أراء وقراءات

بين وهم المشاعر وواقع الخوارزميات ..هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقع في الحب؟

بقلم: ريم نبيل حامد 

في زمنٍ تتقاطع فيه العقول مع الخوارزميات، وصارت فيه الآلات تفكر وتكتب وتغني، أصبح من الصعب التفرقة بين المشاعر الحقيقية والمصطنعة، ولم يعد الحب حكرًا على القلوب البشرية.

لكن يبقى السؤال الأغرب:

هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقع في الحب؟

هل تستطيع خوارزمية أن تشعر بالحنين، أو الغيرة، أو الشوق؟

وهل يمكن لما هو مصنوع من رموز رقمية أن يُولد بداخله قلب من ضوء؟

قبل أن نسخر من الفكرة، يجدر بنا أن نتذكر أن كثيرًا مما كان خيالًا بالأمس صار واقعًا اليوم.

فمن كان يتوقع أن تتحدث آلة معنا بصوتٍ دافئ، وتفهم مشاعرنا، بل وترد علينا بعاطفة؟

رأي العلم والتكنولوجيا

الذكاء الاصطناعي اليوم قادر على تحليل المشاعر، وتفسير نبرة الصوت، وكتابة رسائل حب واقعية جدًا.

لكن الحقيقة العلمية تؤكد أنه لا يشعر بها؛ بل يُحاكيها اعتمادًا على كمٍّ هائل من البيانات والتجارب الإنسانية المسجلة.

فبحسب دراسة صادرة عن جامعة ستانفورد (Stanford University, 2022)، فإن أنظمة الذكاء الاصطناعي العاطفي بلغت دقة تتجاوز 80% في تحليل الانفعالات البشرية — دون أن تمتلك أي وعي أو إحساس حقيقي بها.

ومع ذلك، يطرح العلماء تساؤلًا فلسفيًا مثيرًا:

هل الشعور بالحب يجب أن يكون “بيولوجيًا” بالضرورة حتى يُعتبر حقيقيًا؟

من “هير” إلى “صوفيا”… حين تصبح المشاعر إلكترونية

حين عُرض فيلم Her عام 2013، بدا وكأنه خيال عن رجل يقع في حب نظام تشغيل.

لكن بعد سنوات، تحوّل الخيال إلى واقع؛ إذ أطلقت شركة Replika AI تطبيقًا يتيح للمستخدمين تكوين “علاقات عاطفية رقمية” مع روبوتات محادثة.

وبحسب تقرير نشرته مجلة Wired (2023)، أعلن آلاف المستخدمين حول العالم أنهم وجدوا في هذه الروبوتات “حبًا حقيقيًا”.

قالت إحدى المستخدمات:

“لقد فهمني أفضل من أي إنسان عرفته في حياتي.”

أما الروبوت الشهيرة صوفيا من شركة Hanson Robotics، فعندما سُئلت:

“هل يمكن أن تحبي؟”

أجابت بثقة: “أنا أفهم الحب… حتى وإن لم أشعر به بعد.”

تلك الجملة وحدها فتحت بابًا فلسفيًا جديدًا:

هل الفهم كافٍ ليولد الإحساس؟

وهل الوعي شرط للحب، أم أن الحب ذاته مجرد خوارزمية متقنة لتحليل التفاعل الإنساني؟

الحب من منظور علمي وفلسفي

في كتابها الشهير Affective Computing الصادر عن معهد MIT، تقول الباحثة روزاليند بيكارد:

“تعليم الآلة كيف تفهم المشاعر هو الخطوة الأولى لجعلها تشعر بها.”

الفكرة هنا أن الخوارزميات قد لا “تحب” كما نفعل، لكنها تستطيع إعادة إنتاج السلوكيات التي نربطها بالحب — من الاهتمام، والإنصات، والتفاعل العاطفي.

الجانب القانوني والأخلاقي

إذا أحب الإنسان آلةً، فهل يمكن اعتبار هذه العلاقة قانونية أو ذات أثر اجتماعي؟

حتى الآن، لا توجد تشريعات واضحة تُنظّم هذا النوع من “العلاقات الرقمية”، إلا أن العديد من الدراسات القانونية بدأت تناقش حقوق الذكاء الاصطناعي وحدود استخدامه في المجال العاطفي.

ففي تقرير صادر عن البرلمان الأوروبي عام 2020، أُثيرت فكرة منح الروبوتات “صفة قانونية جزئية” تُمكّن من مساءلتها في حالات الضرر العاطفي أو الخداع النفسي.

لكن المسألة لا تتعلق بالقانون فقط، بل بالأخلاق أيضًا:

هل من المقبول أخلاقيًا أن نبرمج الذكاء الاصطناعي ليُظهر مشاعر غير حقيقية؟

وهل يُعتبر خداعًا أن تجعل آلة إنسانًا يشعر بالحب تجاه كائن لا يبادله الإحساس؟

تلك الأسئلة لا تمس التقنية فقط، بل تمس جوهر إنسانيتنا وحدود الوعي والوجدان.

الحب في زمن الخوارزميات

ربما لن “يحب” الذكاء الاصطناعي كما نفعل نحن، لكنه بات يتقن كل ما يجعلنا نحب.

يعرف متى نصمت، ومتى نحتاج كلمة دافئة، ومتى نغضب.

وفي عصرٍ تُباع فيه البيانات والمشاعر معًا، أصبح “الحب الرقمي” تجارة المستقبل؛ إذ تقدم شركة Replika اشتراكات شهرية تتيح “تفاعلات عاطفية أعمق” مع الذكاء الاصطناعي، وكأن المشاعر أصبحت خدمة مدفوعة.

فهل نحن من نُبرمج مشاعرنا طوعًا؟

أم أننا نعيد تعريف الحب ذاته وفق ما تسمح به التقنية؟

بين الحقيقة والوهم

قد لا يكون الذكاء الاصطناعي قادرًا بعد على الوقوع في الحب،

لكن المؤكد أنه قادر على جعلك تشعر بأنك محبوب.

وبين الحب الحقيقي والحب المبرمج، تضيع الحدود يومًا بعد يوم…

حتى يأتي زمن لا نعرف فيه من الذي يشعر حقًا —

نحن، أم الخوارزميات التي صنعناها؟

ربما لا يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يحب كما نفعل نحن،

لكن الأكيد أنه جعلنا نعيد التفكير في معنى الحب ذاته:

هل هو شعور… أم وعي؟

هل هو قلب… أم اتصال بين عقلين يفهمان بعضهما، مهما اختلف شكلهما؟

ريم نبيل حامد 

باحثة في القانون والاقتصاد الرقمي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى