بقلم: د. أمين رمضان
“هذه مجرد تأملات شخصية، ليس الهدف فرضها على أحد، أو إثبات أنها الحق، لكنها دعوة للآخرين لتحفيز آلة التأمل الشخصي عندهم، بعيون عالمهم هم لا عالم غيرهم”
الدوافع المحركة للبشر ثلاثة، كما تقول سوزان كويليام في كتابها الذي يحمل نفس عنوان المقال (وهو مترجم للغة العربية).
الدافع الأول للبشر هو القوة: تنبع ثقة الإنسان في نفسه من إحساسه أنه قادر وأنه يستطيع تحقيق ما يريده، ويمكن أن نعتبر القوة القدرات والطاقات التي يمكن أن يستخدمها الإنسان لتحقيق أهدافه في الحياة.
الدافع الثاني هو الإنجاز: وهؤلاء يشعرون بسعادة غامرة عندما يقطفون ثمرة عملهم، هؤلاء يثابرون ويصبرون على المشاق ويسهرون الليالي في العمل أو الدراسة أو التفكير، سعياً للثمرة التي يرون صورتها في عقولهم، حتى تتحقق، والأمثلة كثيرة في الحياة. والاحتفال بالإنجاز مهم في حياة المنجزين، ويمكن أن تشاهد ذلك في كل مكان يحقق فيه الإنسان إنجاز.
أما الدافع الثالث والأخير فهو العلاقات: وتقصد الكاتبة، العلاقات الاجتماعية. وهؤلاء يسعدون بالتفاف الناس حولهم، سواء كانوا معجبين أو مشجعين أو مريدين أو طلاب أو غير ذلك من دوائر المجتمع المختلفة.
فالقوة والإنجاز والعلاقات هي الدوافع التي تحرك البشر للعمل وتتحرك بهم عجلة الحياة.
تعالوا نتأمل معاً كيف يمكن أن يحقق شهر رمضان هذه الدوافع في حياة الصائمين.
فالقوة التي يبنيها الصيام على مدى 30 يوماً، هي قوة الإرادة داخل الإنسان ذاته، ومن لا يملك قوة إرادة داخله، لا يستطيع تغيير العالم خارجه. تخيلوا ماذا لو ظهرت هذه القوة في المجتمع، ماذا لو امتنعت غالبية الصائمين عن الحرام، وهم أنفسهم من امتنع عن الحلال في نهار رمضان طاعة لله بإرادته، كيف سيكون حال المجتمع كله، مسلمين وغير مسلمين، فقط أغمض عينيك وتخيل اختفاء ما يعاني منه المجتمع بسبب الغش في التجارة والبيع والتعليم والرشوة والاحتكار والاستغلال وشهادة الزور والواسطة والظلم وإهانة الناس وسرقة الأموال وسلب الحقوق والتزوير والاعتداء على الأعراض والتحرش ونشر الرذيلة ومحاربة الفضيلة الخ…، القانون وحده لا يكفي، فهو أعور، يطبق على أناس ولا يطبق على آخرين، لكن إحياء الضمير بنور الإيمان هو الأمل.
أما الإنجاز فحدث ولا حرج، أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ الصَّائِمَ يَفرَحُ مرَّتينِ؛ الفَرحةُ الأُولى: «فَرْحةٌ عِندَ فِطْرِهِ»، وهذه الفَرحةُ تكونُ في الدُّنيا، عِندَ انْتهاءِ صَومِهِ وإفْطارِهِ، وإتْمامِهِ العِبادةَ راجيًا مِنَ اللهِ الثَّوابَ والفضلَ، والفَرحةُ الثَّانيةُ تكونُ عِندَ مَوْتِهِ، حيث يَنالُ الأجرَ والثَّوابَ.
إنجاز يومي بعد كل صيام، لحظة الإفطار هي لحظة احتفال بالوصول للهدف، وهو الامتناع عن الطعام والجماع كل ساعات الصيام، إنجاز طاعة لله واحتفال بالقدرة على الصبر معاً، ثم تكون الفرحة بإنجاز الصوم كله يوم عيد الفطر. هذا في الدنيا، أما في الآخرة عندما يرون جزاء الصيام الذي خص به الله سبحانه وتعالى نفسه.
أما العلاقات، فهي فوق الوصف عندما تكون مع الله الذي قال عن الصيام “الصيام لي وأنا أجزي به” ، نعم له فقط، لأن الصيام سر بين العبد وبين الله. الصلة بالله هي أهم صله، وهي التي تصب نورها على كل حياة الإنسان، فتتسع دائرة العلاقات لتشمل كل مظاهر الحياة والوجود، وليس الناس فقط.
عزيزي القارئ هل كنت ترى شهر الصيام كما تراه الآن؟
عزيزي القارئ ابدأ بنفسك لتفوز بأجر الصيام من الله صاحب الفضل، وليفوز المجتمع من حولك بالتقوى التي تسعد الناس، إذا كنت تعتقد أن رب رمضان هو رب العام كله، بل الكون كله، وأنه حي وقيوم.
صوماً مقبولاً من الله عندما نحقق مراد الله منه في أنفسنا وفي المجتمع.
وللتأملات بقية بإذن الله…
الإثنين 27 مارس 2023م – 5 رمضان 1444هـ