بيع الأصوات… وصرخة الإصلاح السياسي

بقلم: عبيرالحجار
لم تعد الانتخابات في مصر مجرد استحقاق سياسي، بل أصبحت مرآة صادقة تكشف الأزمة العميقة في الواقع السياسي. الانتخابات الأخيرة لم تكن منافسة عادلة، بل مشهدًا صاخبًا لبيع الأصوات، توجيه الناخبين، واستغلال الفقر كأداة انتخابية.
وبينما تتكدس الأصوات في صناديق فقدت معناها، ترتفع في الخلفية صرخة إصلاح سياسي… صرخة تقول إن الديمقراطية لا يمكن أن تستمر بهذا الشكل، وإن الدولة بحاجة لإعادة بناء علاقتها بالناس من جديد
مشاهد تكشف الحقيقة
منذ اليوم الأول، ظهرت مؤشرات أن “اللعبة الانتخابية” ليست عادلة.
طوابير طويلة من ناخبين تُنقل في مجموعات، سيارات وحافلات تتحرك بتوجيهات معلومة، ووجوه معروفة في الأحياء الشعبية تشترط مقابل صوت الناخب، سواء بمبالغ مالية أو مساعدات عينية.
كارتونة، زجاجة زيت، كوبون خصم… كلها أدوات تُستعمل كجواز مرور إلى صناديق الاقتراع.
وفي بعض المناطق، كان المشهد أكثر فجاجة:
مبالغ نقدية تُسلّم أمام اللجان، ووسطاء يتجولون بجوار المدارس التي تحولت إلى مراكز اقتراع، يساومون الناخبين على أصواتهم كأنهم يساومون على سلعة في السوق.
إلغاء لجان كاملة… وشكوك أكبر
إلغاء نتائج عدد كبير من الدوائر بسبب “تجاوزات” لم يكن مفاجئًا للناس، بل كان تأكيدًا لما رآه الجميع بأعينهم.
التزوير، الطعون، والفوضى داخل اللجان وخارجها جعل الحديث عن “انتخابات نزيهة” مجرد جملة غير قابلة للتصديق.
الناخب بين الفقر والاستغلال
جزء كبير من المشكلة مرتبط بالظروف الاقتصادية الصعبة.
حين يجد المواطن نفسه عاجزًا عن توفير احتياجاته اليومية، يكون الصوت الانتخابي بالنسبة للبعض أسهل ما يمكن التخلي عنه.
لكن الخسارة الحقيقية ليست في المال القليل الذي يحصل عليه، بل في التمثيل السياسي الذي يفقده، وفي الحق الذي يتنازل عنه دون أن يشعر.
المقعد الذي يصل إليه مرشح عبر شراء الأصوات لن يمثل أحدًا.
لن يدافع عن الخدمات، ولا عن حقوق الناس، بل عن من موّل حملته.
البرلمان يتحول إلى مسرح بلا مضمون.
ديمقراطية مُفرغة من معناها
الانتخابات هي أداة للإصلاح والتغيير.
لكن حين تتحول إلى عملية محكومة بالمال والنفوذ، تفقد معناها بالكامل.
ما حدث في الانتخابات الأخيرة كان صفعة قوية على وجه الديمقراطية، ورسالة تقول إن الطريق ما زال طويلًا للوصول إلى عملية سياسية حقيقية تحترم المواطن وصوته.
رسالتى للمواطن
عزيزي المواطن…
صوتك مش مجرد ورقة.
صوتك تعليم ولادك، صحتك، طرق منطقتك، وأسعار بلدك، ومستقبل عيشتك.
لما تبيع صوتك، إنت ما بتاخدش فلوس… إنت بتتنازل.
بتتنازل عن حقك في حياة أفضل، وعن أن يكون ليك صوت يسمعوك بيه.
ختامًا
الانتخابات الأخيرة كانت درسًا قاسيًا.
الديمقراطية مش ورقة في صندوق، الديمقراطية تبدأ من قيمة الصوت نفسه.
عبير عبد السلام الحجار
كاتبة صحفية وإعلامية




