تأمُلات مُسافر (٢) الحركة.. بقلم الدكتور أمين رمضان
الحركة قرينة الحياة، والسكون قرين الموت، بل إن الفطرة الإنسانية تدفع الإنسان للحركة، منذ اللحظة الأولى لنفخ الروح فيه وهو جنين، ثم يلفظه الرحم للعالم الخارجي، الذي خُلِقَ من أجله، ليسعي في مناكب الأرض، وفي بروج السماء، مستكشفاً ومعمراً للكون، عمران مادي وأخلاقي.
هذه الحكمة العميقة لخصها الإمام الشافعي في هذا البيت:
إني رأيتُ وقوفَ الماء يفسدهُ … إِنْ سَاحَ طَابَ وَإنْ لَمْ يَجْرِ لَمْ يَطِبِ
والحقيقة أنه ليس الماء وحده هو الذي يفسد من السكون، بل الفرد والجماعة والمؤسسة والأمة كلها تأسن إذا سكنت وتطيب إذا تحركت.
السكون عند نفس الأفكار أو نفس المشاعر أو نفس السلوك، السكون في نفس المكان ونفس الزمان، يعني الموت والخروج من الحياة، وإن بدا غير ذلك، كل ما في الأمر أنك تحسبهم أيقاظاً وهم رقود، فالكون كله في حركة دائمة ولا ينتظر الموتى الذين يتحركون في قبورهم التي صنعوها بأيديهم.
ما الذي حرك ذرية آدم الأولى ونشرها في العالم، وحولها إلى أمم متعددة اللهجات والسمات والعادات والتقاليد وغيرها؟
كانت القارات كلها متجمعة في قارة واحدة منذ حوالي ٦٠٠ مليون سنة، سماها العلماء جوندوانا، ثم تفتتت إلى كتل ضخمة واستمرت الكتل في الحركة، إما مبتعدة عن بعضها لتكون المحيطات والبحار، أو متصادمة لتكون سلاسل الجبال، وكل كتلة تحمل عليها أشكال الحياة المختلفة، فكانت السنن الطبيعة عامل مهم لحركة قارات الأرض في مناطق طقس مختلفة، لتعلن عن التنوع في أجمل صورة له.
ثم كانت حركة الإنسان المستكشف أو الفاتح أو المستعمر، ليكتشف القارات والبحار والمحيطات والشعوب والقبائل والثقافات، ولولا هذه الحركة لظلت الشعوب حبيسة في حدود المكان والزمان اللذان تعيش فيهما، لكن فتح المستكشفون وعي العالم على العالم، حتى صار الآن العالم كله قرية صغير، وصارت الحركة والمعرفة لحظية، لتساعد أكثر على ولوج آفاق جديدة للحركة الإنسانية ذاتها.
وما زالت شعوب آسنة لم تتحرك بعد، في عصر صار معدل الحركة فيه خيالي، وبالتالي معدل تخلف من لم يتحرك خيالي أيضاً.