهيار الأرضي المدمر الذي ضرب قرية ترسين في ولاية جنوب دارفور بعد أيام من هطول أمطار غزيرة، في وقت تمكن فريق مساعدات من الوصول إلى القرية المدمرة حاملاً مواد إغاثية وطبية.
وأشار دوجاريك، في مؤتمر صحفي إلى أنه لم يجر التحقق بعد من عدد القتلى، إذ إن هطول الأمطار الغزيرة المستمر والتضاريس الوعرة تجعل من الصعب للغاية الوصول إلى المجتمعات المتضررة، موضحاً أن فرقاً تضم ما يقرب من 12 منظمة غير حكومية محلية ودولية ووكالة أممية توجهت إلى القرية المنكوبة وتتركز مهمتها في التحقق من عدد الأشخاص المتضررين، إضافة إلى تقييم الاحتياجات العاجلة والاستجابة لها، وأحضروا معهم إمدادات أساسية لما يصل إلى 750 شخصاً، بما في ذلك مجموعات طبية ودعم غذائي ومواد غير غذائية وإمدادات أساسية أخرى، ولفت إلى أنه جرى نشر عيادات صحية متنقلة وفرق طبية طارئة لتقديم الرعاية الفورية على الأرض، وقال إن الاستجابة تستهدف الناجين في ترسين والقرى المجاورة التي تأثرت بالكارثة.
وأوضح المتحدث باسم الأمم المتحدة أن جهود الاستجابة تم التنسيق لها مع شركاء تمت تعبئتهم في قولو وسط دارفور، وطويلة شمال دارفور، مضيفاً أن المجتمعات المحلية كانت في مقدمة المستجيبين، في وقت يعمل الشركاء في المجال الإنساني على استكمال أعمالها وتقديم المساعدة المنقذة للحياة.
من جهتها قالت منظمة “أنقذوا الأطفال” إن فريقها وصل إلى ترسين بعد رحلة استغرقت أكثر من ست ساعات على ظهور الحمير، وأفادت في بيان بأن فريقها المكون من 11 موظفاً أوصل الدفعة الأولى من الإمدادات الطبية الطارئة والغذاء والمياه والأغطية البلاستيكية.
وتتضارب الأنباء حول عدد من قضوا في الانزلاقات الأرضية التي شهدتها القرية، إذ أعلنت وزارة الصحة السودانية أن شخصين فقط قتلا في المنطقة، بينما يتحدث قادة من حركة تحرير السودان – قيادة عبدالواحد نور عن مصرع ما يزيد على 1500 شخص.