تأمُلات مُسافر (٥) الحدود… بقلم د. أمين رمضان
وقفت في طابور الجوازات في مطار كوالا لامبور بماليزيا، وعبق المناخ الاستوائي يطل علينا من كل مكان حولنا، وعندما جاء دوري، تأكد موظف الجوازات عن طريق البصمة من شخصيتي ثم ختم الجواز وأعطاه لي، انتظرت لعل هناك رسوم للتأشيرة، ولكن الموظف مضى في عملة مع المسافر التالي وتركني غارقاً في دهشتي وذكرياتي وتأملاتي، ومشاعر النقلة من البيئة الصحراوية إلى البيئة الاستوائية، التي ملأت كل خلاياي بمزيج من شعور الراحة والمتعة المنبعثة من الأشجار الخضراء التي طلت علينا بمجرد خروجنا من الطائرة لقضاء إجازة قصيرة.
لا أدري لماذا تذكرت فيلم الحدود للفنان السوري دريد لحام، وهو يعيش رحلة العذاب بين حدود البلدة التي خرج منها والبلدة التي يريد الدخول إليها، ولعنة الحدود تطارده، ولكن هيهات.
ثم تذكرت مقالة قديمة كتبتها عام ٢٠٠٠م، أي منذ ١٧ سنة اقتطفت فيها فقرة وهي للكاتب الأمريكي هنري برن، مؤلف كتاب ” دراسات عالمية: حضارات الماضي والحاضر” عام 1998 م، عن الخلافة الإسلامية، لنقرأ مرة أخرى هذه الفقرة من الكتاب: (ساعدت فترات السلام الطويلة، التي عاشها الجميع في ظل الإمبراطورية الإسلامية، على تحقيق إنجازات كثيرة في مختلف الميادين، لقد ساعدت الحكومة الإسلامية القوية على حفظ النظام وتشجيع العلم والتجارة، لقد كان في إمكان المسلمين وغيرهم التنقل عبر أرجاء الإمبراطورية في أمان، وأدى ذلك إلى حرية تبادل الأفكار وزيادة المعرفة والإبداع) انتهى.
والغريب أن هذا الكتاب كانوا يدرسونه لطلاب المدارس في أمريكا في ذلك الوقت، وهذه المعلومات أرسلها صديق لي يعمل أستاذ بالجامعة وكان يدرس أبناؤه هذا الكتاب مع الطلاب الأمريكان الآخرين.
الكاتب والمفكر الإسلامي المعروف، د. محمد عمارة، في مقالة له بجريدة الشعب المصرية، بتاريخ 18 أبريل 2000م، وتحت عنوان “هذا إسلامنا”، كتب عن الخلافة العثمانية قائلاً: (كانت الدولة العثمانية- سواء في طور قوتها ومنعتها وعزتها أو في طور تراجعها وضعفها وانحطاطها- صيغة من صيغ التوحيد لأمة الإسلام ودار الإسلام، تنوعت في إطار سلطتها الولايات والأقاليم، مع الوحدة الجامعة التي جعلت كل ولاياتها وأقاليمها مفتوحة أمام كل مواطنيها دونما “جنسيات” تقطع أوصال الوحدة الإسلامية، أو “حدود”- قومية.. أو وطنية- تمزق دار الإسلام) انتهى.
أعتقد أن التشابه بين ما كتبه د. محمد عمارة وهنري برن لا يحتاج إلى تعليق.
والسؤال: متى تسافر المعرفة والعلوم والفنون عابرة بين أوطاننا، فتتنوع مؤسسات التعليم ومراكز الأبحاث وغيرها بعلماء من كل أوطاننا، كما في الاتحاد الأوروبي، خصوصاً أن أوطاننا يزداد تمزقها وتواجه معركة بقاء، بعد أن بات الانقسام يهددها بالزوال، وباتت رصاصة الرحمة على بعد خطوات منها، لم يبقى إلا أن يضغط أعدائها من كل حدب وصوب، في الداخل والخارج، على الزناد، لتلفظ آخر أنفاسها.
فهل نفيق قبل فوات الأوان!!!!!