بقلم: د. أمين رمضان
“هذه مجرد تأملات شخصية، ليس الهدف فرضها على أحد، أو إثبات أنها الحق، لكنها دعوة للآخرين لتحفيز آلة التأمل الشخصي عندهم، بعيون عالمهم هم لا عالم غيرهم”
دعتني الندوة العالمية للشباب الإسلامي عام 1431ه (نحن الآن في 1444ه) لتقديم برنامج عن إدارة الذات في حفر الباطن بالسعودية. لم يكن مصطلح “إدارة الذات” مريحاً لي، حتى بعد أن قدمته لطلاب السنة التحضيرية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالسعودية، لأكثر من 50 مرة، عبر عقد من الزمان، فطلبت من الندوة تغيير عنوان البرنامج ليكون “قيادة الذات”.
لماذا فضلت عنوان “قيادة الذات” على “إدارة الذات”
ارتبط تغيير العنوان في ذهني بالآيات (7-10) من سورة الشمس
﴿وَنَفۡسࣲ وَمَا سَوَّىٰهَا * فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا * قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا * وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا ﴾ [الشمس 7-10]
معنى أفلح من زكاها: أي فاز بالنجاة من النار ودخول الجنة من طهر نفسه من الذنوب والآثام.
ومعنى قد خاب من دساها: أي خسر في الآخرة نفسه وأهله يوم القيامة إذا أخفاها (دسها) وأخملها بالكفر والمعاصي [المرجع: أيسر التفاسير — أبو بكر الجزائري (١٤٣٩ هـ) ].
رأيت أن التزكية للنفس والتي تؤدي لفوزها، هي قيادتها، وهذا هو المطلوب من الإنسان، أي إنسان، فالتزكية أخلاق، والأخلاق إنسانية ومجتمعية، لذلك ارتحت لعنوان قيادة الذات.
والسؤال: ما علاقة ما سبق بشهر رمضان؟
عندما نتأمل شعيرة الصيام، سنجد أن عنوانها الكبير، فوق أنها عبادة، هو “قيادة الذات”، خصوصاً عندما تكون أمام أقوى شهوتين عند الإنسان، شهوة الجوع وشهوة الجنس.
ولا تتم ثمرة الصيام إلا عندما تحيا تقوى الله في النفس، لتلهمها التقوى الفطرية التي بداخلها، فتنقاد لها، وتبتعد عن الفجور، وهي معركة مستمرة، بين الصعود بالتزكية، والهبوط بارتكاب المعاصي.
الحالة الرمضانية كلها محطة شحن لقطار التزكية داخل النفس لينطلق ويقودها في رحلة الحياة بعد رمضان، وإذا لم يتحقق ذلك، فلن ينال الإنسان من الصيام سوى الجوع والعطش، كما جاء في الحديث الشريف: “رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش” وهو حديث صحيح رواه النسائي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ويشير هذا الحديث إلى أن الصائم يجب أن يتحلى بالتقوى والإخلاص في صيامه (يزكي نفسه)، وأن يتجنب المعاصي والأفعال التي تفسد صيامه (لا يدسها).
ولا تتم القيادة إلا والإنسان في حالة وعي، وعي برسالته، وعي بذاته، وعي بالرحلة ودروبها، ووعي بالزاد الذي يحتاجه.
أخيراً ربما تقول عزيزي القارئ: إن واقعنا وحالنا، في معظم بلاد العالم الإسلامي، إن لم يكن كلها، لا يدل على ذلك!!!
صحيح مع الأسف وهذا هو الخلل الذي نعيشه!!!
لكن دعنا .. أنا وأنت نعمل على تزكية أنفسنا .. فالمسؤولية فردية .. والحساب فرادى
وللتأملات بقية بإذن الله…
السبت 25 مارس 2023م – 3 رمضان 1444هـ