تأملات رمضانية (17): ماذا لو عاش المجتمع تكبيرات العيد؟!
بقلم: د. أمين رمضان
“هذه مجرد تأملات شخصية، ليس الهدف فرضها على أحد، أو إثبات أنها الحق، لكنها دعوة للآخرين لتحفيز آلة التأمل الشخصي عندهم، بعيون عالمهم هم لا عالم غيرهم”
عندما طوى شهر رمضان أيامه ونفحاته الإيمانية، وثبت ظهور هلال شهر شوال، مفجراً فرحة عارمة ترددت بهجتها في العالم كله، العالم الإسلامي، والأقليات في أرجاء العالم الأخرى، وبدأت الألسن تردد تكبيرات العيد…
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله
الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد
في جنبات المجتمع وتجمعاته البشرية، بل وفي البيوت.
تعالوا نتخيل: ماذا لو تحققت معاني التكبيرات في حياتنا، كيف سيكون المجتمع؟
ترددت الله أكبر خمس مرات، ومعناها أن الإيمان بالله يوجب على المؤمنين أن يكون الله سبحانه وتعالى أكبر من أي شيء في حياتهم، وأن تكون النية التي تصاحب كل عمل هي مرضات الله، حتى لو سخط الناس.
ولتأكيد هذا المعنى الضخم لحياة المجتمعات، جاء بعدها، لا إله إلا الله، ولله الحمد.
وهل يمكن أن يتخذ الإنسان آلهة غير الله؟
اقرأوا معي هذه الآية: ﴿أَفَرَءَیۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُۥ هَوَىٰهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلۡمࣲ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمۡعِهِۦ وَقَلۡبِهِۦ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِۦ غِشَـٰوَةࣰ فَمَن یَهۡدِیهِ مِنۢ بَعۡدِ ٱللَّهِۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [الجاثية ٢٣]
فالهوى عندما لا يكون خاضعاً لشرع الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم الصحيحة، يكون وبال على الإنسان، مهما أوتي من علم، فيَضــل طريقة ويفقد بوصلة الهدي، ويصبح وبال على نفسه وعلى الآخرين.
تأملوا معي قول النبي ﷺ: “لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به”، فكمال الإيمان بالله يتطلب أن يوافق هوى الإنسان شرع الله، والإنسان بشر يخطئ ويصيب، ويرتكب المعاصي والذنوب، لكنه يتوب ويعود عندما يكون هواه خاضعاً للشريعة وليس العكس.
أما الحمد لله، ولله فقط، خالق النعم كلها التي لا تعد ولا تحصى، ﴿وَإِن تَعُدُّوا۟ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَاۤۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورࣱ رَّحِیمࣱ﴾ [النحل ١٨]
والحمد لله لا تتنافى مع شكر الناس، لكن يظل الحمد هو حبل النور الذي يربط بين المؤمن وبين الله في شكر النعم وردها دائماً لخالقها.
وسؤال المقالة: ماذا لو عاش المجتمع هذه المعاني في واقع الحياة؟!!!
بل ماذا لو عاش العالم مرتبطاً بقيمة إنسانية عليا تسعى لسعادة الناس جميعاً؟!!!
فلا تتسابق مصانع الأسلحة الفتاكة في إنتاج وبيع الدمار بالمليارات، بل وتصنع الحروب التي تدر الثراء للوردات الحروب، والموت للحرث والنسل، ليس لشيء إلا للهوى المريض الذي لا يعرف رحمة لأنه أعمى.
ولا يسعى التجار لاحتكار السلع، قوت الناس الأساسي، بل والغش في بيع الفاسد من كل احتياجات الناس، ليملئوا حساباتهم بالأموال، ويملئوا المستشفيات بالمرضى، والمقابر بالأموات.
ويتوقف كل ظالم عن ظلمه، للإنسان وكل الكائنات الحية، فلا تئن الأرض بأصوات المظلومين، ولا يهدد الكوكب جشع المستغلين.
وغير ذلك الكثير والكثير من ثمار زراعة معاني التكبير في حياتنا، فرادى وجماعات.
عندها فقط تكون الفرحة الكبرى بالعيد، وتتحول حياتنا إلى عيد.
فكل عام والأمة الإسلامية بخير، وكلمات التكبير تتحول إلى حياة.
الجمعة 21 أبريل 2023م – 1 شوال 1444هـ