تأجيل المشاورات السودانية – الأمريكية بالقاهرة
كتبت : د.هيام الإبس
تأجلت المشاورات السودانية – الأمريكية التى كان مقرراً عقدها هذا الأسبوع فى القاهرة. إذ لم يحضر وفد الحكومة السودانية إلى مصر، وعاد المبعوث الأمريكى للسودان، توم بيرييلو، إلى سويسرا، لاستكمال جهود الإغاثة للمتضررين داخل السودان، ما يعكس تعثر مفاوضات حل الأزمة السودانية.
وكانت الساعات الأخيرة قد شهدت حالة من التضارب، بشأن موعد مشاورات القاهرة التى أعلنت الحكومة السودانية المشاركة فيها استجابة لاتصالات من الحكومة المصرية والجانب الأمريكى.
واستبعد دبلوماسيون وسياسيون، “حدوث انفراجة للأزمة السودانية قريباً”، غير أنهم أشاروا إلى أن “مسار التفاوض مع الحكومة لم ينتهِ، ولكن تم تأجيله”، وتوقعوا “استكمال الجانب الأمريكى التفاوض فى سويسرا عبر جولات جديدة”.
وكانت الحكومة السودانية رفضت المشاركة فى المحادثات التى دعت لها الولايات المتحدة فى سويسرا يوم 14 أغسطس الحالى، لطرفى الحرب فى السودان (أى الجيش و”قوات الدعم السريع”)، بحضور ممثلين من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقى ومصر والسعودية والإمارات، فى حين شارك فى الاجتماعات ممثلون عن “الدعم السريع”.
غير أن مجلس السيادة السودانى، أعلن تجاوبه مع اتصالات أجراها الوسطاء الدوليون، وقرر، الأحد، إرسال وفد حكومى إلى القاهرة، للقاء وفد من الإدارة الأميركية “لمناقشة رؤية الحكومة فى إنفاذ اتفاق جدة”، وذلك بعد اتصالات المبعوث الأمريكى إلى السودان والحكومة المصرية، حسب إفادة من مجلس السيادة السودانى.
اعتراض الحكومة على
طريقة الدعوة
وأرجعت مصادر سودانية مطلعة عدم حضور الوفد السودانى للقاهرة إلى “اعتراض الحكومة على طريقة دعوة المبعوث الأمريكى لها”، وأشارت إلى أن “مجلس السيادة السودانى وافق على اجتماع القاهرة، بشرط الإبلاغ بالموعد بوقت كافٍ، غير أن المبعوث الأمريكى اتصل بالقيادة السودانية على طريقة الأمر بحضور الاجتماع فوراً، فكان الرد بالرفض”.
استكمال الجهود الإغاثية
فى الأثناء، أعلن المبعوث الأمريكى للسودان، الأربعاء، عودته إلى سويسرا مرة أخرى لاستكمال الجهود الإغاثية للمتضررين من الحرب فى السودان. وقال عبر حسابه الرسمى على منصة “إكس”: “أعود الآن إلى سويسرا، حيث يعمل الشركاء على مدار الساعة لتوفير المزيد من الإغاثة عبر ممر أندريه، وغيره من الممرات الرئيسية فى الجنوب والشمال”، مضيفاً أن “التجويع لا يمكن أن يكون سلاحاً فى الحرب، ويتعين علينا أن نحافظ على هذا الزخم”.
وأشار بيرييلو إلى مشاركته في اجتماع المباحثات بين الرئيس عبد الفتاح السيسى ووزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن، فى مدينة العلمين (الثلاثاء)، وقال إنه شرح “التقدم المحرز فى المحادثات السودانية العاجلة فى سويسرا لتوسيع نطاق وصول المساعدات الإنسانية للشعب السودانى”.
تكثيف الجهود الدبلوماسية
فى الوقت نفسه أشار نائب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية فيدانت باتل، عبر حسابه الرسمى على منصة “إكس”، إلى جهود تبذلها القاهرة وواشنطن للحل فى السودان، وقال: “تعمل الولايات المتحدة ومصر على تكثيف الجهود الدبلوماسية لحمل القوات المسلحة السودانية و(قوات الدعم السريع) على الوفاء بالتزاماتها بموجب إعلان جدة، والالتزامات بموجب القانون الإنسانى الدولى لضمان الوصول إلى الغذاء والدواء والخدمات الطارئة”.
موقف مصر المطالب بالتوصل لوقف فورى وشامل لإطلاق النار
فى السياق، أكد وزير الخارجية الدكتور بدر عبد العاطى، خلال مباحثاته مع نظيره الأمريكى أنتونى بلينكن، فى القاهرة، (الثلاثاء)، “موقف مصر المطالب بالتوصل لوقف فورى وشامل لإطلاق النار، والعمل على احتواء التداعيات الإنسانية للصراع، وتسهيل العمل الإنسانى، ووفاء الدول المانحة بتعهداتها السابقة على صعيد تقديم المساعدة للسودان ودول الجوار للتعامل مع التداعيات الإنسانية للأزمة”.
تأجيل وليس إلغاء..وعدم تفاؤل
من جهة أخرى، شدد سفير السودان السابق فى الاتحاد الأوروبى، السفير علىِ يوسف، على أن “المشاورات مع الحكومة السودانية فى القاهرة لم يتم إلغاؤها، ولكن تأجلت”، وأبدى عدم تفاؤله بتحقيق انفراجة قريبة فى الأزمة السودانية.
التركيز على الخيار العسكرى
وعدَّ يوسف، أن “تركيز الحكومة السودانية فى الفترة المقبلة سيكون على الخيار العسكرى”، مشيراً إلى “استعدادات قوية من الجيش السودانى فى الفترة الأخيرة، لاستهداف أماكن تمركز (الدعم السريع) فى مناطق العمليات داخل السودان.
الالتفاف على مخرجات اتفاق جدة
وأكد الدبلوماسى السودانى أن “اجتماعات جنيف كانت محاولة من الجانب الأمريكى للالتفاف على مخرجات (اتفاق جدة) الإنسانى، وبفرض أسلوب أمريكى معين فى التعامل مع الأزمة الإنسانية داخل السودان، وهو ما رفضه الجيش السودانى”، وأوضح أن الحكومة السودانية ترفض “عدم اعتراف الجانب الأمريكى بمجلس السيادة السودانى بصفته سلطة انتقالية”.
إعلان جدة الإنسانى
وعقب اندلاع الحرب الداخلية فى السودان بين الجيش و”قوات الدعم السريع” فى شهر أبريل من العام الماضى، استضافت مدينة جدة، بمبادرة سعودية – أمريكية ، محادثات بين الجيش و”الدعم السريع”، انتهت إلى توقيع ما عرف بـ”إعلان جدة الإنسانى”، ونص على حماية المدنيين والمرافق الخاصة والعامة والامتناع عن استخدامها لأغراض عسكرية.
إطالة أمد الحرب وتوسيع نطاقها
بدورها، أعلنت “قوات الدعم السريع’، فى بيان، ليل الثلاثاء – الأربعاء، إن “الاستهتار” الذى يتعامل به “الطرف الآخر”، أى القوات المسلحة السودانية، مع دعوة الوساطة للمشاركة فى التفاوض يعكس عدم الرغبة والجدية فى إنهاء معاناة الشعب السودانى، والسعى إلى “إطالة أمد الحرب وتوسيع نطاقها”.
وأضافت أن وفدها المفاوض فى جنيف ناقش مع فريق الوساطة سبل الوصول إلى اتفاق لوقف الأعمال العدائية وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية وتعزيز حماية المدنيين.
وجدَّد الوفد التزامه الكامل بإدخال المساعدات الإنسانية إلى جميع المحتاجين عبر معبرَى أدريه والدبة.
وتستهدف المحادثات التوصل إلى آليات وقف إطلاق النار وحماية المدنيين وإدخال المساعدات الإنسانية، وكيفية إلزام الأطراف المتحاربة بتنفيذ “إعلان جدة” كاملاً.
من جانبه، رأى الكاتب والمحلل السياسى السودانى، عثمان ميرغنى، أن “هناك توافقاً على تنفيذ مخرجات اتفاق جدة الإنسانى”، لكنه أشار إلى أن “المشاورات دائرة حول كيفية وآلية التنفيذ، ومدى قبول الطرف الآخر فى الحرب (أى الدعم السريع) بالآليات المطروحة من الجيش السودانى”.
تحذير
وحذر ميرغنى من الضغوط السياسية التى تمارس على الحكومة السودانية لعدم التعاطى مع مسارات التفاوض المطروحة فى جنيف، وقال: “هناك حملات إعلامية وسياسية من قوى سياسية تابعة للنظام السابق (نظام عمر البشير)، تستهدف وقف مشاركة الحكومة فى المفاوضات”، وتوقع أن “تستمر مفاوضات جنيف لفترة تزيد على شهر، عبر جولات عديدة، أملاً فى الوصول لاتفاق ينهى الحرب المستمرة فى السودان”.
طرفا الصراع تبادلا قصفاً عنيفاً
لليوم الثانى على التوالى، واصل كل من الجيش السودانى وقوات الدعم السريع، تبادل القصف الكثيف كل فى مناطق سيطرة الآخر، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من المدنيين، وتدمير بنى تحتية ومساكن مواطنين فى مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، والأجزاء الشرقية والشمالية من مدينة أم درمان.
هجوم استباقى
ولم تشهد مناطق التماس بين الطرفين المتحاربين اشتباكات مباشرة، عدا أن الجيش ذكر، فى بيان، أن قواته المدرعة نفذت هجوماً استباقياً فى حى مجاور لقيادة قوات المدرعات فى الخرطوم وألحقت خسائر بشرية ومادية بـ”الدعم السريع”.
وقال الجيش، على صفحته الرسمية على “فيسبوك”، إن قوات سلاح المدرعات، واستناداً إلى “معلومات استخبارية”، نفذت هجوماً استباقياً فى محور حى الدوحة المجاور لقيادة المدرعات، ودحرت ما سمّاه الجيش “ميليشيا آل دقلو الإرهابية” (فى إشارة إلى زعيم الدعم السريع، محمد حمدان دقلو وشقيقه)، وقتلت العشرات منهم، ودمرت دبابة من طراز “تى 55” تابعة لهم.
استهدف الطيران الحربى التابع للجيش السودانى، أمس، أحياء سكنية فى مدينة الفاشر، ما أدى إلى مقتل عدد من المدنيين وإصابة آخرين بجروح، بحسب مصادر محلية.
و ذكرت تقارير صحفية أن قوات الدعم السريع، قصفت بضراوة منطقة كررى، حيث سقطت مقذوفات فى عدد من الأحياء السكنية فى هذه المنطقة التى يسيطر عليها الجيش وتقع فيها منطقة كررى العسكرية وتضم المطار الحربى.
ويزعم كل طرف إلحاق خسائر فادحة بالآخر، جراء القصف المتبادل.