المجتمعتقارير وتحقيقاتمصر

بطن البقره .. منطقة منسية رغم قربها من أشهر المعالم الاسلامية والقبطية

جمعيات خيرية واعلاميون وفنانون يتاجرون بمأساة الأهالي

3 الاف إنسان يعيشون بلا صرف أو مدرسة أو مستشفى 

رساله من عم سيد الى الفنان محمد صبحي والداعية عمر حالد

منظر عام لبطن البقرة

تحقيق وتصوير : عزه السيد

عند منحدر جبل الفسطاط بجوار المسجد التاريخي الشهير للصحابي الجليل عمرو بن العاص، وأمام مجمع الأديان بمصر القديمة، تقع منطقة بطن البقرة . وبالرغم من وجودها في هذه المنطقة التاريخية العريقة، فإن الخدمات قد غابت عنها، ويشعر السكان بأن يعيشوا بمنطقة معزولة خارج إهتمامات كل الحكومات التي تعاقبت على إدارة مصر  .

ولأن مأساة بطن البقرة تعد حلقة في مسلسل معاناة سكان العشوائيات، لذلك قررت مراسلة ( وضوح ) التوجه لتلك المنطقة المدفونة وسط أجمل بقاع مصر القديمة للإستماع لإستغاثات الأهالي وتوثيق معاناتهم .

أصل التسمية

وصلنا إلى تلك البقعة الواقعة عند منحدر جبل الفسطاط ما بين أقدم مساجد مصر “مسجد عمرو بن العاص”و”الكنيسة المعلقة”أقدم المعالم القبطية. ففى الطريق إلى مدينة الفسطاط توقفنا عند تلك المنطقة التى تحيطها الزخارف الفنية وتماثيل الجبس وهى منطقة” بطن البقرة”ولعل سبب تسميتها بهذا الاسم يرجع إلى وقوعها فى منخفض أرضى عميق بالإضافة إلى اشتغال سكانها بتربية الأبقار لتوريدها إلى “المذبح”الذى لا يبعد كثيرًا عنها، وبالنظر إلى ما وراء هذه التماثيل والزخارف تجد أن ورائها البيوت و”العشش”البسيطة ذات الأسقف الصفيح المغطاة بالقش والتى تحوى آلام ومشكلات لا تنتهى،

مأساة مركبة

وبمجرد وصولنا أدركنا للوهلة الاولى الفارق الكبير بينها وبين باقية مناطق مصر القديمة العريقة. ولا حظنا أن الجديد في مأساة بطن البقرة، ليس غياب المستشفى أو حتى الصيدلية لخدمة أهالي المنطقة، فالكثير من المناطق العشوائية تعاني أيضًا غياب الرعاية الصحية، بل أن الحياة المريرة التي يعيشها سكان بطن البقرة تتفاقم في غياب شبكات الصرف الصحي والمياه والكهرباء مجتمعين.

بطن البقرة منطقة عشوائية يعيش فيها أكتر من 3000 أسرة  90 % من الكبار أميين وأغلب الأطفال فيها متسربين من المدارس ولم يكملوا تعليمهم .. عدد الموظفين من أهالي بطن البقرة 1% تقريبًا  والباقي فنيين وعمال يومية.

الأسر  في بطن البقرة كثيرة العدد تتكون من 6-7 أفراد يقيمون في غرفة واحدة مساحتها حوالي 15 متر .. معاناة الأسر أكبر من ضيق المكان وطبيعته والمستوى المعيشي المتدني جداً .. الأسر هناك بتعاني من عدم وجود صرف صحي .. من أكوام القمامة .. ومن التلوث الشديد و رائحة المجاري

والعجيب أنه على بعد ٥٠٠ متر تقريبا في الجهة المقابلة لكل هذا يوجد مبنى جهاز شئون البيئه والإدارة العامة لشرطة السياحة والاثار،وعلى بعد حوالي ٥٠٠ متر ايضا يتم انشاء مشروع ثقافي كبير وهو متحف الحضاره العالم.

مشينا في طرقات بطن البقره الضيقه والمتعرجه،والتى لاتخلو من مياه الصرف الصحي والمخلفات طوال العام،بالاضافه الى القمامه التى تطغى على الشكل العام للمنطقه فسكان بطن البقره لم يجدو عملا غير فرز القمامه وتدويرها للحصول على قوت يومهم، فتوارثو هذه المهنه التى سببت لهم الامراض وذادت من معاناتهم

وهناك تجدالمجارى التى تطفح فى كل مكان، وعربات”الكرو”التى أتت بالطلاب من مدارسهم، آخرين جاءوا مشيًا على الأقدام.

ويرجع ذلك إلى عدم توفر وسائل مواصلات لنقلهم لذلك يضطرون إلى الذهاب على الأقدام أو ركوب “التروسيكل”  أو عربات “الكرو”وتلك هى أفضل وسائل المواصلات المتاحة!

هنا رائحة المجارى تملأ الأنوف، المرض ينسج خيوطه على أجساد الفقراء، فضلاً عن البطالة والجهل المنتشر فى كل مكان.

اصل الحكايه

ولمعرفة اصل الموضوع كان يجب أن نبحث في المكان الذى يختص بهذه المنطقة وهى شركة المعادي للتنمية والتعمير، فوجدنا أنها تمتلك الأرض بموجب قرارين جمهوريين صدرا سنة 1972 و 1974، وكانت الشركة بدأت في تنفيذ مشروع مدينة الفسطاط الجديدة قبل أعوام، إلا أن المشروع لم يستكمل بعد بسبب التعديات على أراضيها، والتي تشمل 12 قطعة أرض فضاء كانت تنوي الشركة إقامة أبراج سكنية مكونة من 12 دورا عليها، و23 قطعة أرض لإقامة عمارات سكنية 5 أدوار، وهذا مسجل على الموقع الإلكتروني للشركة.

العم سيد

المتاجرون بالمأساة

ولم نجد افضل من الاهالى أنفسهم لنعرف حقيقة المعاناه التى يعيشون فيها . قابلنا عم سيد الذي بادرنا بالقول: «الجمعيات الخيرية والإعلاميين والفنانين بتتاجر بينا.. فيه جمعيات خيرية كتيرة بتيجى تصوّر المنطقة دى علشان تجمع فلوس وتتاجر بينا ولا بنشوف منهم أى حاجة.. كل يومين تلاتة ييجلنا صحفيين ومصورين من قنوات فضائية، ومفيش أى حد بيعمل حاجة». ويتابع بحسرة : «محمد صبحى اللى لمّ فلوس من مصر كلها علشان العشوائيات ماشفناش وشه ولا مرة ولا عمل لنا حاجة.. عمرو خالد جه صوّر ومشى وخلاص على كده ».

واضاف عم سيد: «أنا عايز أوجه رساله لمحمد صبحي وعمرو خالد اللى جم وصورونا وقالو هنحل مشاكلكم ولمو فلوس من رجال الأعمال على حسنا وماشوفناش حد منهم تانى ولا مشكله اتحلت».

وعندما سألنا عن زيارة المسئولين للمنطقة قال : «الحكومة قالت هينقلونا من هنا وهيدونا شقق فى أى حتة تانية، بس للأسف مفيش حاجة من دى حصلت، والمشكلة الكبيرة إن فيه ناس غلابة كتير جداً عايشين هنا ونفسهم يروحوا مكان تانى، لكن فيه برضو سكان تانيين ليهم مصالح وبيشتغلوا وعمرهم ماهيتنقلوا لأن أكل عيشهم فى المكان ده، يعنى واحد عنده 200 متر فى المنطقة وبيلمّ الزبالة من كل مكان وبييجى يفرزها هنا ويبيعها ويكسب من وراها ملايين عمره ماهيخرج ولا هيسيب المنطقة».

مراسلة وضوح تتفقد احد المنازل

الحي يرفض المساعدة

ويتابع عم سيد: «مطالبنا بسيطة جداً، عايزين صرف صحى، لأن مياه المجارى تسببت في موت ناس كتير ، إحنا دخّلنا مياه الشرب بالجهود الذاتية ومساعدة الناس اللى بتيجى تقدم لنا مساعدات، إحنا ممكن ندخّل برضو المجارى بالجهود الذاتية وفيه جمعيات خيرية كتير مستعدة تساعدنا، لكن الحى مش عايز يعطينا الموافقة على إنشاء الصرف الصحى، ولا حتى عايز يعمل مشروع الصرف الصحى للغلابة.. مطلب اخر بحر البقرة دى بيعيش فيها عدد كبير جداً من السكان ومفيهاش فرن عيش مدعم، وبنشترى رغيف العيش بـ25 قرش، يعنى اللى عنده 5 عيال عايزلهم بـ10 جنيه عيش بس كل يوم».

لا مدرسة ولا مستشفى

ويتابع: «المنطقة دى كلها مفيهاش مدرسة ولا مستشفى، واللى بيعيا هنا ممكن يموت، والناس هنا كلها عيانة، وعلشان تروح مستشفى تدفع لك 50 جنيه للتاكسى، والناس أساساً مامعهاش تمن العلاج، المدارس دى بقى أكبر مشكلة، مفيش مدرسة، ومعظم الشباب والبنات هنا مش متعلمين، أكبر حاجة هنا الإعدادية، واللى عنده عيل وعايز يعلمه بيصرف عليه كل يوم حوالى 4 جنيه مواصلات علشان يوصله المدرسة».

الصيدليه يعنى رفاهيه

وبسؤال الأهالي عن صيدليه قالو : «يا استاذه صيدلية دى يعنى رفاهيه لا يمكننا الوصول اليها ،احنا عندنا اللى يتعب يموت اوفر له لانى لو تعبت هكشف فين واقرب مكان ممكن اكشف فيه مستوصف مافيهوش اى خدمات يعنى لو حد تعب بالزايده هيموت قبل ما يوصل لمكان ممكن يكشف عليه ».

وفاجئنا حد السكان بقوله : «حضرتك شايفه المكان كله عامل ازاى البيوت سقفها خشب وكرتون وأكوام الزباله تغطى كل شبر فيها والمياه قليله وممكن تلاقيها وممكن متلاقيهاش تفتكرى لو حصل حريق فجأه هنا ايه هتكون النتيجه ولحد ماتيجى المطافى هيكون كل اللى هنا انتهز وماتو واحنا عارفين أن ده اللى هما عايزينه».

نفسنا فى عيشه كريمه

وقال شريف محمود محمد: « أن الغالبية العظمى من أهالى المنطقة يعيشون على جمع القمامة وفرزها لبيعها، بالإضافة إلى أن عددا منهم يعيش على التسول، وإعانات الجمعيات الأهلية، لافتا إلى أنه تم توصيل مياه الشرب والكهرباء إلى المنطقة بالمجهود الذاتى، وأن المنطقة تفتقر إلى الصرف الصحى والمستشفيات والمدارس، بالإضافة إلى أنها غير آمنة وتؤوى العديد من المسجلين خطر والخارجين عن القانون وأرباب السوابق والهاربين من الأحكام..

وتتمنى زوجته أن تغادر المنطقة إلى منطقة عمرانية جديدة، مؤكدة أنهم يعيشون حياة غير آدمية، واضاف زوجها :إن أهالى المنطقة يحلمون باليوم الذى يغادرون فيه إلى منطقة عمرانية آمنة يوجد بها خدمات، مياه شرب نقية، وكهرباء، وصرف صحى، ومدارس، ونوادٍ، لافتا إلى أن معظم الأطفال بالمنطقة يعانون من الأمراض بسبب وجودهم وسط القمامة، بالإضافة لعدم وجود صرف صحى بالمنطقة، وأن الجميع يتطلع لمشروعات الحكومة الجديدة فى النقل إلى منطقة سكنية حديثة تتوافر بها وسائل الحياة الكريمة، وقالت: «لو سألت كل الناس اللى عايشين هنا ليه عايشين هنا هيقلولك.. إيه اللى رماك على المر.. اللى أمر منه»

أنا مش عايزه اتبهدل في اخر ايامى

واثناء تجولنا نادت علينا سيده فى الخمسين من عمرها تجلس امام كشك صغير وعندما تحدثنا إليها قالت: « والنبى يابنتى متخليهمش يمشونى من هنا ،انا معرفش الدنيا بره عشت هنا ٣٥ سنه وجوزى مات هنا ،وانا الحمدلله عايشه وسط الناس دى ببيع حاجات بسيطه حلويات وبسكوت علشان مامدش ايدى أنا مش عايزه اتبهدل في اخر ايامى بس ياريت تقوليلهم يوافقو اننا ندخل الصرف الصحي زى ما دخلنا الميه والكهرباء بالجهود الذاتية ومش عايزين منهم حاجه.

لو عايز تروح المدرسه اتشاهد على روحك

. وتقول الست محاسن«أنا قاعدة في بطن البقرة من 23 سنة مفيش اهتمام ولا مجاري ولا مستشفيات، حتى رغيف العيش بنجيبه بربع جنيه وصغير جدا، ومفيش مدارس العيال بتيجي تعدى الطريق العمومي علشان تروح المدرسة بتخبطهم العربيات وبتحصل حوادث كتير، يعنى لو عايز تروح المدرسه اتشاهد على روحك ،ومعندناش مجاري عندنا ” طرنشات ” ولما تيجي العربيات تنزح الطرنش بتاخد 100 جنيه والمنطقة كلها حشرات وثعابين وعقارب، . وتتابع قالوا محمد صبحى بيلم فلوس علشان يطور العشوائيات ومشوفناش منهم أي حاجه.

 

امى خايفه أروح المدرسه

ام علاء: «أنا عندى ٦ ابناء كنا عايشين كلنا فى الاوضه دى وبعد جوزى ما مات كافحت واشتغلت شويه فى البيوت بس صحتى تعبت وقعد هنا ببيع شباشب والحمدلله جوزت ٤ منهم وفاضل اتنين بجهزهم علشان استرهم ،انا مش عايزه إلا الستر بس مية المجارى جابتلى الحساسيه ووالله العظيم أنا كل اللى بتمناه أنى اصحى الصبح ملاقيش المجارى مغرقه الاوضة.

وسمعت صوت ضعيف بينادى: يا ابله يا ابله ،ويد طفل صغير تمسك يدى ويقولى: هوه انتو هتعملولنا مدرسه ،انا نفسى ارجع المدرسه تانى،وعندما سألته انت كنت فى المدرسة؟ قالى اه بس امى خليتنى ما اروحش لما صحبى خبطته العربيه على الطريق وهوه بيعدى علشان يروح المدرسه ،امى خافت ومرضيتش تودينى تانى.

استغاثه الشيخ حسن

حسن او الشيخ حسن كما يناديه الجميع،وهو شاب فى مقتبل العمر عنده ١٩ سنه ولكنه لا يستطيع المشى ولا الكلام بس حافظ القران الكريم كله ،تحكى امه وتقول: حسن ابنى جاتله سخونيه من ٩ سنين وعلشان معندناش مستشفى اديتله حاجه للسخونيه والسلام بس لما لاقيته تعب اوى اخدته وبعد عذاب وصلت المستوصف اللى فى جامع عمرو وقالولى أنه عنده حمه شوكيه ودى اثرت عليه خالص ومبقاش يتحرك ولا يتكلم وعانيت معاه طول السنين دى ،ولاد الحلال لما عرفوا حالته بقو يساعدونى بس مش علطول والعلاج بتاعه كتير وغالى وانا ارمله جوزى مات من زمان ،حسن لما بياخد العلاج باستمرار بلاقيه بيتحسن وينطق حرف او اتنين وليه علاج طبيعى بس علشان اخده واتحرك بيه علشان يعمل الجلسه بتعب اوى ،ونظرت لى بانكسار ومافيش فلوس للمشاوير دى وانا صحتى تعبت ،بالله عليكم أنا كل اللى نفسى فيه أن ابنى يتعالج مش عايزه حاجه تانى وتبكى ام حسن فى صمت.

احنا زى الصراصير

تقول ام خالد : احنا خلاص تعبنا ومحدش حاسس بينا كل شويه يجى بتوع التلفزيون يصورو ويلمو فلوس على حسنا زى الممثل محمد صبحي اللى عرفنا أنه لم فلوس كتير وماشوفناش وشه تانى المجارى مغرقانا أنا وولادى عايشين هنا بعد جوزى ما سابنا وطفش واتجوز واحده تانى وكل شويه المجارى تطفح ونغرق فيها بقينا زى الصراصير فى المجارى.

هل من مجيب؟!

بعد أن سمعنا كلمات أهالى بطن البقره التى ترسم صوره عن واقع مرير يعيشه لمواطنين مصريين كل ذنبهم انهم يقيمون فى منطقه خارج نطاق الخدمه من كل النواحى.

نتسائل هل سيلبى احد استغاثاتهم؟!.

 هل سيوجد من سيستمع الى اهات الصغير والمريض ؟!.

هل سيجد كبار السن من يرحم ضعفهم ؟!.

 هل سيجدون من يعيد لهم اداميتهم ويتحولون ويعيد اليهم حقهم في حياة آدمية تليق بالبشر.

 

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. اشكرك استاذة عزة على هذا التحقيق لمأساة تلك المنطقة واهاليها المساكين وادعو الله ان يجد هذا التقرير سمعا من المسئولين لحل ولو جزء من تلك المأساة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.