أراء وقراءات

تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل.. مرآتان لوجهان من الحقيقة

  بقلم أيقونة الاتزان / السفير د. أحمد سمير

في زمنٍ تحوَّل فيه الشرق الأوسط إلى حلبة ملاكمة سياسية يرعاها البيت الأبيض بالتصفيق والامتناع عن إيقاف الجولات الدامية، جاءت صفقة تبادل الأسرى الأخيرة بين إسرائيل وحماس أشبه بسطرٍ من كتابٍ في الجغرافيا السياسية كُتب بالحبر والدم والدموع فبينما يسوِّق الإعلام الغربي المشهد على أنه ملحمة “إنسانية”، يقرأه العربي كأنه سطرٌ مكرر من أنشودة الصبر الطويلة التي افتُتحت يوم احتلال فلسطين ولم تُختَم بعد.

أسرى حماس: الوجه النحيل لجسدٍ صامد

معاملة سيئة من جانب الاحتلال للاسرى الفلسطينيين

حال الأسرى الفلسطينيين الخارجين من السجون الإسرائيلية يُمكن وصفه بأنه أشبه بانبعاث من “القبور”؛ إذ تبدو عليهم آثار التعذيب والتجويع وسوء المعاملة بشكل صارخ ومؤلم عند خروجهم، تظهر الأجساد منهكة، بفقدان واضح للوزن، وجوه شاحبة وعظام بارزة، وبعضهم لا يستطيع المشي بشكل طبيعي وصلت حالات كثيرة منهم للمستشفيات فور الإفراج لتلقي علاج طارئ، منها أمراض جلدية، مشاكل في الرئة، كسور ناجمة عن التعذيب، وحتى صدمات نفسية تمنع بعضهم من التعرف على ذويهم في البداية.

أما حين يتحدّث الأسرى الذين أفرجت عنهم إسرائيل، فتأتي الرواية متناسقة، كما لو أنهم نسخٌ متعددة من مأساة واحدة: طعامٌ لا يُؤكل، علاجٌ لا يُعطى، وشتائم تتدحرج على أجسادهم كالرصاص.

أسرى إسرائيل: عندما يحترم قواعد جنيف من غير اتفاق

أسير اسرائيلي يقبل مقاتل فلسطيني اثناء الافراج عنه اعترافا بحسن المعاملة

على الطرف الآخر من المشهد، يخرج الأسرى الإسرائيليون من لدى حماس في غزة بوجوهٍ شاحبة، ولكنها سليمة، بأجسادٍ ترتدي الثياب نفسها التي دخلت بها قبل عامين، وربما بوزنٍ ناقص لكنه لم يبلغ حدَّ الهزال حسب البيانات الأممية.

تُظهر المقاطع أن المحرَّرين الإسرائيليين يسيرون على أقدامهم، يتحدثون إلى الصليب الأحمر، لا تُوجد على أجسادهم علامات قيود واضحة فحماس تُريد أن تظهر “إنسانية المقاومة”، وإسرائيل تُريد أن تدمر الجميع.

الفارق الجوهري: من إنسانٍ إلى رقمٍ أمني

الفرق الحقيقي بين الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية والأسرى الإسرائيليين لدى حماس ليس في الطعام ولا في الهواء فقط، بل في تعريف كلمة “أسير”
في ثقافة المقاومة، الأسير الإسرائيلي هو ورقة تفاوض يجب الحفاظ على قيمتها
وفي ثقافة الاحتلال، الأسير الفلسطيني هو مذنب وارهابي.

فحماس مهما اتّهمها العالم لا تملك سجونًا خمس نجوم ولا زنازين بتكييف، لكن تقارير الصليب الأحمر لا تُسجِّل حالات تعذيبٍ ممنهجة، بل التزامًا نسبيًا بقواعد جنيف.

في المقابل، أوردت المنظمات الحقوقية أن إسرائيل تستخدم التعذيب كإجراء مسلم به إذ قدّمت أكثر من  1400شكوى تعذيب لم يُحقّق إلا في ثلاث منها فقط.
هكذا يتحول الإنسان إلى رقمٍ أمني، تُقاس أهميته بعدد المؤتمرات الصحفية التي تُعقد لأجله.

الأسرى.. مرآتان لوجهان من الحقيقة

الأثر النفسي أيضاً لا يُقارن فالإسرائيلي الخارج من غزة يعود إلى دولة ترعاها نفسيا وطبيا وماليا ويكون بطلا يحكي قصص بطولاته عبر وسائل الاعلام والتاريخ الصهيوني.

أما الفلسطيني الخارج من سجن “كتسيعوت” أو “النقب”، فيخرج ليجد وطنه مهدم لا يوجد به إلا التراب والاحياء الذين يعشون عليها أموات مع إيقاف التنفيذ.

الأول يُلقَّب “بطلاً ناجياً”، والثاني يوسَم “مُخلّفاً أمنياً”

ومن الطريف المبكي أن الصليب الأحمر يراقب الأسرى لدى حماس مرتين أسبوعياً، بينما تراقب إسرائيل الأسرى الفلسطينيين بصواريخ “دقيقة” إذا وجدوا صدفةً خارج السجن.

سوق المقايضة الإنساني

هنا يُطرح السؤال الأبدي: كم فلسطينياً يساوي جندياً إسرائيلياً واحداً؟ الإجابة تقريبا: حوالي 1000 إلى 1..! نعم، هذه ليست معادلة رياضية عادية، بل هي معادلة سياسية تعكس اختلاف المقياس الإنساني بين الطرفين.

بين الرماد والضمير

حين قابل أحد مراسلي الغرب أسيراً فلسطينياً محرراً وسأله: “كيف كانت المعاملة؟”
أجاب بابتسامةٍ تشبه جدار غزة: “كنّا نعامل كأننا أحياء، وهذا أعظم إنجاز لنا في وطنٍ يحتفل به الميت أكثر من الحي”
أما الأسرى الإسرائيليون، فحدّثونا عن “الخوف من الظلام” وضيق الأماكن”، وكأن المفروض أن يتم أسرهم في قرية سياحية في جزر المالديف.

ختاما ربما علينا أن نطلب من حماس أن تفتح دورة تدريبية للجيش الإسرائيلي حول “كيفية معاملة الأسرى وفقاً للقانون الدولي”! فمن يتهمون بالإرهاب هم من يطبقون اتفاقيات جنيف حتى ولو بشكل نسبي، بينما من يدعي الديمقراطية ينتهك أبسط حقوق الإنسان وكأننا في عالم مقلوب، حيث يصبح المعتدي ضحية، والضحية معتدياً!

السفير د. أحمد سمير

عضو هيئة ملهمي ومستشاري الأمم المتحدة

السفير الأممي للشراكة المجتمعية

رئيس مؤسسة الحياة المتزنة العالمية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى